كمال ريشا- دبي
بدأت غبار المعارك الانتخابية تنتشر في الاجواء اللبنانية، إلا ان اللافت فيها هو ان الاطراف المسيحية هي التي افتتحت البازار الانتخابي قبل غيرها من الفرقاء السيساسيين في ما يؤكد على ما يبد ان المعركة الانتخابية المقبلة هي مسيحية-مسيحية بامتياز: بين القوى المسيحية المتحالفة مع قوى الثامن من آذار وفي مقدمها التيار الوطني الحر برئاسة العماد ميشال عون والوزير السابق سليمان فرنجية من جهة، والقوى المسيحية المتحالفة مع قوى الرابع عشر من آذار، وفي مقدمها القوات اللبنانية بزعامة سمير جعجع والقوى والشخصيات المسيحية التي كانت منضوية في لقاء قرنة شهوان.
بالمقابل، تتريث سائر القوى الاسلامية في اعلان نواياها الانتخابية. اذ تختلف الآليات الناظمة للحركة السياسية لدى هذه القوى. فالتحالف الثنائي حزب الله-امل يحتكر التمثيل الشيعي، وتاليا يكفي اتفاق القطبين على اختيار الاسماء في الوقت المناسب لتظهر اللوائح. تيار المستقبل اظهر، واستنادا الى الانتخابات السابقة، وإلى التقسيمات الانتخابية التي تم الاتفاق عليها في الدوحة، انه قادر على حسم تسمية مرشحيه من الطائفة السنية ايضا في الوقت المناسب. اما على الجبهة الدرزية فيبدو واضحا أن حركة الالتفاف التي قام بها زعيم اللقاء الديمقراطي وليد جنبلاط بعد السابع من ايار هدفها انتخابي اولا واخيرا نظرا لتداخل مناطف نفوذه الانتخابية مع صديقه اللدود المستجد الامير طلال ارسلان، فضلا عن الاصوات المسيحية في الشوف والسنّية في اقليم الخروب والشيعية والمسيحية في قضاء بعبدا، مما يرغم جنبلاط على صياغة تحالفاته بميزان الذهب كي لا يتسبب اي خلل في الاختيار في خسائر غير متوقعة او غير مرتقبة لكتلته النيابية وان كان الامير طلال ارسلان حجز مقدما مقعدا له في قضاء عاليه.
وفي العودة الى الجبهة الملتهبة على الجانب المسيحي، يبدو ان الماكينات الانتخابية ومكاتب الاحصاء بدأت تنشط في احتساب اصوات المحازبين والموالين والانصار انطلاقا من نتائج الانتخابات النيابية السابقة التي قال العماد عون انه حاز على نسبة تمثيل قاربت السبعين في المئة من اصوات المسيحيين وتاليا هو وتياره الممثل الشرعي لهم حتى في المناطق التي خسر فيها مرشحو التيار.
العنوان المسيحي الابرز للمعركة الانتخابية القادمة سيكون كما هو ظاهر للآن من هو الممثل الشرعي المسيحي والى اي جهة ينتمي، وهل سيحتفظ التيار الوطني الحر بنسبة السبعين في المئة ام ان هذه النسبة سوف تنتقل الى اخصامه في قوى الرابع عشر من آذار؟
وفي الخصوصية المسيحية، لا يمكن لأي ثنائية مهما عظم شأنها ان تحتكر تمثيل المسيحيين. فتاريخهم السياسي حافل بتنوع القيادات، وفي احسن الاحوال كان هناك الحلف الثلاثي الذي املت تشكيله ظروف سياسية محددة، حيث شكل الحلف عامل استقطاب للشخيصيات السياسية المحلية التي حافظت على تنوعها وبعض استقلاليتها دون ان تندمج في صفوف حزب من احزاب الحلف.
وفي حمى الحرب الاهلية، كانت الجبهة اللبنانية التي شكلت في تلك المرحلة المتحدث باسم المسيحيين والمفاوض باسمهم مع الطوائف الاخرى كانت تتشكل من قيادات وزعامات متنوعة حزبية وعشائرية وثقافية.
