تأجيل زيارة لو دريان إلى طهران كان جزءاً من التفاهم الفرنسي- السعودي
كان انتقال الحريري من الرياض إلى باريس أولاً، وليس إلى بيروت مباشرةً، ضرورياً حتى لا يبدو وكأن السعودية قد اضطرت لـ”التراجع” في موضوع استقالة رئيس الحكومة اللبنانية. وكان استقبال الحريري في باريس أحد الأثمان التي دفعتها باريس من أجل “إنقاذ” سعد الحريري من إقامته الجبرية في الرياض، حسب مراسلي جريدة “لوموند” الفرنسية في باريس وبيروت.
حقاً أن الرئاسة الفرنسية لوّحت باللجوء إلى مجلس الأمن الدولي إذا لم تسمح السعودية للحريري بالخروج من البلاد. ولكن فرنسا انتهت إلى تقديم تنازلات في الموضوع الإيراني لكي تقنع ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، برفع الحظر عن سفر الحريري.
وتنقل “لوموند” عن رجل أعمال فرنسي غربي في الرياض أن “ماكرون لعب جيداً. فقد خفّض من حدّة التوتُّر في لبنان، وقام بحماية السعوديين من الإنتقادات الدولية”.
كيف تمّت المبادرة الفرنسية لتسوية موضوع الحريري؟
تقول “لوموند” أن جهود قصر الإليزيه لإيجاد مخرج بدأت تعطي ثمارها مساء يوم ٨ نوفمبر، في عاصمة دولة الإمارات العربية. فبعد افتتاح متحف لوفر أبو ظبي، وأثناء العشاء الذي جمعه مع الرئيس مانويل ماكرون، رفع الشيخ محمد بن زايد سماعة الهاتف واتفق مع الأمير محمد بن سلمان على موعد يجمعه بالرئيس الفرنسي. وعلق الرئيس ماكرون في اليوم التالي قائلاً أن “محمد بن زايد يتمتع برؤية دقيقة للوضع في السعودية، عدا أن قُربه من ولي العهد السعودي ليس سرّاً”.
وتكشف “لوموند” أن لبنان كان موضوع لقاء ماكرون ومحمد بن سلمان لمدة ٣ ساعات في مطار الرياض. وكان سبق ذلك، بساعات، استقبال سفير فرنسا، فرنسوا غوييت، في دارة سعد الحريري بالرياض. وفي الأيام التالية، تحدث الرئيس ماكرون عدة مرة بالهاتف مع ولي العهد السعودي.
تصعيد فرنسي بعد مقابلة الحريري على تلفزيون المستقبل!
وفي يوم ١٣ نوفمبر، في أعقاب مقابلة سعد الحريري مع تلفزيون “المستقبل”، التي أعلن فيها أنه “حر”، سوى أنه كان يبدو “محموماً”، فقد ألمحت “الرئاسة الفرنسية” إلى إمكانية اللجوء إلى الأمم المتحدة!
ويقول مصدر في قصر الإليزيه أن التهديد باللجوء إلى الأمم المتحدة كان بمثابة رسالة ضغط على الرياض: “ففي مجلس الأمن الدولي، فإن فرنسا هي التي تحرّر المقترحات حينما يتعلق الأمر بلبنان”.
ويبدو ان السعودية استجابت للرسالة الفرنسية، فقد أعلن الرئيس ماكرون، من السويد، بعد ظهر يوم الأربعاء، أنه دعا الرئيس الحريري لزيارة باريس.
وفي اليوم التالي، أي الخميس الماضي، وفي لقاء مع محمد بن سلمان، قام وزير خارجية فرنسا، جان إيف لو دريان (الذي تجمعه علاقات عمل وثيقة مع محمد بن زايد ومع محمد بن سلمان منذ عمله وزيراً للدفاع في عهد فرنسوا أولاند)، بوضع اللمسات الأخيرة للحل الوسط المقترح. فقد تخلّى الوزير الفرنسي عن فكرة الزيارة التي كان يعتزم القيام بها إلى طهران في الأسبوع المقبل من أجل التمهيد لزيارة وشيكة كان مقرّراً أن يقوم بها الرئيس ماكرون لإيران. وأثناء مؤتمره الصحفي في الرياض، فقد رفع الوزير الفرنسي نبرَته ضد طهران، وندّد بـ”نزوعها للهيمنة”. وجاء رد وزارة الخارجية الإيرانية مندّداً بـ”النظرة المنحازة” التي تعتمدها فرنسا والتي تؤدي “بصورة مقصودة أو غير مقصودة إلى تحويل أزمات ممكنة إلى أزمات حقيقية”.
في النتيجة، تقول “لوموند” أن نجاح فرنسا في استخلاص الحريري من السعودية كان أول “نجاح” لسياسة ماكرون الخارجية في المنطقة. فقد أخفقت محاولته لإيجاد تسوية بين رئيس حكومة الوفاق الليبية، فائز السراج، والفريق حفتر. كما لم تقلّع فكرة تشكيل “لجنة إتصال” حول الوضع في سوريا. ولكن من الواضح أن ماكرون اضطر للخروج من دور “الوسيط القادر على الحديث مع كل الفرقاء” من أجل إنجاح مبادرته السعودية-اللبنانية، الأمر الذي لم يُرضِ طهران.