يحدث في الحرب في سورية، وعلى سورية، ما سبق وحدث في أفغانستان والحرب على أفغانستان. تجنيد متطوعين من بلدان مختلفة، وإرسالهم للقتال في سورية. تنخرط في هذه العملية دول وجمعيات غير حكومية، وأيديولوجيات عبارة للحدود.
في الحالة الأفغانية قامت السعودية بالتمويل، والتنشيط الأيديولوجي، وقامت المخابرات الأميركية بالتدريب، وقامت باكستان بإنشاء معسكرات لتدريب المتطوعين، قبل تسهيل عبورهم إلى أفغانستان.
وفي الحالة السورية تقوم قطر بدور السعودية، وتركيا بدور باكستان، وتتقاسم ليبيا مع تركيا تقديم تسهيلات من نوع إنشاء معسكرات للتدريب، كما وتقوم جماعات ليبية بتزويد المتطوعين بجوازات سفر ليبية مزوّرة، لتمكينهم من السفر إلى تركيا ومنها إلى سورية.
وكما لم يقتصر الأمر على السعودية في الحالة الأفغانية، إذ انخرطت فيه دول الخليج، وأسهمت فيه مصر الساداتية والمباركية، إلى جانب التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، لا يقتصر الأمر في الحالة السورية على قطر، بل تشارك معها السعودية وبقية دول الخليج.
تم تجنيد وتحريض المتطوعين في الحرب الأفغانية باسم الجهاد ضد الاحتلال الروسي الكافر. ويتم التجنيد في الحالة السورية باسم الجهاد ضد الحكم العلوي الكافر، والدفاع عن السنة السوريين. في الحالتين يتم استخدام أيديولوجيا دينية متطرفة، تستمد نظرتها إلى العالم، وإلى دورها في العالم، من الوهابية السعودية، والحركية الإخوانية، وما تفرع عنهما من جماعات وأفكار واجتهادات.
ويبدو أن تونس تمثل بيئة خصبة للتحريض والتجنيد. وهذا ما يتجلى في حقيقة إنشاء منظمة غير حكومية في تلك البلاد لمطالبة الحكومة التونسية، بالتصدي لظاهرة جهاد التونسيين في سورية. وذكر الناطق باسمها أن الآلاف من التونسيين يقاتلون إلى جانب المعارضة السورية.
وبقدر ما يتصل الأمر بموضوعنا، ذكر المحامي باديس الكوباكجي، الناطق باسم المنظمة المذكورة، أن جمعيات خيرية تأسست في تونس بعد الإطاحة ببن علي، وهي التي تتولى تجنيد وإرسال المتطوعين إلى سورية. وهي، كما يقول: “تتلقى تمويلات هائلة من دول في منطقة البترودولار”. يعني من الخليج.
وفي السياق نفسه أشار الكوباكجي إلى “أن الجهاد أصبح عقيدة في كثير من الأحياء الشعبية الفقيرة في تونس، جرّاء تأثير خطب دعاة وأئمة مساجد متطرفين يتم استقدام بعضهم من الخليج، ومئات الآلاف من الكتب الدينية الوهابية القادمة مجاناً من الخليج”. وهناك “جهات في دول الخليج ترسل إلينا مجاناً الكتب، والملابس الوهابية (البرقع والجلابيب)”.
وبمناسبة الكتب: تناقلت وكالات الأنباء قبيل زيارة حاكم قطر إلى غزة، خبراً مفاده أن السفير القطري توجه إلى غزة، ومعه 25 طناً من الكتب والمجلدات الإسلامية. نور على نور!!
على أية حال، فلنعد إلى موضوعنا، ثمة ما يبرر القول ما أشبه الليلة بالبارحة. وأعني الشبه بين الحالتين الأفغانية والسورية. والمهم في هذا الأمر أن ظاهرة القاعدة والأفغان العرب وُلدت في أفغانستان، ومعها الطالبان.
