على أثر نشري لمقالي : ” عرب طيبون … حتى متى ؟! ” قبل اسبوع ، علمت ان الصحفي اليهودي جدعون ليفي ، من صحيفة هآرتس ، قد نشر بنفس اليوم مقالا تناول فيه نفس الموضوع ، وهوالأعضاء العرب في الأحزاب اليهودية – الصهيونية ، ووجه نقده اللاذع لهذه الظاهرة ، وكتب : “العربي الجيد لا يستطيع أن يؤيد هذه الأحزاب المسؤولة مباشرة عن ظلم واحتلال وقتل أبناء شعبه. ولكن عندما يتضح أن الضائقة تتسبب بالعار: رشوة الانتخابات بدلاً من خوض الكفاح، والعمالة بدلاً من الكرامة الوطنية. من الممكن أن يؤمنوا بالسلام وبالتعايش من دون انبطاح انتهازي، ومن الممكن دفع شؤون وسطهم من دون ممارسة الإفساد، ومن الممكن حتى السعي للمساواة في الحقوق من دون الظهور في الصور أمام الإعلان بصورة مثيرة للسخرية إلى جانب شاؤول موفاز وآفي دختر”.
وانهى مقاله بجملة هامة وخطيرة : ” كان من الصعب إطلاق الأحكام على جيل الآباء ولكن على «جيل الدولة من العرب أن يتخلص من هذه الأنماط الفاسدة. يكفي هؤلاء العرب الأليفين أن يصغوا للطريقة التي يتحدث فيها أسيادهم عنهم بصورة ساخرة وكيف يتحدث عنهم النشطاء اليهود الذين اشتروا أصواتهم بثمن رخيص في مبيعات نهاية الموسم، نهاية موسم الكرامة الوطنية” .
جدعون ليفي صحفي معروف بمواقفه الدمقراطية والمناصرة لحقوق الشعب الفلسطيني داخل اسرائيل وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة ، وهو صوت جريء في ادانة القمع الاحتلالي ، وانفلات وجرائم سوائب المستوطنين اليهود .
في مقالي عالجت الموضوع من زاويتي العربية الفلسطينية ، وجهت انتقادا مشابها حول الانضمام لأحزاب تشارك بقمع شعبنا والتنكر لحقوقة القومية ، هنا داخل اسرائيل وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة. ورايت ان جحافل المواطنين العرب الأعضاء في الأحزاب اليهودية ، يكررون مأساة 1948 ، حين اندمجوا في خدمة المشاريع الصهيونية ضد شعبهم ، بل ونجندوا للقتال ضد شعبهم ، وليعذرني القراء لعدم قدرتي على كشف التفاصيل ، وأوجههم الى الكتاب المذهل في الحقائق المؤلمة التي يكشفها من أرشيف الحركة الصهيونية والهاجانا اليهودية ووثائق الحكم العسكري وأذرع المخابرات وقرارات الحكومة ـــ كتاب ” عرب طيبون ” للباحث هيلل كوهن ، الذي استوحيت منه عنوان مقالي، في اشارة واضحة الى ما كان عام 1948 ، وكأن الحال لم تتغير … بل تسوء ويزداد التسابق لتكرار ما فعله السابقون .
