في سورية لا توجد انتخابات رئاسية بل استفتاء رئاسي والفرق كبير بين الانتخاب والاستفتاء
أجرت مجلة “الخليج” الإماراتية الحوار التالي مع المحامي السوري الأستاذ ميشال شماس. نص الحديث كاملاً، حيث أن “الخليج” ارتأت حذف السؤال الخامس والإجابة عليه، وقسم من الإجابة على السؤال الرابع!! (كالعادة، يسعدنا أن يكون “الشفّاف” الموقع الذي تغيب فيه شمس الرقابة.. الحارقة)!
*
* منذ ثلاث سنوات يدور نقاش ساخن حول قانون الانتخابات المحلية والتشريعية السورية، وضرورة إجراء تعديلات جذرية عليه، فما
الذي يقدمه تعديل المادة /24/ من قانون الانتخابات الصادر بالمرسوم التشريعي رقم /26/ لعام 1973 والذي يتضمن (تحديد سقف الإنفاق المالي على الدعاية الانتخابية للمرشح بمبلغ قدره ثلاثة ملايين ليرة سورية)؟. وما تأثير ذلك على سير العملية الانتخابية ونتائجها؟
– إن تعديل المادة 24 من قانون الانتخاب التي حددت سقف الإنفاق المالي على أهميته لن يغير شيئاً يذكر في العملية الانتخابية القادمة على اعتبار أن أكثر من 80% من الشعب السوري لا يملكون هذا المبلغ، لا بل هناك الملايين من الناس يعملون ليل نهار لتأمين قوتهم اليومي. والسؤال المطروح الآن هو: من هي الجهة المحايدة القادرة على مراقبة عملية الإنفاق لهذا المرشح أو ذاك.؟ لذلك ستبقى فرصة الوصول إلى البرلمان متاحة فقط أمام أصحاب الملايين وأصحاب النفوذ.
*تشير دراسات مستقلة أن المشاركة الشعبية في الانتخابات التشريعية السورية ضعيفة جداً ولم تحقق في أحسن الأحوال 15% من تصويت من يحق لهم الاقتراع. هل سنشهد تغيراً في الانتخابات القادمة من حيث نسبة الإقبال؟. وبرأيكم كيف يمكن ضمان زيادة الإقبال على التصويت في الانتخابات؟
– أعتقد أن نسبة المشاركة في الانتخابات الحالية، لن تكون أفضل من السابق في ظل استفحال الفساد، والارتفاع الجنوني لأسعار المواد الضرورية، واستمرار حالة التضييق على حريات الناس. ولولا إجراء الانتخابات أثناء الدوام الرسمي لكانت النسبة أقل من ذلك بكثير، وسوف تتحسن نسبة الإقبال على المشاركة في الانتخابات، عندما تُكَفْ يد الأجهزة التنفيذية ويُلجَمْ تدخلها في صلاحيات السلطتين التشريعية والقضائية، بما يفتح الطريق أمام ترسيخ العلاقة الطبيعية والصحية بين السلطات الثلاث، وتفعيل الحياة السياسية على أسس قانونية منظمة تسود فيها لغة الحوار المشبعة بروح قبول الآخر، وأيضاً عندما يشعر المواطن أن معدته غير فارغة وصوته بات مسموعاً.
* نظام القوائم المعمول به من قبل ائتلاف أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية هل يتطابق مع مواصفات قيام انتخابات ديمقراطية وتعددية ونزيهة وشفافة؟
– إن نظام القوائم المعمول به من قبل تحالف أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية لا ينسجم مع المفاهيم والقيم الديمقراطية النزيهة والشفافة.. إذا كثيراً ما يجري فرض التصويت على الناخبين لانتخاب قائمة الجبهة كاملة دون أي تشطيب، سواء من السلطة أو حتى من المرشحين المستقلين اللذين يعملون على طبع قوائم الجبهة مضافاً إليها أسماؤهم لإيهام الناخب أن هذه هي قائمة الجبهة.
