لم يكن حبر التوقيع على إقرار قانون الانتخابات النسبية في لبنان قد جفّ بعد حتى خرج وزير الخارجية اللبناني ورئيس التيار العوني جبران باسيل ليعلن أبوته للقانون ممتدحا الانجاز الذي تحقق بـ”تصحيح التمثيل”…، وما الى ذلك من معزوفة تحصيل حقوق المسيحيين وحسنات الاتفاق مع “القوات” ومع “تيار المستقبل”، واعدا بتحقيق المزيد من الانجازات.
ولكن، قبل ان يجفّ الحبر، طالب باسيل بتعديل القانون.. قبل ان يطبق لمرة واحدة على الاقل؟!!
باسيل، أخطأ الحساب!
قاتل خلال أكثر من سنة وإجترح وإبتدع قوانين “نسبية” و”مختلطة” تجاوزت في مجموعها سبعة قوانين إنتخابية. وكان على استعداد لابتكار المزيد، واضعاً نصب عينيه هدفين إثنين: فوزه بالمقعد النيابي في قضاء البترون اولاً. وثانيا، تحجيم سائر الفرقاء المسيحيين، وفي مقدمهم حليفه اللدود “حزب القوات اللبنانية”، والمستقلين المسيحيين، وزعيم تيار المردة، النائب سليمان فرنجيه.
وليس سرّاً أن “عين باسيل” هي على رئاسة الجمهورية، خلفاً لعمّه الجنرال الرئيس عون، خصوصا ان المجلس النيابي الذي سيُنتخب عبر هذا القانون هو من سينتخب رئيسا للجمهورية.
ودارت دوائر باسيل، الى ان وصل الامر الى حد التهديد بالفراغ او بالعودة الى قانون الستين، ووصلت الامور الى الحائط المسدود. فكانت مبادرة “حزب القوات اللبنانية” بإحياء قانون الوزير مروان شربل، الذي أُقرَّ مؤخرا مع بعض التعديلات مراعاةً لباسيل، والذي حمله النائب جورج عدوان وعمل على تدوير الزوايا فيه مدعوما من الرئيس سعد الحريري، وصولا الى إقرار القانون.
سعى باسيل الى تحسين شروطه لتحقيق أهدافه، ونجح في اعتماد “الصوت التفضيلي” في القضاء، بدلا من الدائرة، لان الصوت التفضيلي في الدائرة يقود الى سقوط باسيل حتما. وهو لن يستطيع التأهل للمنافسة على المقعد الماروني في البترون، علما ان الدائرة تضم أقضية البترون الكورة زغرتا وبشري، وفي سبعة مقاعد مارونية موزعة كالتالي : البترون مقعدين، بشري، مقعدين، زغرتا ثلاثة مقاعد، والكورة ثلاثة مقاعد لطائفة الروم الارثوذكس.
وطبقا لتوزع القوى الانتخابية في هذه الدائرة فإن القوى الرئيسية الناخبة تتوزع كالتالي:
القوات اللبنانية حوالي 30 الف ناخب. وهي الاقوى حضورا إنتخابيا في الاقضية الاربعة وفي استطاعتها تشكيل لائحة مكتملة من دون الحاجة الى التحالف مع اي فريق. بل إن التحالفات قد تضر بها وتقلل من حصتها الانتخابية التي تقدر باربعة الى خمسة نواب من اصل عشرة.
الوزير سليمان فرنجيه، المتحالف مع النائب بطرس حرب والحزب السوري القومي وشخصية بشراوية، يأتي في المرتبة الثانية المنافسة للائحة القوات، وهذه اللائحة بامكانها ان تكون مكتملة الاعضاء، ولها حضورها المتفاوت في الاقضية الاربعة، وهي تعاني من نقطة ضعف وحيدة في قضاء بشري.
التيار العوني، يسجل حضورا للوزير باسيل في قضاء البترون، الا ان هذا الحضور يتلاشى كلما توغلنا في الدائرة حيث يقل حضور التيار ليتلاشى تقريبا في قضاء بشري. فالتيار العوني العوني يتمثل باقل من 800 ناخب في قضاء الكورة، وحوالي 600 ناخب في زغرتا، وحضور لا يُذكر في قضاء بشري.
باسيل مرشحاً على لائحة ستريدا جعجع!
مع إقرار الدوائر الانتخابية وجد الوزير باسيل نفسه امام مأزق التحالف، فهو في حاجة الى اصوات القوات اللبنانية، ما يعني انه سيكون مرشحا على لائحة القوات، وهذا ما لا يرضاه باسيل، فضلا عن ان القوات لن تتحمس لتبني ترشيح باسيل على لائحتها لان هذا سيعني حكما سقوط مرشح القوات في البترون الدكتور فادي سعد. وفي حال قررت “القوات” التنازل عن ترشيح الدكتور سعد، فإن الكلفة ستكون مرتفعة على التيار العوني. فـ”القوات اللبنانية” ليست جمعية خيرية، وهي طبعا ستطالب ببدائل على حساب التيار وهذا ما لا يرتضيه الوزير جبران باسيل! وتالياً، فهو سيتجه الى مأزق جديد، كون باسيل لن يستطيع التحالف مع الوزير فرنجيه، وهناك صعوبة في ان يكون مرشحا من ضمن عشرة على لائحة القوات التي سترأسها النائب ستريدا جعجع! فيبقى امامه المأزق الثالث، وهو تشكيل لائحة ثالثة، وهذا الامر ايضا دونه صعوبات، كون المرشحين من (الصف الاول) سيحجزون مقاعدهم على اللائحتين الاولى والثانية، ولن يستطيع إيجاد مرشحين في أقضية الكورة وزغرتا وبشري. وفي حال نجح تتبقى امامه صعوبة حصول لائحته على الاصوات التي تخوله الفوز بالمقعد النيابي.
في ابسط الاحوال سيحتاج الوزير باسيل الى أصوات تيار المستقبل في البترون، والى أصوات 30% كحد ادنى من الناخبين الموارنة في الدائرة، لكي يضمن فوزه بالمقعد النيابي، وهذا دونه صعوبات. الامر الذي دفع باسيل الى المطالبة بتعديل قانون الانتخابات بعد إقراره!
فجاءه الجواب على لسان رئيس مجلس النواب نبيه بري أن “ما كُتب قد كُتِب”! ولكن باسيل قال إن امامه سنة كاملة، لإجراء تعديلات على القانون.
لكن هذا الامر دونه صعوبات جمة. فلحيفه اللدود في القوات اللبنانية سيرفض حتما لان القانون الحالي أنصف الحزب وهو سيحصد تمثيله الفعلي للمرة الاولى مسيحيا بأكثر من 18 نائبا، في حين ان القوانين السابقة كانت تُفصل على قياسات محددة وتحرم “القوات” من تمثيلها الفعلي. وتالياً، فهي لن تقف الى جانب باسيل في اي مطلب تعديلي، في حين ان سائر القوى اعدت عدتها للمنازلة الانتخابية، وهي تاليا لن تنجرّ وراء مطلب حصول باسيل على مقعد نيابي مهما كان الثمن وعلى حساب اي فريق سياسي آخر في البلاد.