لم تحقق الانتفاضة السورية هدفها اسقاط النظام بعد، ولم يستطع النظام السوري انهاء الانتفاضة كذلك. لكن المسار الذي يخطه المنتفضون على امتداد الجغرافية السورية يترسخ. فبعد اقل من عام اظهرت الوقائع ان روح الانتفاضة تمتد في نفوس السوريين، وتفرض وقائع جديدة في الميدان رغم بطش النظام ودمويته. فهي ثبتت مسار التغيير الفعلي للنظام، بعدما كان من الخيال قبل عام. وقد بات التغيير لسان حال جميع السوريين اليوم، رغم ايحاء النظام بتبني السير به، بطريقة تظهر يوميا عدم جديته اوعجزه عن المغامرة في نظامه الامني – السياسي الحزبي العائلي والطائفي، لصالح نظام ديمقراطي تعددي جمهوري غير خاضع للتوريث، كما تظهر ان هذا النظام غير قابل للحياة، لأنه لا يتقن الا فعل التدمير والقتل والاستبداد. وهذا كفيل بأن يجعله خارج الحياة والتاريخ ولو التقى العرب والعجم على دعمه.
في “مؤتمر اصدقاء الشعب السوري” الذي عقد في تونس الجمعة، كان القرار الابرز في البيان الختامي هو اعلان المجتمعين رفض التدخل العسكري في سورية. واذا كان البعض من المعارضة وغيرهم، ممن تستفزهم هذه الدماء الشريفة التي تسقط في حمص وفي عشرات المدن والبلدات، قد عبروا عن خيبتهم حيال رفض التدخل العسكري ، فيما تقاطعت مصادر دبلوماسية عربية وغربية في بيروت على التأكيد “ان هذا المؤتمر كان المطلوب منه ان يعلن دعمه للشعب السوري وعدم التدخل العسكري الخارجي في سورية ، وهو انعقد على خلفيتين:
اولا، فشل مجلس الامن في استصدار قرار ادانة النظام السوري، بسبب الفيتو الروسي والصيني، بذريعة ان ذلك سيكون مقدمة لتدخل عسكري دولي في سورية.
ثانيا، توازن القوى السلبي في الداخل السوري، اي عدم قدرة المعارضة على الحسم، وعجز النظام عن كتم الانتفاضة المتصاعدة”.
ويجب الاشارة الى انه، وبعد عام تقريبا من عمر الانتفاضة السورية، شكل مؤتمر اصدقاء سورية بداية تلمس المجتمع الدولي خطاه في مقاربة الازمة هناك. اذ لم يكن قبل هذا المؤتمر ثمة وضوح لديه حيال مقاربة المشهد السوري. ولعل “ترمومتر” المواقف التركية المتقلبة منذ اندلاع الانتفاضة السورية مثال على الارباك الدولي. ومع مؤتمر اصدقاء الشعب السوري، تؤكد المصادر الدبلوماسية العربية المعنية انه “ثمة تأسيس لمقاربة دولية اقليمية تدعم الشعب السوري وانتفاضته تقوم على دينامية عمل على ثلاثة مستويات، داخلية، واقليمية، ودولية”.
فعلى المستوى الدولي ابقى المؤتمرون على باب المفاوضات مفتوحا مع روسيا عبر الادارة الاميركية، ومع ايران عبر تركيا، مع ابقاء الباب موصدا حيال اي حوار يستبطن بقاء النظام. وهي خطوة، وان بدت غير مرضية لبعض المعارضين الا انها تتيح، في ظل رفض التدخل العسكري الخارجي، الاستفادة من الحوار مع روسيا وايران لاستثمار علاقة هاتين الدولتين بالنظام السوري، انسانيا خصوصا لجهة تثبيت الممرات الآمنة لاغاثة الشعب.
فعدم التدخل العسكري، وان كان يساهم في تظهير الواقع السوري على حقيقته، إلا انه وبحسب المصادر نفسها، “ينتزع في المقابل ورقة من الذين يعتبرون ان ازمة النظام السوري هي خارجية وليست داخلية ويصرون على اضفاء وصف المؤامرة الخارجية على ربيع سورية وانتفاضتها . فيما انتزع الابقاء على فتح قنوات الحوار مع ايران وروسيا ورقة من النظام السوري الذي كان يفضل ان تغلق ليقطع الطريق على اي احتمال في احداث تغيير جدي قد يتسلل من هذه القنوات المفتوحة”.
في المقابل تبدو آفاق الحل الامني الذي اعتمده النظام السوري منذ بداية الازمة ، ولا يزال، امام افق مسدود. واذا كانت فرص الدخول العسكري السوري (الرسمي) الى حي بابا عمرو في حمص متاحة على ركام مئات الضحايا والابنية، فهي ليست الا مقتلا اضافيا للنظام. لأن الانتصارالامني والعسكري هنا هو هزيمة سياسية وهو سيجعل النظام اما أمام تصاعد النشاط العسكري المعارض، او استعادة الثورة كامل صورتها المدنية في حال حقق القضاء على المجموعات العسكرية، وبالتالي استمرارالانتفاضة من اجل اسقاط النظام سلميا.
يمكن الاستنتاج مما تقدم ان مرحلة جديدة ارسى ركائزها مؤتمر اصدقاء الشعب السوري: التغيير من الداخل اولا واخيرا، اذ ليس الغرب مستعدا لخوض مواجهة عسكرية مع النظام السوري، فيما يدرك ان انتفاضة الشعب السوري مفضية الى اسقاط النظام لا محالة.
يبقى ان كلفة هذا السقوط، رغم أنها تدفع من دم الشعب السوري، فيجب التذكير أيضا أنها تساهم في رفع الحواجز بوجه حلف تقوده ايران كان يطمح الى قيادة المنطقة، وصار قصاراه اليوم حماية نظام لا يختلف عربيان او مسلمان على انه فئوي ومستبد بامتياز.
alyalamine@gmail.com
* كاتب لبناني
البلد