عضو الكنيست من حزب كديما ، ونائب وزير الخارجية رد بمقال يحمل عنوان : ” لسنا عربا للزينة !” يقول فيه : ” كان غدعون ليفي يفضل أن يرى الجمهور العربي والدرزي في دولة إسرائيل يتنازل عن حقوقه باسم “النضال القومي” الذي يثمنه كثيرًا. كان يريدنا جميعا أن نرفع أيدينا في النضال من أجل المساواة ونعتكف في “جيتو” الأحزاب العربية وأن نركز على توزيع المواعظ. ”
ويضيف : ” ما أسهل مهمة غدعون ليفي كيهودي يعيش في دولة إسرائيل أن يتخذ هذا الموقف المتفاضل والذي يقضي بأنه يتوجب على غير اليهود الذين يعيشون هنا أن يتواجدوا في صدارة النضال العربي الوطني. ولا عجب أن يقول ذلك لأنه يعيش في تل أبيب ويحصل على كامل حقوقه بينما يجب علينا نحن في الوقت ذاته أن نناضل من أجل الحصول على ما نستحقه، دون منة من أحد. ”
السيد مجلي وهبه ، نائب وزير خارجية اسرائيل يطرح أفكارا هجينة حول النضال والحقوق ، ومجرد تقسيمنا الى عرب ودروز ، ينفي عن ابناء طائفته صفة العروبة عنهم ، فلماذا هو قلق اذن من مقال جدعون ليفي عن ” عرب البلاط ” – أي العرب الذين باعوا أنفسهم ؟
وهل النضال العربي الوطني يعتبر خيانة لحقوقنا في دولة اسرائيل ، في مفاهيم نائب وزير خارجية اسرائيل ؟ وهل كان نضالنا ضد احتلال وطننا من الحركة الصهيونية في عام 1948 هو أيضا خيانة وطنية لفلسطين ؟!
ما يطرحة جدعون ليفي الذي يسكن تل ابيب بالغ الخطر عليه من العصابات الصهيونية الارهابية . اليوم فقط ( 08 – 10 – 25 ) حاولوا اغتيال البروفسور التقدمي اليساري اليهودي زئيف شطرانهيل ، حيث وضعوا حزاما ناسفا مربوطا بباب بيته ، وسبب له اصابات مختلفة، نقل على أثرها للمستشفى ، واعلن الارهابيون اليهود عن جائزة مالية لكل من يقتل يساري يهودي . وذنب شطرانهيل انتقاد سياسة الحكومة المتنكرة لحقوق الشعب الفلسطيني وتصرفات سوائب المستوطنين في الضفة الغربية ودعوته لقلع المستوطنات والانسحاب من الآراضي الفلسطينية .
اذن جدعون ليفي يا ممثل الخارجية الاسرائيلية يحمل دمه على كفه في مواقفه الشجاعة ضد المستوطنين ومن أجل جماهير عربية تحافظ على كرامتها وتناضل قوميا من أجل حقوقها وحقوق شعبها الفلسطيني مع شرفاء يهود أمثال جدعون ليفي وزئيف شطرانهيل والاف غيرهم من أعضاء ” سلام الآن ” وحركات يسارية يهودية أخرى.
السؤال الذي يطرح نفسه تلقائيا ماذا أنجز “عرب البلاط “، بما قيهم نائب وزير الخارجية لحقوق شعبنا هنا في الداخل ، وهناك حيث يعاني من الاحتلال ومن سوائب المستوطنين؟
هل وجودكم في ” أحزابكم ” اليهودية ، تجاوز ذبح الخراف ونصب موائد الطعام والرقص والدبكة لحضرة الوزير ، والتحول الى مقاولي أصوات من أجل نصرته في المنافسات الحزبية التي لا تخصنا ، لأن القادم أخو الرايح ؟!
هل تجاوزتم حقا كونكم زينة عربية ؟! استبدلنا القمباز والعقال ، بالبدلة وربطة العنق ، فهل تغير شيء في تفكيرنا وتصرفاتنا عما جاء في كتاب ” عرب طيبون ” ؟ هل استعدنا وعينا أم ازددنا جهالة وضياعا؟ حتى تسميتنا بأسمنا كشعب تمزقت بفضلكم .. لم نعد شعبا فلسطينيا ، أقلية قومية عربية فلسطينية ، بل صرنا مسلمين ومسيحيين وبدو ودروز ،وأنت تكرر سيدي نائب وزير الخارجية نفس الموقف المستهجن والمرفوض وطنيا !! هل ترى تعتمد على واقعنا القومي السيء؟
أسمعني على لسانك ولو تصريحا واحدا تؤكد فيه حق الشعب الفلسطيني بدولة مستقلة ، (وحتى أسهل عليك المهمة )باضافة : “الى جانب دولة اسرائيل وليس مكانها ؟!”
