حادثة اطلاق النار قرب مركز معاينة الميكانيك على اطراف الضاحية الجنوبية قبل أيام لم يكن لها اي طابع سياسي، فهي مجرد خلاف بين بعض السماسرة المنتشرين في المركز ومحيطه. وسقوط جرحى بسبب ذلك الحادث، الذي استتبع اغلاق المركز الى يومنا هذا، لاقى استنكارا من قبل حزب الله عبر نائب المنطقة “علي عمار”، كما سمع اللبنانيون وقرأوا مواقف مستاءة ومطالبة بمعالجة الخلل الذي ادى الى هذه النتيجة غير المقبولة. وركزت المواقف المنددة على دور وزارة الداخلية والبلديات، كجهة مسؤولة عن حماية هذه المنشأة وضبط الامن فيها، والحد من ظاهرة “الشبيحة” هناك.
هذه الظاهرة التي يتبرأ منها حزب الله بلسان بعض مسؤوليه، فيما يعترف بوجودها، باتت تثقل على كاهله، بعدما تحولت الى ما يشبه “المافيات” المنظمة، المنفلتة الى حد فرض الأتاوات على المواطنين وبعض التجار واصحاب المؤسسات والمقاولين في اكثر من منطقة في الضاحية الجنوبية. وانفلات “الشبيحة” على ارزاق الناس ومصالحهم لم يعد مقتصرا على حالات نادرة او محدودة، بل ثمة شكوى متزايدة في العديد من احياء الضاحية الجنوبية من استفحال هذه الظاهرة. والاخطر هو التسليم والتجاوب من قبل اصحاب المؤسسات والمقاولين اتجاه الاتاوات التي يفرضها الشيبيحة عليهم. ذلك ان هؤلاء الذين يتحسّسون مصالحهم وجدوا ان الاستجابة للشبيحة اقل ضررا من الرفض واللجوء الى القوى الحزبية او الرسمية للحماية. إذ ثمة شواهد على هذا الصعيد اظهرت عجز هذه القوى عن لجمهم، لا بل ثمة تنام منظم لهذه الظاهرة التي تنجح في تقاسم النفوذ ضمن الاحياء وعلى الارزاق.
واذا كان ثمة تسليم بان لهذه الفئة المتنوعة، في وظائفها واهتماماتها غير القانونية او الاخلاقية، دورا في ترويج المخدرات في اكثر من منطقة. واذا كان من الثابت ان هذه الظاهرة لم تُلجم، رغم بعض المحاولات “الجزر – امنية” والارشادية الرسمية وغير الرسمية، إلا أنّها، وعلى ما تؤكد التقارير الرسمية والاعلامية، ناشطة في الجنوب، سواء في مخيم عين الحلوة او في مناطق الجنوب الاخرى.
ويمكن الاشارة الى تنامي ظاهرة تعاطي المخدرات في الجنوب عبر اطلاق – ولأول مرة من قبل “حركة امل” – حملة للتوعية ومكافحة المخدارت في الجنوب باحتفال اقيم في “مجمّع نبيه بري الثقافي” في الرادار (السبت الفائت) برعاية وزير الصحة علي حسن خليل وبدعوة من مكتب الخدمات الاجتماعية في الحركة والجمعية اللبنانية للرعاية الاجتماعية – “نماء”.
لكن ينأى بعض المسؤولين الحزبيين في الثنائية الشيعية عن تورطهما في تبني او حماية هذه المجموعات، ويشدد هؤلاء على ان نفوذ هذه المجموعات سببه قدرتها على الاحتماء في اطر عائلية او عشائرية. لا بل يمكن ان تسمع ما يشي بالعجز عن التعامل مع خطر هذه الظاهرة. وثمة من يلقي المسؤولية على الطرف الآخر في هذه الثنائية، معتبرا انه يحميها لأنها توفر له قدرة على استخدامها في مناسبات تتطلب اشخاصا ينفذون الاوامر ولا يسألون.
وهناك العديد من القصص التي يتناقلها الناس في احياء الضاحية الجنوبية والجنوب عن نشاط هذه المجموعات الدؤوب في حملة التعديات على الاملاك العامة و”المشاعات”. كذلك هناك العديد من التعديات التي طالت مبانٍ ومؤسسات رفض اصحابها دفع الخوة. ويؤكد متابعون لهذه الظاهرة انها مرشحة للازدياد والتفاقم وزيادة النفوذ. وهي، اذ تستقوي بولائها للثنائية الشيعية الى حد “الاستشهاد”، تتيح لنفسها مساحة من الحركة والفعل الذي يبرره التفاهم غير المكتوب مع هذه الثنائية. وهي تدرك ان باستطاعتها اللعب على حبل الثنائية. فهي تستقوي بحركة امل اذا شعرت بضيق من حزب الله، والعكس بالعكس، لأنها اكثر من يلمس حالة انعدام الثقة في الشارع بين طرفي الثنائية، والاقدر على استثمارها بما يتلاءم مع مصالحها ومصالح الثنائية، لذلك تستشعر الامان الى حد كبير من خطر القضاء عليها، من دون ان تتجاوز الخط الاحمر، وهو سياسي وليس اجتماعيا بالتأكيد.
ويحقّ، بعد ثلاثة عقود تقريبا على صعود الثنائية الشيعية الى قمة الهرم السياسي في السلطة الرسمية وعلى ارض الواقع، ان يسأل احد “الشبيحة”، او اي مواطن، رئيس مجلس النواب وحركة امل الرئيس نبيه بري، وصاحب مقولة “أشرف الناس” الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله: ماذا عن الامن الاجتماعي لاشرف الناس من البقاع الى الضاحية الى كل لبنان؟
alyalamine@gmail.com
* كاتب لبناني
البلد