بدأت إنتفاضة حزب العمال الكردستاني ضد الدولة التركية قبل 25 عاماً بالضبط، في يوم 10 آب (أغسطس) 1984. وكانت البداية في هجوم شنّه مسلّحون أكراد على ثكنة للدرك في مدينة “سمدنلي” في شرق تركيا، قرب الحدود مع العراق وإيران وهجوم آخر متزامن في “أيروح”. ويمكن القول أن التمرّد الكردي الذي ابتدأ 25 عاماً قد استند، من حيث خلفيته التاريخية، إلى تمرّدات سابقة، مثل تمرّد “الشيخ سعيد” الذي شُنِقَ في سنوات العشرينات. وقد لا يكون صدفة أن عبدالله أوقلان اختار يوم 15 أغسطس لبداية العصيان، لأن 15 أغسطس هو “يوم الفينيق” في التراث الكردي.
وقد أسفر الصراع المسلّح بين الدولة التركية وحزب العمال الكردستاني عن سقوط 45 آلف قتيل وتدمير مئات القرى.
ويبدو الآن أن هنالك أملاً في أن يبدأ الفريقان بالبحث عن حلول سلمية للمشكلة الكردية. وسيعلن زعيم حزب العمال الكردستاني، عبدالله أوقلان، من سجنه المنفرد في جزيرة “إمرالي” ما أسماه “ورقة طريق نحو سلام دائم مع تركيا” للمستقبل. كما استقبل رئيس حكومة تركيا، رجب طيّب إردوغان، ولأول مرة، في يوم 5 أغسطس، رئيس “الحزب الكردي”، أحمد ترك.
وفي هذا الإطار المستجدّ، أقدمت أكاديمية الشرطة التركية (!) على مبادرة غير مألوفة حينما نظّمت مؤتمراً حول القضية الكوردية شارك فيه 12 من أبرز مثقفي تركيا.
هل يفلح الأتراك والأكراد في شق طريق لحلّ سلمي يسمح للشعبين بالتعايش وبالإزدهار معاً؟ إن مغزى “النجاح” هنا لن ينحصر بتركيا وحدها. فعدا القضية الكردية في العراق وإيران وسوريا، فإن المنطقة كلها حبلى بصراعات قومية ودينية ومذهبية ستتأثر حتماً بما سيحدث في تركيا.
يتوجّه “الشفاف” بالشكر للأستاذ مصطفى اسماعيل، الذي وافانا بترجمة مع تقديم لمقال “روشن جاكر”، حول مؤتمر أكاديمية الشرطة التركية، في صحيفة “الوطن” التركية.
“الشفاف”
*
روشن جاكر: من الانفتاح على الكورد إلى نهضة تركيا
التقديم والترجمة: مصطفى إسماعيل
يكشفُ الكاتب والصحافي روشن جاكر في مقالته هذه، المنشورةِ في صحيفة “وطن” VATAN التركية، يوم السبت 1 آب، عما جرى في ورشة العمل التي أقامتها أكاديمية الشرطة التركية، للتباحثِ في شأن القضية الكوردية في تركيا. كما وينقلُ مشهدياتٍ مما جرى في كواليس الورشة التي كانت مُغلقةً أمام تغطية الصحافة التركية ووسائل إعلامها. وتشكلُ ورشة العمل، وانعقادها في مقر أكاديمية الشرطة التركية التي مارست فيما مضى القمعَ والعنفَ بحق المواطنين الكورد في تركيا ونخبهم السياسية والثقافية، محطةً هامةً أولى في التعامل التركي الرسمي مع القضية الكوردية، رغمَ الثغرات والنواقص العديدة التي انتابت ورشة العمل، وإقصاءُ الكتاب والصحافيين الكورد عنها، وعدم توجيه الدعوات لهم، ما أدى إلى تحويل ورشة العمل حول حل القضية الكوردية في تركيا إلى حوار تركي – تركي حولَ الآخر المختلف قومياً وقضيته المزمنة، ولكن رغم ذلك، تعدُّ ورشة العمل تلك خطوةً في الاتجاه الصحيح وحالةً أنموذجية، فأنْ تدعو دولةٌ مثقفيها وكتابها لمناقشة وتبادل الآراء حول مسائل البلاد العالقة لهو فعلٌ جديرٌ بالاحتذاء به، وأن يعدَّ المجتمعون في ورشة عمل رسمية أن نهضة تركيا رهن بحل القضية الكوردية هو إقرار بأهمية تلك القضية وتأثيرها على المسار السياسي والثقافي والمجتمعي في دولة استطاعت خلال السنوات المعدودة الماضية تصفيرَ غالبية مشاكلها مع دول جوارها، متطلعة إلى دور ريادي ومركزي في الشرق الأوسط، وفي هذه النقطة يلتقي المثقفون الأتراك الذين اجتمعوا في ورشة العمل مع عبد الله أوجلان، زعيم العمال الكوردستاني المعتقل في سجن تركي. كما وتنبغي الإشارة إلى أن مقالة كاتبنا “روشن جاكر ” لا تخلو من النواقص والثغرات، فهو لم يتطرق إلى تفاصيل عديدة أخرى أوردتها منابر تركية أخرى، ولكن يكفي أنها شهادة حية من داخل الورشة عن مجرياتها. إليكم نصَّ المقال :
روشن جاكر: من الانفتاح على الكورد إلى نهضة تركيا
بُحِثَ في ورشة العمل، حول الانفتاح على الكورد، المُقامة في أكاديمية الشرطة، عن إجابة على السؤال التالي: “ماذا سيُكسبُ حل القضية الكوردية الآخرينَ من غير الكورد؟”. ولمْ تلفظ فيه أبداً أسئلةٌ من قبيل “ماذا تقول القوات المسلحة التركية، وماذا ستفعل؟”، وكانت الأفكارُ متطابقةً حولَ أنَّ الانفتاح على الكورد من شأنه فتحُ الطريقِ أمام تركيا.