* الانتخابات المحلية والتشريعية السورية المزمع إجراؤها في منتصف آذار/ مارس القادم ستكون محل اهتمام الاتحاد الأوروبي ودول العالم، ما هي الضمانات اللازمة لإنجاح هذه الانتخابات ضمن المواصفات المتعارف عليها دولياً من حيث النزاهة والشفافية؟
– ما نفع اهتمام الاتحاد الأوروبي ودول العالم في انتخاباتنا، إذا كان معظم السوريين المعنيين أساساً غير مهتمين بها لا بل مطنشين؟ أما بالنسبة للضمانات اللازمة لإنجاح هذه الانتخابات ضمن المواصفات المتعارف عليها دولياً من حيث النزاهة والشفافية، فيمكن تحقيقها عندما تُرفع حالة الطوارئ، ويُطلق سراح المعتقلين السياسيين، ويُلغى ملف الاعتقال السياسي نهائياً، وتصدر قوانين تسمح بحرية النشاط السياسي وقيام أحزاب سياسية، وصحافة حرة فعلاً، وإجراء الانتخابات تحت إشراف جهة محايدة مستقلة وموثوق بها، على أساس نظام التمثيل النسبي، مع الإبقاء على شكل القوائم الانتخابية. أو الاستمرار بنظام أغلبية الأصوات، لكن عبر تطبيق آلية الانتخاب الفردي لدائرة صغيرة تنتخب نائباً واحداً، وأن تجري الانتخابات في جولة واحدة خلال يوم واحد، أو من خلال جولتين بأغلبية مطلقة في الجولة الأولى، وأغلبية نسبية في الجولة الثانية. وتأمين مبدأ تكافؤ الفرص بين المرشحين مادياً ومعنوياً، لتغطية جزءاً من مصروفات المرشح واتصاله بالناخبين. وتأمين حصص متساوية لكل مرشح في استخدام أجهزة الإعلام المرئي والمسموع والمقروء..
* برأيكم هل نجاح الانتخابات التشريعية والمحلية سينعكس على الانتخابات الرئاسية في تموز / يوليو 2007؟
– ليس هناك أي رابط بين الانتخابات التشريعية والبلدية، والانتخابات الرئاسية القادمة، ففي سورية لا توجد انتخابات رئاسية، بل هناك استفتاء رئاسي، والفرق كبير بين الانتخاب والاستفتاء، فالانتخاب يتضمن اختيار بين عدة خيارات متاحة أمام الشخص، أما في الاستفتاء فهناك خيار وحيد إما أن توافق عليه أو ترفضه. فالدستور السوري في المادة (3/1) حدد دين رئيس الدولة بالإسلام، كما حدد في المادة (84/ف.أ ) بأن يصدر الترشيح لمنصب رئاسة الجمهورية عن مجلس الشعب بناءً على اقتراح القيادة القطرية لحزب البعث، وهذا يعني انتقاص واضح من حقوق السوريين غير البعثيين، ومن حقوق السوريين غير المسلمين، مع العلم أن سورية مهد المسيحية، والسوريون المسيحيون لم يكونوا طارئين على سورية، بل كانوا ومازالوا جزءاً أصيلاً من النسيج السكاني السوري, وكانوا رواداً في نهضته القومية العربية، وفي التصدي للغزو الاستعماري إلى جانب أشقائهم السوريين المسلمين، ولم يكن عبثاً تولي فارس بيك الخوري أحد رجالات سورية العظام رئاسة في القرن الماضي. وما نحتاجه اليوم هو تكريس مبدأ المواطنة الذي يعني المشاركة الواعية والفاعلة لكل شخص بصرف النظر عن الدين واللون والجنس والسياسة ودون وصاية من أي نوع في بناء الإطار الاجتماعي والسياسي والثقافي للدولة.
إيميل ميشال شماس: vik9op@gmail.com