منذ الأشهر الأولى لثورة سوريا، كنت تردّد في كل اتصال بيننا، قبل خروجك من دمشق، أن هذه الثورة ستفجّر أوضاع الشرق الأوسط، وحتى العالم! يبدو أنك كنت على حق!
أنور البنّي: نعم لقد كنت قد توقعت أن الثورة السورية ستفجر أوضاع العالم كله وتغيّره. وقد كتبت ذلك منتصف عام 2011 بعد خروجي من السجن وقلت “إن المواطن السوري الذي خرج بكل بساطة يطالب بحريته لم يدري أن هذا المطلب سيغير العالم. فتغيير النظام السوري سيغير كل المنطقة وتوازناتها وسيؤدي لتغيير العالم والجميع خائف من انتصار الشعب السوري”.
فسوريا وإن كانت لا تحتوي ثروات طبيعية يمكن أن تشعل حربا للسيطرة عليها، ولكن موقعها الجيوسياسي بالمنطقة هو الأهم. فهي نقطة تواصل وتحكم سياسي وجغرافي بكل المنطقة ودورها هام ومحوري بها سياسيا وثقافيا وجغرافياً. والأسد الأب عرف ذلك واستغله بكل طاقته ليمكّن حكمه، ونسج من موقع سوريا شبكة خيوط عملية لزيادة التأثير والتحكم وهذا ما أدى إلى أن يدعم كل العالم نظامه حتى في أحلك الظروف وعلى رأسهم طبعا اسرائيل.
ونجاح الثورة السورية وتغيير النظام كان سيغير كل توازنات المنطقة التي اشتغل الغرب والشرق على بنائها لعقود. وتغيير النظام في سوريا سيؤدي مباشرة إلى تغيير الأنظمة في لبنان والعراق والأردن وتصل إلى الخليج وإيران، وطبعا تركيا ومصر ستتأثران أيضا. لذلك، وقف كل العالم يتأمل مصيره في حال نجاح المواطن السوري بالحصول على حريته من نظام استبدادي كان يطوع دور سوريا لخدمة العالم وخدمة بقائه في السلطة. لهذا كان الموقف العالمي كله معادٍ لتطلعات الشعب السوري، وحتى من ادعوا أنهم أصدقاء الشعب السوري كانوا يعملون بكل قوتهم لمنع هذا الشعب من الحصول على حريته ودولته الديمقراطية. ولهذا وقف العالم يتفرج على المجازر بحق الشعب السوري دون أن يحرك أي ساكن سوى بيانات تنديد واهية لا تقدم ولا تؤخر. والأسوأ كان موقف هيئة الأمم المتحدة كمنظمة دولية. فقد أظهرت الثورة السورية هشاشة وضعف بنيتها وظهرت كأنها هياكل من قش لا تقوى على تقديم أي شيء دون أوامر الدول الكبرى، وأن دورها هو مجرد حماية وتنفيذ أوامر الدول الكبرى وليست حماية الدول أو الشعوب الضعيفة وحماية السلم العالمي كما هو مفترض بنظامها الداخلي الذي أثبت عجزه عن تنفيذ فحواه. فانهارت الثقة بالمنظمة الدولية من الشعوب والدول، واعتقد أنها لم تعد تصلح لا كبنية تنظيمية ولا كأداة دولية للاستمرار في مستقبل العالم. كما انهارت عصبة الأمم بعد الحرب العالمية الثانية بوجود توازنات قوى جديدة فإن منظمة الأمم المتحدة بشكلها الحالي ستنهار بعد ثبوت فشلها.
ماذا يحصل في حلب؟ وما أهمية حلب بالذات؟ أهميتها اقليمية، بالصلة مع تركيا، أم داخلية؟
أنور البنّي: أهمية حلب تأتي من كونها العاصمة الاقتصادية لسوريا أولا، وأكبر مدينة بعد دمشق ثانيا. وكونها قريبة من اللاعب التركي الذي دخل مؤخرا إلى الساحة كلاعب عسكري مباشر على الأرض السورية. وأعتقد أن حلب لم تكن ضمن مخططات النظام في دولته المفيدة التي كان يخطط لها، ولكن الدخول الإيراني العسكري والمباشر في سوريا هو الذي فرض على النظام الاحتفاظ بحلب والقتال بكل هذه الشراسة من أجلها. فحلب حاجة إيرانية أولا لضمان التواصل الجغرافي مع إيران عبر العراق – الموصل – الذي اشتغل عليه لفترة طويلة جدا. لذلك فعركة حلب مهمة جدا لإيران، والآن للأسد، بعد الدخول التركي العسكري.