أسمعني موقفا حول الحقوق المتساوية للأقلية العربية في اسرائيل .. أو” للعرب والدروز” كما تحب أن تقول متماثلا مع سياسة تقسيمنا والتنكر لهويتنا القومية!!
انت كابن للطائفة المعروفية ، هل استطعت ان تحقق حتى لطائفتك فقط ، مساواة نسبية افضل من واقع التمييز الذي يعاني منه كل العرب في اسرائيل وبضمنهم أبناء طائفتك ؟!
هل أنجزت في وجودك داخل الحزب الحاكم اليوم وسابقا ، وبوازة هامة ، مساواة لأبناء طائفتك ، الا في المقابر العسكرية ؟
لو كنت مكانك لما تسرعت بالرد على جدعون ليفي .. لطمرت رأسي بالرمل حتى لا أرى ولا أسمع . ربما تعبير “عرب البلاط ” مثير للغضب ، وهل تعبير ” عرب طيبون ” أكثر ملاءمة ؟ ، جدعون ليفي اختار أبسط التعابير وأقلها استفزازا … حقا ، حتى متى سنظل “عرب طيبون ” ، أو الأصح هل أبقى لنا “العرب الطيبون” من عملاء الحركة الصهيونية والمقاتلين ضد شعبهم الى جانبها في العام 1948 ، غير الخجل من أنفسنا ؟!
يؤسفني انك كنت صادقا في مسألة واحدة ، خطأ الاعتكاف في ” جيتو ” الأحزاب العربية ، حسب تعبيرك . لعلهم قرأوا ما كتبت ، ولعلهم صاروا يفهمون المقروء . أصارحك أن أحزابنا العربية تعيش حقا في جيتو مذل للفكر ومذل للنضال الوطني . يكفيها ذلا انها لم تحرك ساكنا خلال عشرات السنين في مواجهة ظاهرة تدفق العرب لتزيين الأحزاب اليهودية والتحول الى مقاولي أصوات وذابحي خراف للأسياد كلما هلت طلعتهم الانتخابية في قرانا وبلداتنا العربية.
لا سيدي نائب الوزير .. لست متفائلا على مستقبلنا في وطننا ، لا من وجودكم في احزاب السلطة ، ولا من نضال أحزابنا “الهام جدا جدا ” للوصول الى البرلمان !!
حان الوقت لتحرك جديد .. تحرك مجموعات لم تفقد بوصلتها ، نحو انقاذ مجتمعنا المدني من ذل الانضمام لأحزاب الأسياد اليهود المتنكرين لحقوقنا ، ومن أحزابنا المتصارعة كالديوك على نفس الشعارات ونفس الدجل السياسي ، ونفس الأطماع ، ونفس الضياع !!
حان الوقت لتفكير سياسي جديد ، يعيد صياغة خطابنا السياسي ، ويطرح التعاون الواسع مع القوي اليهودية الدمقراطية ، أمثال ليفي وشطرانهيل والسلام الآن والشبيبة العربية اليهودية العاملة والمتعلمة ، وتنظيمات شبابية يهودية يسارية مختلفة ، ومنتشرة في العديد من المدن اليهودية ، تريد الحياة والتقدم وترفض الموت والاستعلاء القومي وقمع الشعوب واحتلال اراضيها . وكان لي نصيب لقاء العديد من هذه المجموعات في الندوات التي دعيت اليها في الأشهر الماضية ، ان خطاب صحيح قادر على توسيع مساحة التعاون والدعم المتبادل وصعود حركة سياسية بتفكير سياسي جديد !!
لا أرى طريقا أخرى!!
نبيل عودة – كاتب ، ناقد واعلامي – الناصرة
nabiloudeh@gmail.com