عقد مجمع تشخيص مصلحة النظام برئاسة رفسنجاني، مطلع الاسبوع الحالي، جلسة إستثنائية لمناقشة مشروع جديد للإنتخابات الرئاسية الايرانية للحد من الرقابة التي يمارسها “مجلس صيانة الدستور” على المرشحين الرئاسيين وإبعاد الذين لا يؤمنون بمبدأ ولاية الفقيه. وفي سابقة جديدة لمجمع التشخيص، أكد أنّ المشروع الجديد يتضمن إلغاء ولاء المرشحين الرئاسيين لمبدأ الولاية المطلقة للفقيه وهذا الامر أثار حفيظة المحافظين من الأصوليين والمتشددين من أنصار الحكومة الحالية وعلى رأسهم “حسين شريعتمداري” ممثل ولي الفقيه في مؤسسة كيهان الحكومية ومدير مسؤول صحيفة كيهان ومستشار المرشد في قضايا الاعلام (والمحقق السابق في وزارة المخابرات الايرانية الذي كشفت بعض المصادر أنه كان يحقق في الامن مع كبار القادة الوطنيين والمعارضين في بداية تأسيس هذه الوزارة، عدا إتهام البعض له على أنه كان يمارس شتى أنواع التعذيب ضد المعتقلين السياسيين أنذاك). وجاء إتهامه لمجمع التشخيص وشخص رفسنجاني بانه يرمي إلى فتح الباب أمام المعارضة الخارجية بمشروعه الانتخابي القاضي بإستبدال مجلس الصيانة بـ”لجنة وطنية للإنتخابات”. واتهم “شريعتمداري” رفسنجاني بأنه يعمل على تجاوز السدتور وبنوده التي تؤكد على مجلس الصيانة وحقه الرقابي عبر جماعاته أمثال “حسن روحاني” و”محسن رضائي”.
ماذا يتضمّن المشروع الانتخابي الجديد؟
طهران- “الشفّاف”
كتبت صحيفة “إعتماد” الاصلاحية في تحليل سياسي للمشروع الانتخابي الجديد الذي تمّ تداوله في مجمع تشخيص مصلحة النظام ولم يتم الكشف عن كل تفاصيله بأنّ هذا المشروع يتضمّن إلغاء الاشراف والرقابة التي يمارسها مجلس صيانة الدستور (في اقصاء من يثبت ولاءهم لغير مبدأ ولاية الفقيه) بشكل كامل. ولكن يتم العمل بهذا المشروع بعد إقراره من قبل المرشد (ونعود الى نفس الحلقة المفرغة). وتم إقرار المشروع من خلال شخصيات في لجنة الأمن والسياسة والدفاع بمجمع تشخيص مصلحة النظام أمثال “حسن روحاني” وغيره من الاصلاحيين المقربين من رفسنجاني. وهو يقضي بالعمل على تغيير قانون الانتخابات لإنشاء لجنة وطنية للإنتخابات تتولّى تنظيم الانتخابات وتقوم بدراسة مؤهلات المرشحين للانتخابات الرئاسية في إيران. كما تتولى مسؤولية الرقابة على الاعلانات الإنتخابية ومراجعة الطعون الانتخابية. وتذكر الفقرة بأنّ مجلس صيانة الدستور يدخل ضمن هذه اللجنة لكن بشكل مراقب وليس له حق التصويت.
ما الهدف من وراء مشروع الانتخابات الجديد؟
إنّ الهدف المعلن هو مصالحة تيارات النظام بشقيها الاصلاحي والمحافظ. ولكن الهدف غير المعلن يبدو الحد من تحركات جماهيرية شهدتها إيران في الاشهر الثمانية الماضية وخوف قادة النظام من التمرّد والعصيان المدني، وخاصة إنّ البلاد مقبلة على أزمات خارجية من عقوبات صارمة وإمكانية توجيه ضربة عسكرية ما سيفاقم الوضع الداخلي. فهذه الخطوة تاتي ضمن هواجس القلق والخوف التي تساور المحافظين والاصلاحيين المقربين لرفسنجاني على حد سواء لوقف نزيف الخروج عن النظام. وقد سمعنا قبل أيام بنبأ طلب اللجوء السياسي من قبل الدبلوماسي الايراني في النرويج “محمد رضا حيدري” وحديثه عن موجة جماعية للدبلوماسيين الايرانيين تنوي تقديم إستقالتها إثر ما حدث بعد الانتخابات. هل يمثّل مشروع رفسنجاني خطوة كافية تتناسب وخطورة الموقف؟ لا أعتقد أنها ستكون كافية، خاصة وأنّ هنالك إحتقانا جماهيريا بين الشعوب الايرانية كافة بمختلف مكوناتها، وإحباطا عارما حول إمكانية إصلاح هذا النظام بين الاوساط الايرانية المثقفة.
هنالك عدة تساؤلات تطرح حول توقيت إقرار هذا المشروع في مجمع تشخيص مصلحة النظام وتكهّنات عن مصالحة بين الاصلاحيين الحركة الخضراء والمحافظين. وتُطرح بقوة هذه خطب تدعو للوفاق الوطني، ويدور الحديث عن وساطة رفسنجاني بين التيارين وعن مشروع جديد للخروج من الازمة الراهنة التي تمر بها البلاد. ولكن ما مدى فاعلية هذا المشروع، وهل أنّ زعماء الاصلاح الذين يُعرفون بالقادة الرمزيين للحركة الخضراء هم بالفعل قادة هذه الحركة أم انها خرجت من ايديهم وباتت في يد الشارع؟ وهل أنّ المصالحة بين تيارات النظام، التي تنشط الان على أشدها حسب بعض المصادر، ستوقف ديمومة الحركة الخضراء بين أوساط الشعب الايراني؟ وما مدى فاعلية مثل هذه المشاريع والشعب الايراني يقف على أعصابه جراء ما شهده من تطاول على حقوقه الاساسية وإضطهاد مستمر وإعتقالات عشوائية وعدم قبول الاخر الا ضمن إطار النظام الحالي؟
ولا ينبغي أن نغفل أنّ مشروع قانون الانتخابات المذكور جاء بعد إصرار زعيمي الحركة الخضراء المخضرمين، “كروبي وموسوي” رغم التهديدات الجسام التي مرّا بهما الرجلين من تهديد وإرهاب وقتل لأقربائهما (قتل إبن شقيقة مير حسين موسوي في ذكرى عاشوراء) وتعذيب لاسرتهما (تعذيب نجل كروبي في إحدى المساجد بطهران في 11فبراير). ويمكن وصف هذا المشروع بأنه تراجع أمام صلابة الحركة الخضراء.
فهل توحي هذه الخطوة، وأخرى يمكن أن نشهدها في المستقبل القريب، بتراجع النظام امام الحركة الخضراء، أو أنها مناورة لإمتصاص غضب الجماهير الايرانية؟ وهل سيفلح التشدد المحافظ أمام صمود الحركة الخضراء وتغيير تكتيكاتها وستراتيجيتها؟ أم أنه سوف يتراجع كما تراجع في السابق في خطوات شبيهة تقريباً؟ هذا السؤال وغيره ستجيب عليه الايام القادمة بعد ان تتضح معالم الصورة في إيران.
falahiya25@yahoo.com