والسيطرة على حلب هي معركة مصير بالنسبة للمشروع الإيراني في المنطقة ولهذا نرى هذا الاستقتال الكبير من إيران والميليشيات التابعة لها للفوز بمعركة حلب. وبالنسبة لروسيا فإن حلب هي المدخل لمد النفوذ خارج إطار “حميميم” و”الساحل” والدخول باللعبة والمفاوضات حول وضعها العالمي ووضع أوكرانيا وجورجيا وغيرها مع أمريكا وأوروبا وبيدها اوراق قوة أكثر.
الناس لم تعد تفهم ما يجري! يبدو للمراقب الخارجي أن هنالك حروباً خارجية تُخاض في سوريا، بين حركات جهادية، وإيرانيين وتوابعهم اللبنانيين والعراقيين وحتى الأفغان، واتراك، وروس، و.. يبدو وكأن أهل البلاد باتوا خارج اللعبة؟
أنور البنّي: الثورة السورية، ولأنها تهدد فعلا بتغير المنطقة والعالم، وهذا ما يعرفه اللاعبون الإقليميون والدوليون، فقد فعل الجميع وأعني تماما “الجميع” ما بوسعهم وقوتهم لوأدها وإفشالها! وانتظروا أكثر من سنة، وهم كانوا جميعهم يأملون من النظام أن يقضي عليها! ولكن عندما عجز عن ذلك، رغم استخدام كل القوة التي يملكها وبدأ بالانهيار استدعى التدخل الخارجي الإيراني والروسي مما أدى إلى تدخل مضاد ولكن ليس لمصلحة الشعب السوري وإنما لمصالح خاصة بالدول الأخرى، ولتحويل الثورة عن وجهتها وتغيير خطها. فلا مصلحة لأحد بالجوار الأقليمي أن تنجح الثورة السورية وتبني بلدا ديمقراطيا لأن ذلك سيمتد لبلدانهم حتما بالمرحلة اللاحقة. ولا يريد أحد من الديكتاتوريين الملوك او الأمراء أو الرؤساء أن يواجه شعبه ويتخلى عن كرسيه. وبذلك ابتدأت حروب بين الدول على الأرض السورية متخذة من سوريا كبلد، ومن دماء الشعب السوري وأمله بالحرية وقودا لها. وهذه الحروب جاءت بعدما أيقن الجميع انتهاء سوريا الأسد وسقوطها تماما، فبدأ الجميع بمحاولة الإمساك بما يمكنهم من التأثير برسم صيغة المستقبل لسوريا وأخذ كل طرف يغطي أهدافه الحقيقية بأهداف وهمية تم إنشائها فكانت داعش وكانت النصرة وكانت وحدات حماية الشعب الكردية وكانت الميليشيات الشيعية وكانت الحرب الروسية الصليبية، واتخذت الحرب أشكال طائفية وقومية، وكل ذلك كان غطاء لإجهاض ثورة الشعب السوري الحقيقة بالمطالبة بالحرية والديمقراطية.
استطراداً، ما هي مسؤولية « النخب السورية » في الوضع المريع الحاصل؟
أنور البنّي: لا يمكننا تحميل النخب السياسية السورية ما لا طاقة لها به!
فبالنهاية، النظام لم يخض الحرب على الشعب السوري مستخدما قوته الداخلية، وإنما منذ أول لحظة خاض حربه بدعم ومساندة من شركائه الخارجيين، وبعد ذلك بتواجد عسكري مباشر لهم على الأرض، وبكل أشكال الدعم والمشاركة. بينما النُخَب المعارضة السورية لم تجد أحدا يقف معها أو يدعمها أبدا إلا بالبيانات والتصريحات الخلبية التي لم تعني أي فعل على الأرض. بل على العكس تم خيانة هذه النخب ممن ادعى صداقته للشعب السوري. فكان هؤلاء هم السبب وراء تشرذم هذه النخب وتشتيتها. وتُرك الشعب السوري يواجه قوى عسكرية كبرى وحده دون أي دعم أو مساندة! طبعا أنا لا أبرئ هذه النخب من أخطاء كثيرة وقعت بها، والشخصانية التي طبعت تعاملها، ولكني أقول حتى لو أنها كانت بأحسن أحوالها فإنها لم ولن تجد أحدا يقف معها أو يدعمها! لذلك فقد انجرفت مع تيار المنافع الشخصية والمكاسب الصغيرة.
