بكيت، ضحكت، غنيت، وتراقصت فيما أنا أشاهد فيلم «هلأ لوين» في بيروت للمخرجة اللبنانية الرائعة نادين لبكي، وفي نهاية الفيلم انتابتني نوبة تصفيق كالمراهقين، وكأني أشاهد عرضاً مسرحياً، لشدة فرحي بفكرته. ربما كان سبب اعجابي بالفيلم كونه يدور في الفلك نفسه لهمي اليومي، ومعظم مواضيع مقالاتي؛ قبول الآخر والفتنة الطائفية، لكن من المؤكد أن فيلماً كهذا يجب أن يقرر على كل عربي (مع حصة التموين).
في «هلأ لوين» تطلق نادين لبكي صرخة موجعة ضد الطائفية، التي عششت في كياناتنا ومجتمعاتنا العربية، ووجدت ملاذاً آمناً في ظل أنظمة شجعتها واحتضنتها لتحتمي بها حين الحاجة. جاء العمل أشبه بقصة خرافية مملوءة بالحكايا مغمسة بالحب والحنان، منكّهة بالضحك والدموع. قصة قرية لبنانية معزولة يعيش فيها مسلمون ومسيحيون في سلام ووئام. إلى ان تصلهم أخبار الحروب الطائفية التي تحدث خارج حدود ضيعتهم، فيستشيط الرجال غضباً ويستلون أسلحتهم استعداداً للحرب. هنا يظهر دور المرأة «والأم خاصة».. الحاضنة، المحبة، الراعية، المحافظة على أرواح أبنائها، ثم تلك التي تبحث عن حيل وحلول لإلهاء الرجال عن فكرة الحرب والسلاح المختمرة في رؤوسهم.. وأي حلول..!! (لن أحرق الفيلم عليكم).
«هلأ لوين» ليس فيلماً عن الحرب، إنما هو يبرع في ايجاد الوسيلة المتاحة لتجنب الحرب والطائفية البغيضة. هو لا يدعو الناس لإنكار دينهم، بل على العكس يدعوهم لقبول دين الآخر. وبذكاء وسخرية لاذعة قدمت نادين طريقة مختلفة لتقبل الآخر وتجنب الاحتقان الذي كان يتسرب الى القرية. وإن كانت المشكلة تفاقمت بسبب الذكورية المتشنجة ورجل الدين المسلوب الإرادة، كان لابد للمرأة (الأم) ان تتحرك. وقد فعلت.. بدهاء وخبث، وكثير من التضحية والحب.
بالرغم من فوز الفيلم بعدة جوائز في مهرجانات سينمائية مختلفة، فان البعض أخذ عليه لغته المباشرة واتهموه بالسذاجة، لكنني أرى أن نادين لبكي تحكي حكاية للناس وليس للنقاد و(المتفلسفين)، لرجل الشارع، للطفل، لست البيت، للأم. هي لا تستعمل لغة فوقية واساليب الألغاز لتحريض المشاهد. هي بكل بساطة تضحكهم، تبكيهم، تعرض عليهم القضية، وتسألهم.. هلأ لوين؟ لا ادري كم من مشاهد الفيلم نالها مقص الرقيب عند عرضه محليا، لكن أرجو من الجميع (رجاء حاراً) أن يشاهدوا الفيلم، وأن يجرّوا معهم أهل بيتهم وأولادهم وأولاد الجيران، لأنه كما قالت صغيرتي عندما «أجبرتها» على مشاهدته «أول مرة أشوف فيلم فيه هدف».
رسالة الفيلم كانت واضحة..»كفى». كفى فتنة و طائفية وكفى تناحراً وكفى انشقاقات! أهدت نادين فيلمها «إلى أمهاتنا» قائلة «لا أريد رؤية المزيد من النساء المتشحات بالسواد، يرين ابناءهن يموتون امام انظارهن». ومن أعماق أعماقها صرخت ونصرخ معها «استحوا على دمكم.. حرام عليكم.. مكتوب علينا نضل محروقين عليكم؟ مكتوب علينا نضل لابسين أسود هيك؟ لح تكفّرونا..!»
d.moufti@gmail.com
* كاتبة كويتية