بداية علمتُ من الصحافيين بورشة العمل حول الانفتاح على الكورد التي ستقامُ في أكاديمية الشرطة، وفقاً للأنباء، فإن الدول الغربية، وفي مقدمها الولايات المتحدة ستنقلُ إلى دولتنا طريقةً معتمدةً بكثافةٍ لديهم: سيجتمعُ مسؤولو الدولةِ معَ مُمثلي وسائل الإعلام وأعضاء الهيئة التدريسية، وسيطرحونَ على طاولة النقاش أكثرَ مسائل البلادِ حساسيةً، ومن جميع الجوانب. لمْ يتحققْ ما انتظرتُه. فمُديرو أكاديمية الشرطة لم يتحركوا، ولمْ يكونوا يريدونَ ذلكْ، وخارجَ بعض ممثلي وسائل الإعلام كان هنالكَ فقطْ وزيرُ الداخلية بشيرْ آتالاي، وطبقاً لما كُتِبَ، لمْ يكُن هُنالكَ مُستشارُ لجهاز “ميتْ” ( جهازُ الاستخبارات)، ولمْ يكُن هُنالكَ مُستشارُ رئاسة الوزراء، ولا مديرُ الأمن العام. حتى الوزيرُ آتالاي فقدْ أكتفى بمُراقبة الاجتماع من البداية وحتى النهاية، مُسجلاً في الأثناءِ ملاحظاته، وخارجَ كلمةِ شُكرٍ قصيرةٍ في الختام لمْ يفتحْ فمه.
وكانتْ هنالكَ نواقصٌ أخرى أيضاً. مثلاً لمْ يكُن بين الصحافيين المدعوين – قدرَ علمي – أيُّ صحافيٍّ من أصل كوردي. فأكثريةُ المُشاركين كانوا منَ الذينَ يكتبونَ منذُ مدةٍ طويلةٍ عن المسألة الكوردية، ومن الذينَ بذلوا قُصارى الجُهْدِ من أجلِ حلٍّ دائمٍ لها، ونظروا في أقلِّ تقديرٍ بأملٍ إلى الانفتاح الأخير للحكومة على الكورد. أما زملاؤنا الذين انتقدوا هذا الانفتاحَ، ووقفوا في أقلِّ تقديرٍ على مسافة واسعة منه، فإنهم إما لمْ تتمَّ دعوتهم، أو أنَّهمْ اختلقوا الأعذارَ لئلا يحضروا.
رغم ذلك، كانت ورشة العمل مُنتجةً جداً وإيجابية. ومهما كنتُ عالماً سابقاً بآراءِ غالبية المشاركين، لكن واضحٌ أنّي تعلمتُ الكثيرَ من ورشة العمل تلك. والذي أثَّرَ في أكثر، هو بحثُ كلِّ مُشاركٍ عن المعقولِ في تعريف المسألة واقتراحات الحلِّ، لكن الجُهدَ الحقَّ كانَ إظهارُ العنايةِ لجهة عدم تفاقم الوضع.
15 صحافياً تولوا الحديث …
أيضاً مُنِحَ حقُّ الحديثِ لـ 15 صحافياً، منهم من تحدَّثَ مُطوَّلاً، ومنهم من تحدَّثَ بشكلٍ مُختصرٍ، وناقشوا في العمق تقريباً كلَّ بُعدٍ من أبعاد المسألة، وتناقشوا أبعدَ من اقتراحات الحلِّ الواضح، حولَ ماهية الحلِّ المبحوثِ عنهُ، على أرضيةٍ سياسيةٍ ومجتمعيةٍ ودولية، وكذلك نُوقشتْ كيفية الطريق والأسلوب الواجبِ اعتماده في عملية الحلِّ.
