حين قدم رئيس الحكومة نجيب ميقاتي استقالته لم يبادر حزب الله، الذي كان قائد حملة وصوله الى السراي، الى بذل اي جهد لثنيه عن هذه الاستقالة. وما كان تضخيم الخلاف داخل الحكومة حول التجديد للواء اشرف ريفي في قيادة قوى الامن الداخلي الا الذريعة التي التقطها حزب الله لتنفيذ قرار تطييرالحكومة، كما وفرت الفرصة للرئيس ميقاتي لخروج يحفظ ماء وجهه في مدينته ولدى الرأي العام في الطائفة السنية.
إكتفى السيد حسن نصرالله بالردّ على رسالة ميقاتي بأنه يريد ان يستقيل بالقول: “اعمل اللي بريحك”، وهي عبارة كانت كافية ووافية ليدرك الرئيس ميقاتي ان مهمته انتهت. فالرئيس ميقاتي نجح في اقناع حزب الله بأهمية تمرير تمويل المحكمة الدولية، وطيّ ما سمي “قضية شهود الزور”، رغم انهما كانا عنواني اسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري، لكنّه لم يستطع اقناع حزب الله بالتمديد للواء ريفي رغم انها في ميزان الاهمية بالنسبة لحزب الله مسألة لا ترقى الى مستوى المحكمة الدولية اوشهود الزور.
حزب الله اذاً هو من اتخذ قرار الاستقالة، بعدما صارت اعباء الحكومة اكثر من فوائدها عليه، لا لأنها فقدت الحد الادنى من انسجام مكوناتها من حلفائه، ولا لأنها باتت تثقل على التحالف الذي بناه وتعمق الشروخ بين اقرب حليفين له، اي الرئيس نبيه بري والعماد ميشال عون، ولا بسبب تنامي الحركة المطلبية والاحتجاجات ضدها او غرق بعض محازبيه في وحول الفساد الاداري والمالي… ليس ذلك كله فحسب، بل أيضا وأولا لادراك حزب الله ان الحكومة باتت عاجزة عن اللحاق بدخوله في الحرب السورية علنا.
فعشية الاعلان الرسمي عن انخراطه في الحرب السورية، استجابه لقرار استراتيجي ايراني، ادرك “حزب الله”ان الحكومة، لن تتحمل تبعات هذه الحرب الدولية والاقليمية، رغم انها حكومة هو من ألفها وروّج لها ودافع عنها. فانخراطه بالحرب أزال نصرالله، الالتباس من حوله، حين أعلن في خطابيه الاخيرين (30 نيسان و9 أيار) وقوفه الحاسم مع نظام الاسد، بعد استقالة الحكومة. وأقرّ بوجود مقاتلين له على الاراضي السورية. اعلان تلى زيارة تردّد انه قام بها الى ايران، أرفق خبرها بنشر وتداول صورة قيل انها جمعت نصر الله حديثا مع مرشد الجمهورية الاسلامية في ايران السيد علي خامنئي.
اسقط حزب الله حكومته لا لتتقدم “قوى 14 اذار” او “الكتلة الوسطية” لتشكل اي منهما او معاً حكومة جديدة. هو في الأصل لم يتحمل تبعات المساءلة داخل حكومته بشأن الموقف من سورية، وهو ضاق ذرعاً باضطراره الى تقديم الحماية المعنوية لوزير الخارجية عدنان منصور في ممارسة وظيفته، بعدما صار التناقض فجّاً في سلوك الوزير ومواقفه بالنسبة الى الرئاستين الاولى والثالثة. كان المطلوب من اسقاط الحكومة، في ظل اولوية الدفاع عن نظام الرئيس بشار الاسد، ان يبقى لبنان الرسمي في حالة من الغيبوبة، اي دولة بلا عنوان بريدي، وتغيب عنه المرجعية الرسمية. فلا مسؤول امام الخارج او الداخل ولا من يُسأل او يسائل لا عن النأي بالنفس، ولا حتى عن ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة.
ولكن هل يمكن ان يأمن حزب الله من تداعيات بقاء المؤسسات الدستورية في حال من الغيبوبة؟
لاشك ان حزب الله يحسب حساب الأثمان، لذا يتخذ احتياطاته للحد من الخسائر التي سيتعرض لها، لاسيما ازاء قرار حماية نظام الاسد والذود عنه داخل سورية. وفيما هو يحافظ على ولاء قاعدته، وما دام واثقا من الامساك بالعصب الشيعي، ومطمئناً لاستمرار اليد الطولى له امنياً وعسكرياً في لبنان على مستوى القوى الامنية والعسكرية الرسمية وغير الرسمية، وما دام محصّناً في موارده المالية عن اي مخاطر اهتزاز اقتصادي او مالي في لبنان، فهو اذاً، وعلى المدى القريب والمتوسط، يدرك ان ليس هناك من طرف في لبنان قادر على الوقوف في مواجهة خياراته.
لذا سيذود عن صيغة لبنان الساحة، ولبنان المؤسسات الدستورية المعطلة أوالضعيفة، ولبنان مرجعية الدولة الغائبة والمغيبة، ولا مانع من ان تتفكك الوضعية السياسية على مستوى السلطة. هذا تأكيدا لما قاله الرئيس بشار الاسد من ان ما يجري في سورية سيفجّر المنطقة. فيما الوضع السياسي المترهل، وغياب مرجعية الدولة والحكومة وتأجيل الانتخابات، هي افضل غطاء لقرار انخراط حزب الله في سورية.
alyalamine@gmail.com
إعلامي لبناني
البلد