كان التنوع ولا يزال السمة الغالبة لدى المسيحيين فهم لا يوالون بالجملة ومعروف عنهم انهم يحاسبون يوم الاقتراع، وهذا ما حصل في الانتخابات الماضية عندما قرروا معاقبة شخصيات قرنة شهوان والقوات اللبنانية على خوضها الانتخابات الى جانب “الحلف الرباعي” في مواجهة حملة التيار الوطني الحر المسعورة يومها على حزب الله وسلاحه. ومعروف ان للمسيحيين حساسية مفرطة إزاء استمرار احتفاظ حزب الله بسلاحه بعد ان تم تجريدهم من سلاحهم وحل ميليشياتهم والتنكيل بقادتهم، فسجن سمير جعجع وابعد عون وتعرض انصارهما للملاحقات والسجن.
ورغم كل ما قيل ويقال عن مصالحات مسيحية، فإن المعايير الانتخابية والحسابات المحلية الضيقة وما يمكن ان يطلق عليه صفة الاستعجال، اقله في صفوف المسيحيين من قوى الرابع عشر من آذار، كلها عوامل تتحكم بسلوك القيادات المسيحية وحراكها السياسي الحالي.
وفي هذا السياق يمكن تسجيل الآتي:
رئيس حزب الوطنيين الاحرار دوري شمعون اعلن ترشيحه للانتخابات، واعلن ان امام المرشح القواتي في الشوف النائب الحالي جورج عدوان “بلاد الله الواسعة” ليترشح، في حين ردت القوات اللبنانية ان عدوان ما زال مرشحا على لائحة الحزب الاشتراكي بزعامة وليد جنبلاط في الشوف ، مع العلم ان التمثيل المسيحي في الشوف تاريخيا كان بزعامة الرئيس الراحل كميل شمعون. ويوم قررت سلطات الوصاية السورية عام الف وتسعمئة وتسعين ملء الشواغر النيابية للنواب المتوفين عينت النائب السابق جان عبيد من علما (شمال لبنان) ليكون نائبا عن الشوف ويشغل مقعد الرئيس الراحل النائب كميل شمعون.
العضو في قوى الرابع عشر من آذار ميشال معوض، الذي يبدو ان والدته النائب الحالي نايلة معوض قررت الانسحاب من النيابة لتخلي له المكان ترشيحا، اعلن عن لائحة في زغرتا تضمه الى النائب الحالي جواد بولس ويوسف الدويهي مستبعدا منها النائب الحالي سمير فرنجية، وهو استبق اتفاق قوى الرابع عشر من آذار على تسمية المرشحين باستبعاده فرنجية فأوفع نفسه في مأزق لا يعرف كيفية الخروج منه. خصوصا ان القوات اللبنانية وهي ناخب لا يستهان بقوته في دائرة زغرتا، لم تقل كلمتها في لائحة معوض. وفي هذا السياق يبدو ان معوض الشاب يسعى الى تكريس زعامة في مواجهة الزعامة التاريخية لآل فرنجية، دون أن يأخذ في الاعتبار المعطيات السياسية العامة، ومستندا الى حسابات محلية ضيقة تخرج في سياقها عن اتفاق قوى الرابع عشر من آذار وضرورات المعركة الانتخابية المقبلة.
النائب بطرس حرب عن دائرة البترون بدأ يستشعر الخطر الداهم على غير صعيد. فهو حذّر مبكرا من المال الانتخابي الذي بدأت قوى الثامن من آذار بإغداقه على الناخبين في البترون، مشيرا الى ان لديه وثائق ووقائع تثيت اقواله. وبعد ان اعلن سامر سعادة نجل رئيس حزب الكتائب الاسبق النائب والوزير الراحل جورج سعادة ترشيح نفسه للانتخابات المقبلة بحضور رئيس حزب الكتائب امين الجميل في احتفال حزبي في البترون مع العلم ان سعاده كان ترك رئاسة اقليم البترون في حزب الكتائب ويستند الى الارث الذي خلفه له والده من كتائبيين ويسعى الى فرض ترشيحه كامر واقع على قوى الرابع عشر من آذار عموما والقوات اللبنانية تحديدا..
وترشيح سعادة يبدو انه جاء ليقطع الطريق على ترشيح النائب الحالي طوني زهرا من كتلة القوات اللبنانية مما يضع النائب الحالي بطرس حرب في مأزق انتخابي، فعلي والى اي جانب سينحاز؟
وبالاستناد الى الانتخابات النيابية السابقة، سعى الشاب سامر سعادة الى فرض ترشيحه عن دائرة البترون على لوائح قوى الرابع عشر من آذار في اعتبار ان المقعد كان لوالده إلا ان حيثيات المعركة حالت دون ترشيحه، فكان ان عمد انصاره الى القيام برد فعل انتخابي بحيث صوتوا للوائح المعارضة وتسببوا بخسارة النائب زهرا لتمثيله في القضاء ليفوز في المحافظة في حين حل النائب حرب ثانيا بعد مرشح التيار الوطني الحر جبران باسيل.