بالإضافة إلى أن هذه النخب لم تكن هي التي قامت بالثورة أو قادت القيام بها، وكان دورها لاحقا للفعل الشعبي وبالتالي لم تكن تملك خيوط التأثير والتحكم الداخلي ولم يدعمها العالم لتقوم بذلك بل ساهم العالم بتشتيت التأثير الداخلي بين القوى الإقليمية عبر التمويل للإغاثة والتسليح مما همش تماما دور هذه النخب وعزلها نهائيا عن الفعل على الأرض وانحسر تأثيرها تماماً. أما اكتساح مجموعات تم دعمها ماديا وعسكريا تحت يافطات دينية، فاقتصر دور هذه النخب على حمل مطالب وتطلعات الشعب السوري واستغلها العالم أبشع استغلال، فأدخلها لعبة تضييع الوقت بحديث عن حلول سياسية ومفاوضات ومبعوثين دوليين لغسل يديه من دماء السوريين. ومسؤولية هذه النخب أنها استمرأت هذه اللعبة وانغمست فيها وباعت الوهم الذي اشترته من الدول التي ادعت دعمها للشعب السوري فخسرت نفسها. ولكنها لم يكن أبدا بإمكانها أن تربح. فالقوى صاحبة القرار والمؤثرة على الوضع السوري أكبر وأقوى بكثير من ممثلي مطالب لا يوجد أحد بالعالم يقدم لهم أي عون أو مساعدة. فكل العالم لا يريد مشاهدة معارضة سورية وطنية ديمقراطية مدنية والكل يريد لهذه المعارضة أن تختفي ليظهر وجه التطرف ويبرر بقاء النظام ويبرر تدخله في سوريا.
هل انتهت الثورة السورية؟ والبعض بات يقول أنه ربما كان افضل لو أنها لم تبدأ أصلاً لأنها لم تسفر سوى عن دمار للبلاد وتهجير للناس؟
أنور البنّي: لا يمكن أن تنهزم ثورة شعب. يمكن أن تتعرض لانكسارات أو تراجع أو ضعف، ولكنها في النهاية حتما تنتصر! السؤال برأيي ليس هل ستنتصر أم لا. السؤال هو كم سيدفع الشعب السوري ثمنا لحريته، وكم من الزمن سيحتاجه لنيل هذه الحرية؟ وللأسف، الجواب عن هذين السؤالين حتماً ليسا= برسم الشعب السوري، وإنما برسم القوى الأقليمية والدولية الفاعلة والقادرة, وثورة الشعب السوري التي يقف كل العالم بوجهها هي أكثر من مميزة بالتاريخ بل الأكبر والأكثر تميزا والأكثر تأثيرا في العالم. والسؤال هو هل يمكن أن لا تقوم الثورة أو تتوقف وتنتهي لارتفاع كلفتها؟
كانت الثورة السوري نتيجة حتمية لا مناص منها في ظل العصابة العائلية التي استولت على السلطة في سوريا واستحوذت على كل شيء حتى على اسم سوريا فحولته لسوريا الأسد. وحولتها لمزرعة تمتلكها، وحولت الشعب السوري إلى مجرد عبيد أو تابعين أو خدم. وبالتالي، فالثورة كانت أكثر من ضرورة! فهل كان يمكن الانتظار على هتلر وموسوليني ليبتلعوا كل شيء؟ وهل كان يمكن السكوت عن مطامعهم بالتوسع والسيطرة وعقد مصالحة معهم؟ وبالحرب العالمية الثانية دفع العالم 60 مليون ضحية ودماراً هائلاً للخلاص من هتلر، ولا يمكن التفكير بأنه كان يمكن توفير هذا الثمن وبقاؤه، لأن يقاء هتلر كان سيكلف العالم أضعاف أضعاف هذا الثمن. لذلك مهما كان الثمن غاليا فإن الخلاص من هذه العصابة الإجرامية يستحق، وبقاؤها سيكلف الشعب السوري كل ما يملك.