وهذه الظواهر مجتمعة تسببت، وما تزال، في كوارث لحقت بالعالمين العربي والإسلامي، والعالم على وجه العموم. من بينها أن العائدين من أفغانستان مارسوا نشاطات إرهابية في بلدانهم الأصلية. بمعنى أن الإرهاب، المُصدَّر إلى الخارج ارتد على مموليه وأنصاره، وزعزع الأمن والاستقرار في العالم العربي ومناطق أخرى من العالم. وهذا ما سيحدث، بالتأكيد، بعد عودة المقاتلين من سورية.
كل ما تقدّم لا ينفي حقيقة أن الثورة السورية ضد نظام آل الأسد شرعية ومشروعة، أصيلة ونبيلة. وما حدث ويحدث يتمثل في محاولة للاستيلاء عليها من جانب دول وجماعات في سياق لعبة أكبر للأمم في الشرق الأوسط.
وهذه المحاولة تضر بأهداف الثورة، وتخدم نظام آل الأسد، الذي يريد إقناع العالم أن مؤامرة دولية تُحاك ضد سورية. العالم غير مقتنع، لكنه منخرط في لعبة الأمم، ولكل شريك في اللعبة حساباته، وهذا من سوء حظ السوريين، الذي يريدون العيش في ظل نظام جديد يمنحهم كل ما حرموا منه على مدار خمسة عقود مضت، في ظل سلطة البعث، وحكم آل الأسد.
وعلى الرغم من أن الثورة السورية لا تحتاج إلى مقاتلين أجانب قدر حاجتها إلى السلاح، إلا أن هذا لا يغيّر من حقيقة ما وقع على الأرض، بمعنى أن المقاتلين الأجانب أصبحوا هناك. أهدافهم لا تخدم سورية والسوريين. ومن الصعب تصوّر أن لدى السوريين في الميدان إرادة أو رفاهية الانخراط في معارك جانبية مع هؤلاء. وهؤلاء أفضل تسليحاً، وأوفر تمويلاً، من مقاتلي الجيش السوري الحر.
في هذا ما يضفي على الثورة السورية طابع تراجيديا إغريقية كاملة. ولا أزعم بأنني أعرف طريقة للخروج من المأزق. نظام آل الأسد إلى زوال، ولكن مخاطر إعادة السيناريو العراقي في سورية بعد سقوط صدّام تظل احتمالاً يصعب استبعاده.
تدخل جيوش عربية تحت مظلة الجامعة العربية والأمم المتحدة غير وارد. وتدخل الغرب، وفي طليعته الولايات المتحدة، مشروط بموافقة إسرائيل، وبضمان هوية النظام الجديد في سورية. وبقدر ما يوحي الشرر المتطاير في لبنان والعراق، فإن انفجار أكثر من حرب أهلية في الإقليم يدخل في قائمة الاحتمالات.
كل ما حدث ويحدث في سورية ولسورية ناتج عن رفض آل الأسد، وربما ما لا يتجاوز ألف شخص في نخبة الجيش والأمن والدولة والحزب والبزنس، الاعتراف بحقيقة أن سورية تستحق نظاماً أفضل.
لذا، يتكلمون عن المؤامرة، ويقصفون المناطق السكنية بصواريخ سكود، ويغيرون عليها بالطائرات، ويهرب منهم ملايين المدنيين بحثاً عن ملاذ آمن في الداخل والخارج، ويعيدون المجتمع السوري إلى ما قبل الدولة الحديثة، إلى سنة وعلويين وإسماعيليين ودروز وأكراد ومسيحيين.. الخ. وينبغي أن أضيف: وناجم عن محاولة قوى في الإقليم وخارجه الاستيلاء على الثورة السورية. وفي ظل هذا الجنون، ومعه، ترتسم ملامح مأساة إغريقية كاملة.
khaderhas1@hotmail.com
كاتب فلسطيني