واذا ما عرفنا ان جمهور القواتيين والكتائبيين هو في الاصل جمهور واحد وانقسم، فان اي خلاف او عدم اتفاق بين الكتائب والقوات سوف يشتت اصوات الناخبين في القضاء ما يفسح في المجال لقوى المعارضة بكسب المعركة في البترون وخسارة مقعدين نيابيين بسبب الاستعجال وسوء التقدير ايضا.
وفي المقلب الآخر ايضا اعلن الوزير والنائب السابق سليمان فرنجية عن لائحته في دائرة زغرتا وهي تضمه الى حليفه النائب السابق اسطفان الدويهي وسليم كرم مستبعدا منها مرشح التيار الوطني الحر فايز كرم ومستبقا اي احتمال للتفاوض على مقعد كرم ومؤكدا في الوقت نفسه تحالفه مع العماد عون في خطوة لم يصدر عن التيار الوطني الحر اي تعقيب عليها حتى الآن وما اذا كان التيار سيستمر في ترشيح فايز كرم ام انه سيتخلى عن هذا الترشيح ويسلم بزعامة فرنجية وبضرورات التحالف الحالي القائم بين عون وفرنجية والرعاية المحلية من حزب الله والاقليمية من سوريا لهذا التحالف .
وفي المتن ، وبعد ان تكرس التباين بين الوزير السابق ميشال المر وكتلة الاصلاح والتغيير برئاسة العماد عون، فان الصورة الانتخابية آخذة في التبلور حيث يسعى المر الى تكريس نفسه زعيما للمتن ورئيسا للائحة المقبلة او في احسن الاحوال شريكا في رئاسة اللائحة وليس عضوا فيها الى جانب اتباع التيار الوطني الحر. خصوصا ان المر شعر في وقت من الاوقات ان كل ما جمعه في السياسة وبعد ان كان رئيس كتلة نيابية ووزيرا من الثوابت تم تجييره للعماد عون واصبح المر كمن يريد طلب الاذن من اكثر من شخص قبل ان يدلي بموقف سياسي وتتم محاسبته في اجتماعات التكتل.
انتفاضة المر تبدو محسوبة العواقب، وهو مشهود له بالحسابات الانتخابية الدقيقة ومعرفته بالارض الانتخابية التي يقف عليها. وهو لليوم يحاذر الاستعجال واعلان الافتراق عن التيار الوطني الحر نهائيا، ولا يزال يحسب بدقة مواقف التيارات الارمنية المتحالفة معه تاريخيا. وهو يريد تحجيم كتلة العماد عون المتنية من دون ان يقع في خطأ الانتخابات السابقة وتجيير قوته الانتخابية لصالح قوى الرابع عشر من آذار.
وفي هذا السياق، كان لافتا دخول حزب الله على خط المر- عون، حيث قام وفد من الحزب بزيارةالمر وذكرت مصادر قريبة من اللقاء ان الحزب يسعى الى اعادة جمع الاثنين في لائحة واحدة وضمان اعادة السيطرة على المتن والحد من مخاطر انتقال المر وانصاره الى الضفة المقابلة وما لهذا الانتقال من انعكاس على تراجع حظوظ العماد عون في الوصول الى الندوة النيابية. وفي هذا السياق يشار الى ان ادمون غاريوس، صهر الوزير المر، وهو يتولى رئاسة بلدية الشياح ويشهد له بحسن ادارته للبلدية وشعبيته، يرغب بترشيح نفسه للانتخابات المقبلة في دائرة المتن الجنوبي حيث لحزب الله ثقل انتخابي لافت. ويبدو ان الحزب اراد الدخول على خط هذا الترشيح لتأمين الدعم لحليف الحزب الرئيسي العماد عون في مقابل دعم غاريوس.
بدأت المعارك الانتخابية في الساحة المسيحية. ومن خلال ما سبق، يبدو ان الاستعجال ومحاولات فرض الامر الواقع على الحلفاء قبل الاخصام هو السمة الغالبة لهذا الحراك السياسي. فهل ينجح لقاء قوى الرابع عشر من آذار المرتقب خلال الشهر القادم في اعادة تصويب المسار الانتخابي في الشارع المسيحي فتدخل هذه القوى الانتخابات ككتلة موحدة؟
richacamal@hotmail.com