وشهدتْ ورشةُ العمل نقاشاتٍ شاملة، حول الدور الذي يمكنُ أنْ يقومَ بهِ مجلسُ الشعب التركي الكبير (البرلمان) TBMM وأحزابُ المُعارضة في عملية الحلِّ، واتفقَ الكلُّ تقريباً على أنَّ حزب العدالة والتنمية + حزب المجتمع الديمقراطي = غير واقعيين في التوافق على الحلِّ. ولكن طُرِحَتْ تعليقاتٌ حولَ موضوعة رؤية أحزاب المعارضة لعملية الحلِّ، وبخاصة حزبي الشعب الجمهوري والحركة القومية.
مثال جيد لأعمال مشابهة…
أنا أكدّتُ على بُطلانِ ولا أحقية المزاعم التي ستعتبر حزب الحركة القومية أكبرَ العقباتِ أمامَ عملية الحلِّ. فزعيمُ الحزب “دولت باخجلي” أبدى إلى يومنا هذا اهتماماً وحذراً، لمنع انتقال الصراع السياسي الموجود إلى الشارع.
كانَ مُلفتاً أنه ورغم حضور بعض من المنتقدين بشدّة لتدخل الجيش في السياسة (ولا سيما في المسألة الكوردية )، فإن أسئلة من قبيل “ماذا يقولُ الجيش، وماذا سيفعلُ؟” لم تُطرحْ مطلقاً.
بُحِثَ خلالَ ورشة العمل أكثرْ في الإجابات عن السؤال التالي: “ماذا يُفيدُ حلُّ المسألة الكوردية الآخرينَ من غير الكورد؟”. وفي هذا الموضوع قيلَ أنَّ ذلكَ سيفتحُ المجالَ أمامَ تركيا في جميع الميادين، وبخاصةٍ في الميدان الاقتصادي.
يمكنني القولُ أنَّ ورشةُ العملِ التي اُختتمتْ برجاءِ تحوّل “الانفتاح على الكورد” إلى “نهضة تركية”، كانت تأسيساً لمثالٍ جيد من أجل حالاتٍ مُشابهة.
الوزير آتالاي حضر متأخراً…
الصحافيون المدعوونَ إلى ورشة العمل حضروا في الأعمِّ بسياراتِ مؤسساتهم أو بسيارات الأجرة، فيما جاء بعض الصحافيين من أمثال: آري بوغان، وجالشلار، وتوركونه إلى أكاديمية الشرطة، حيث مكان ورشة العمل، بباصٍ صغيرٍ خصص لهم. وقد انضمَّ وزير الداخلية آتالاي إلى ورشة العمل، بعدَ تأخيرٍ لعشرِ دقائق، وقدْ عُقدتْ ورشةُ العملِ بشكلٍ مغلقٍ على وسائل الاعلام.
تعليقات المشاركين..
أمور خطرة تطبخ في المطبخ..
حسن جمال ( كاتب في صحيفة مللييت ): هذا الاجتماعُ هو الأوَّل من نوعه، وهوَ إشارةٌ جدية إلى تغيرٍ في بعض الأمور لدى الدولة، وقدْ لاحظتُ توفر إرادةٍ جدِّية لدى الدولة، فيما يتعلقُ بحلِّ المسألة ( الكوردية)، من خلال تنظيمها لورشة العمل هذه، يمكنني القولُ أنَّ هنالكَ أموراً خطرة تُطبخُ في المطبخ، وللمرة الأولى، بهذا القدر، يُرى تغيّرٌ جدي لدى السلطة السياسية، في موضوع حل المسألة الكوردية.
على تركيا المسير في طريق الفرح..
جنكيز جاندار (كاتب في صحيفة راديكال): يُظهرُ عقدُ ورشة العمل في أكاديمية الشرطة، تغيُّرَ الكثيرِ من الأشياء في تركيا، فالحكومةُ جمعتْ في سلةٍ واحدة العديدَ من الأفكار التي يمكنها الاستفادةُ منها، وآملُ أن تسيرَ تركيا خلالَ أشهرٍ في الطريق الذي يُفرحها، إذا ما تمَّ ولوجُ هذا الطريق بالنية الحسنة والإخلاص والجسارة، سنغادر من تحت وطأة هذا العمل.
ينبغي ألا تكون هنالك عقبات أمام تركيا..
أورال جالشلار ( كاتب في صحيفة راديكال ): عبَّرنا عن وجهات نظرنا في ورشة العمل، ووزير الداخلية بشير آتالاي شكرنا، وقال آتالاي أنهم فيما يتعلق باستمرار العملية ذو أملٍ وقرار، والمشاركون في ورشة العمل متحدون في الرأي حول لزوم إزالة المسألة كعقبةٍ أمام تركيا.
mbismail2@hotmail.com