هل هناك خطر على الأقليات بسوريا؟
أنور البنّي: نعم هناك خطر محدق بالطائفتين العلوية والشيعية. هذا الخطر أتى من نفس الطائفتين. هم وضعوا أنفسهم بهذا الخطر عندما لم يجدوا أمامهم أي حيلة أخرى للبقاء أسيادا تحت شعار القومية والوطنية والمقاومة فكشفوا عن وجه طائفي مقيت. وهذا الخطر يزداد اقترابا وملمسا كلما توغل النظام وحلفاءه في الكشف عن وجه طائفي جديد. وكلما تقاعس أبناء الطائفتين عن التبرؤ من أفعال هذا النظام ورفع الغطاء الطائفي عنه والانغماس حقيقة مع قوى الثورة. وكلما يستمر سكوت العالم عما يجري بل والسماح بما يجري لتحقيق مصالح آنية مؤقتة تتمثل بمقاومة قوى التطرف لبعضها وتدمير نفسها على حساب الشعب السوري وبنيته التحتية وحياة أبنائه، بينما الغرب يكسب بمراقبة أعدائه يدمرون بعضهم. هذه اللعبة الغربية، وإن اعطت بعض الانتصارات المؤقتة للغرب، لكنه بالمستقبل سيدفع ثمنها كبيرا بانفجار المنطقة بوجهه. وهو الذي سيحمل العبء الأكبر بإبعاد النيران عن مناطقه. وتحمّل آثار زلزال لن يستطيع التحكم به وبنتائجه.
أما بالنسبة لباقي الأقليات فلا أعتقد ان هناك خطراً يهددها. ربما تزاد حياتهم صعوبة أو تعقيدا لمرحلة معينة، ولكن هي مرحلة مؤقتة وقصيرة لن تؤثر أبدا على وجودهم أو دورهم في مستقبل سوريا.
أنت شخصياً، حرصتَ دائماَ على الإبتعاد على لعبة « المعارضات »، وركّزت على العمل الدستوري وعلى موضوع حقوق الإنسان. أين أصبحت مشاريعك لوضع دستور جديد لسوريا؟
أنور البنّي: لقد ابتعدت عن العمل السياسي ولعبة المفاوضات لسببين. فأولاً، أنا لست سياسيا. فالسياسة فن لست بارعا فيه، وتحتاج دبلوماسية لا أتمتع بها أبدا!
وثانياً، لأن السياسة التي تمارس مع الشعب السوري وسياسييه هي لعبة ليس هدفها الوصول لنتيجة وإنما مجرد تمرير وهدر للوقت بدون هدف مع إعطاء كامل الفرصة للنظام المجرم وداعميه للفتك بالمزيد من السوريين وتدمير المزيد من سوريا. ولم تكن في نية المجتمع الدولي بأي وقت الوصول لنتيجة وهدف من الفعل السياسي الذي يجري منذ خمسة أعوام. ولعبة المبعوثين الدوليين الثلاثة عنان والابراهيمي وأخيرا ديمستورا، وتمثيلية المفاوضات، كلها مجرد لعبة تلهي العالم وتمرر وقت الموت على السوريين. وبالتالي فإن الدخول بهذه اللعبة هو منح مشروعية سورية لهذه اللعبة ومنح اللاعبين الكبار جمهوراً وجدّية مشاهدة.
ما هو الجديد في مسودة دستورك بالنسبة لدساتير البعث مثلاً؟ هل تقترح العودة إلى ما قبل عصور الإنقلابات والبعث أم ماذا..؟
أنور البنّي: كنت وما زلت مهتما بموضوع حقوق الإنسان والجانب القانوني منه. وقد وضعت مشروع دستور جديد لسوريا كما نتمناها للجميع منذ عام 2005. وأنا في السجن وضعت تصورا شاملا للهيكلية القانونية للدولة السورية الديمقراطية صدر منه مشروع قانون للأحزاب وأنا في السجن، وبعد خروجي وضعت جملة المبادئ المؤسسة للدستور، ومشروع إعلان دستوري للمرحلة الانتقالية، وما زلت أعمل بهذا المجال حيث أعمل على مشاريع لقانون السلطة القضائية وقانون للإعلام وقانون للإنتخابات.
