رد نظام آل الأسد في دمشق، على غارة إسرائيلية مُحرجة، استهدفت منشآته العسكرية، بطريقتين: الأولى متوّقعة، والثانية، وإن تكن مفاجئة، إلا أنها لا تفارق سياسة مألوفة وتقليدية. المُتوّقعة هي الكلام المُعاد والمُكرر عن الاحتفاظ بحق الرد في الزمان والمكان المناسبين. وقد أثار هذا الكلام، كما في مرّات سابقة، موجة من التعليقات الساخرة في سورية وخارجها. وليس ثمة ما يستدعي إضافة المزيد. أما الثانية، الجديدة، فتستحق التوّقف.
أشار النظام، وأعلن، وألمح، وأوحى، وسرّب (لاحظ كفاءة البلاغة العربية) على لسان ناطقين رسميين باسمه، إضافة إلى حلفاء معتمدين في معسكر “المقاومة والممانعة”، أن سورية “تعيد” النظر في هدنة استمرت أربعين عاماً، و”تدرس” السماح بشن هجمات مسلحة لتحرير الجولان، على طريقة حزب الله في جنوب لبنان، أي الحرب غير النظامية.
قيل هذا الكلام، على مدار الأسابيع القليلة الماضية، بمفردات مختلفة، ودرجات متفاوتة من الحماسة واليقين. وفيه، كما في توقيته، ما يحرّض على التفكير والتدبير. فلنفكر، مثلاً، في هذا الكلام، بطريقة عملية ومباشرة: هل يستطيع نظام آل الأسد تحرير الجولان على طريقة حزب الله في جنوب لبنان؟
الجواب: لا. هذا النفي القاطع لا يعني أن النظام لا يستطيع نصب كمائن، أو استهداف دوريات إسرائيلية في الجولان. فهذا ممكن اليوم كما كان ممكناً على مدار العقود الأربعة الماضية. بل يعني أنه لا يستطيع، ولا يحتمل، دفع الثمن الذي يمكن أن تفرضه إسرائيل، بعد هجمات كهذه. والثمن في هذه الحالة تدمير بنيته التحتية، ومراكز القيادة والسيطرة، وترسانته العسكرية. وهذا يعني، في التحليل الأخير، تدمير النظام نفسه.
وهذا، في الواقع، ما كان يخشاه الأسد الأب، الذي انقلب في العام 1970 على مَنْ أسماهم “بالمغامرين” في الحزب، والجيش، والدولة، الذين أفرطوا في الكلام عن الكفاح المسلح، وحرب التحرير الشعبية طويلة الأمد. وبدلاً من ذلك كله، طرُح شعار مراوغ ولكنه برّاق اسمه التوازن الاستراتيجي. وباسم هذا كله كان الهدوء على جبهة الجولان جزءاً من شبكة الأمان، التي صنعها النظام لنفسه.
ولماذا، إذاً، يجازف الابن بالانتحار؟
الواقع أنه لا يجازف بالانتحار بل يطلق إشارات تنبيه للتذكير بمخاطر انهيار الشبكة، التي ضمنت وجود نظام العائلة، ومنحت إسرائيل أربعة عقود من الهدوء في الجولان. وهذه ليست الإشارة الأولى. فبعيد اندلاع مظاهرات المعارضة، عقد رامي مخلوف، في مقابلة ذائعة الصيت، مع صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، مقارنة مشروطة بين أمن سورية وإسرائيل: “إذا فقد الاستقرار هنا لن يكون استقرار في إسرائيل”.
وجاءت إشارة ثانية تجلت في محاولة متظاهرين، من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في سورية، اختراق خط الهدنة، والوصول إلى قرية مجدل شمس في الجولان. الحمقى، فقط، يمكنهم التفكير في ما حدث، في ذلك اليوم، كظاهرة عفوية بعيدة عن أصابع وعيون وشبكات أجهزة الأمن السورية.
تلك الإشارات، بما فيها الأخيرة والجديدة، تنطوي على رسائل للإسرائيليين والأميركيين: إذا سقطنا، أو تراخت قبضتنا، تبدد الهدوء في الجولان، وفي مناطق أخرى بالتأكيد. وما يضفي على الإشارة الأخيرة دلالة موحية أن جيش النظام فقد الكثير من قدراته القتالية بعد ما يزيد على العامين من القتال في مدن وبلدات وقرى سورية، للقضاء على معارضة أصبحت مسلحة، تستهدف إسقاطه، وتسيطر على مساحات واسعة من الأرض.
وفي سياق هذا كله لم يعد جيش النظام جيش الشعب، بل أصبح، في أفضل الأحوال، عدواً لقطاعات واسعة من المواطنين. وأبلغ دليل على ضعفه، أن حاجته إلى مقاتلي حزب الله، أصبحت مكشوفة على الأرض، ناهيك عن “الخبراء” الإيرانيين، والمتطوعين العرب.
ما تقدم لا يكفي لتحليل الحرب الأهلية في سورية، وما يسمها من تحيّزات وتمركزات طائفية محلية، وتدخلات إقليمية ودولية، بل يكفي للتدليل على حقيقة أن النظام لا يستطيع تبديد الهدوء في الجولان، ولا يستطيع تحمّل النتائج.
بهذا المعنى: التصعيد البلاغي في موضوع الحرب غير النظامية في الجولان يندرج في سياق مألوف بقدر ما يُضاف إلى إشارات سبقته، وما ينسجم مع سياسة المقايضة التقليدية. فالنظام يسمح لنفسه بتجاوز كل الخطوط الحمراء في علاقته بالسوريين، لكنه شديد الحذر في حساباته الإقليمية والدولية، ومن بين القوى الفاعلة التي يحرص على تفادي الاصطدام بها ومعها في هذه المرحلة، بالذات، تحتل إسرائيل رأس القائمة. لذا، رد على الغارة الجوية الإسرائيلية، بسيارات مفخخة في قرية تركية حدودية.
وإذا شئنا الكلام عن هذا الموضوع بطريقة مجازية فلنقل إن النظام يتصرف على طريقة من يقف على حافة جرف شاهق صارخاً: لا تدفعوني إلى الجنون، وإلا قفزت في الهواء. ولن يقفز..!!
khaderhas1@hotmail.com
كاتب فلسطيني
لن يقفز..!!نصرالله وزيرا ً لدفاع النظامين الايراني والسوري! هذه المقالة نشرتها لي صحيفة “السياسة” مشكورة بتاريخ 15.05.2013 نصرالله وزيرا ً لدفاع النظامين الايراني والسوري! بمناسبة مرور 25 عاما ً على اطلاق إذاعة “النور” المتحدثة باسم “حزب الله”, خرج السيد حسن نصرالله بخطاب ناري لا يخلو من العصبية, امام الحاضرين بنظراتهم المتسمرة على الشاشة الكبيرة لشخص وخطاب السيد, والمستمعة بقلوبها بغياب عقولها, والمنصتة له كجمهور مسرح وهو يزف خبراً على “ان سورية ستقدم له سلاحا نوعيا متطورا الى حزبه, وفتح جبهة الجولان امام المقاومين”. خطاب السيد حسن والسلاح النوعي المتطور الموعود به لحزبه, هو بمثابة صندوق بريد من النظامين السوري والايراني… قراءة المزيد ..