وكان هناك اهتمام بموضوع “العدالة” حيث وضعت خطة وهيكلية لتنفيذ العدالة الانتقالية. وبعد خروجي من سوريا، نعمل على البدء بمحاكمة المجرمين الذين هربوا من سوريا كلاجئين. كما بدأنا بمشروع إنشاء محكمة خاصة لمنع الإفلات من العقاب في سوريا. ولكن، للأسف الشديد، فإن العالم يتجاهل مسألة العدالة ومحاسبة المجرمين في سوريا بل يقف بوجه هذا المطلب ويمنعه بحجة أنه يمكن أن يعرقل العملية السياسية الهزلية التي تجري، ويسمح لمجرمين أجمع كل العالم على جرائمهم أن يشاركوا بهذه المهزلة وأن يكونوا جزءاً من الحلول المطروحة مع أنهم وباعتراف الجميع هم سبب المشكلة أساساً.
الدستور القادم لسوريا حتما سيكون قرار الشعب السوري كله وليس قرار شخص أو مؤسسة. نحن مهمتنا أن نضع المشاريع، وأن نبين، حسب رؤيتنا لموضوع احترام حقوق الإنسان، ما هو الأفضل من أجل السوريين جميعا، وأن نبذل كل جهودنا لتوضيح هذه الأفكار للسوريين. ولكن، في الفترة الآنية لا يوجد أي امكانية ليتخذ السوريين قراراهم بدستور جديد. بل لا يمكن أن يطرح مشروع دستور الآن، بينما السوريون مهجرون ومبعدون وتحت ضغط الموت والدمار وعدم الاستقرار والحاجة.
ولا يمكن كذلك بهذه الظروف العودة لمشاريع دساتير قديمة، إن كانت دستور 1950 أو 2012 أو غيرها، لأنها لا يمكن أن تصلح لا زمنيا ولا قانونيا لتحكم المرحلة القادمة. والأفضل، حسب رأيي، هو إعلان دستوري مؤقت ينظم العمل لهيئة الحكم الانتقالي ويمنح شرعية قانونية لوجودها وقراراتها ويمنح السوريين الوقت للملمة شتات أنفسهم والاستقرار المادي والمعنوي قبل أن يستطيعوا اختيار شكل مستقبلهم وحياة أجيالهم القادمة. وتنتهي صلاحية هذا الإعلان مع إقرار مشروع الدستور الجديد الذي يختاره الشعب وانتخاب الهيئات التي تمثله بشكل ديمقراطي وشرعي من مجلس نواب ورئيس وحكومة.
هل ما زال أنور البنّي “المتفائل الدائم”، كما كانت تقول عنك العزيزة رزان زيتونة؟ هل تستطيع اليوم أن تتصوّر، أو أن تحلم، بسوريا جديدة تعيش في سلام؟ هل سيتحول السوريون إلى شعب شريد بين أقطار الدنيا؟
أنور البنّي: لقد حققت الثورة السورية انتصارها المحلي منذ اللحظة الأولى لانطلاقها! وبسبب ممارسات النظام وطبيعته، فرض عليها الدخول بمعركة التغيير الإقليمي، وهي الآن وبحكم موقع سوريا في قلب العالم جغرافيا وحضاريا تتهيأ لخوض معركة التغيير العالمي، وستنتصر حتما، فالأساطير لا تنكسر!
أنا متفائل حتما ليس من باب المكابرة أمام هذا الدمار والموت الهائل للسوريين وأمام تجاهل العالم لما يحصل في سوريا والتغطية على المجرمين. أنا متفائل دائما لأن لدي ثقة بالسوريين كشعب مرت عليه أهوال هائلة في التاريخ وخرج منها أقوى. متفائل بالأجيال الشابة القادمة. متفائل أن تاريخ سوريا الذي يمتد لآلاف السنين لا يستطيع قزم صغير أن يمحوه مهما ارتكب من جرائم وبلغت قوته وجبروته في فترة ما ومهما ساعده كل العالم على جرائمه! فالتاريخ يعلمنا أن هؤلاء الأقزام يندثرون كما اندثر نيرون وهتلر وهولاكو وجنكيز خان ولاحقا فرانكو وميلوسوفيتس وبينوشيه. جميعهم اندثروا إلى لعنة التاريخ وبقيت الشعوب حية مهما لحق بها من خسائر. أنا لست متفائلا فقط، أو حالماً، بل أنا مؤمن بذلك وأعمل بجد من أجل المستقبل الذي أتصوره لسوريا، ولن آلو جهدا أبدا من أجله.