لا نعرف الكاتب الكويتي السيد عبد اللطيف الدعيج، ولكن ما كتبه في “القبس” اليوم يعبّر عن تفكيرنا بالنسبة لعملية إزالة أعلام مقبرة “الجعفرية” في الكويت قبل يومين (الخبر منشور بعد التعليق). مؤسف أن يكون بعض “نوّاب الأمة” (من “السنّة” كما من “الشيعة”.. الذين لم يتورّع بعضهم عن الدفاع عن نظام البعث في دمشق) الذين ينفخون في نار الشرخ الطائفي الذي ظلّت الكويت تاريخياً بعيدة عنه. ويأتي قرار البلدية بالتزامن مع تصويت مجلس الأمة الكويتي على قرار يتضمن عقوبة الإعدام لمن يسيء إلى الذات الألهية أو إلى النبي وزوجاته، وهو قانون ليس هنالك مثله في السعودية، مع أن هنالك نسخة منه في باكستان.
إرحموا الكويت وشعبها! لولا ما عرفت به الكويت من تسامح وانفتاح وثقافة لما كان العالم كله وقف معها في محنة الغزو الصدّامي. الكويت ليست “بيشاور”ـ ويجدر بنوّاب الأكثرية النيبابية “المؤقتة” أن يتعمعّمنوا في الإساءة التي يتسبّبون بها لسمعة بلادهم.. ولنسيجها الوطني!
الشفاف
*
لاحقينهم حتى في المقابر..!
كتب عبداللطيف الدعيج :
قد تبدو مسألة تعظيم القبور او زيارتها امرا دينيا يتوقف على ديانة الشخص او مذهبه. ومع ان هذا صحيح الى حد ما، الا انني اعتقد ان الوضع الاجتماعي له التأثير الاكبر او الاساسي هنا. فتعظيم القبور لا يتوقف الخلاف فيه على الشيعة والسنة، بل على سكان الارياف وسكان الصحراء او البدو الرحّل. اغلب السنة هنا، ينتمون الى الصحراء، حيث التنقل وعدم الاستقرار يلغيان من الاساس فكرة الارتباط او الانتماء «حيا» بالارض، فكيف بعد الممات؟ لا الميت لديه شعور الارتباط بالارض ولا الحي قادر على «المرابطة» والاعتناء بالقبر، وهو المعتاد على التنقل والحراك خلف العشب والماء. لهذا فان سكان الارياف او المناطق الزراعية باغلبيتهم لديهم ميول الى تعظيم المقابر، بغض النظر عن الديانة او المذهب، بينما سكان الصحراء بالكاد يفكرون في ذلك.
هذه مقدمة كان لا بد منها للنظر في صرعة البلدية الجديدة في محاربة او مضايقة الشيعة في مقابرهم. اللافت للنظر هنا، هو ان الشيعة لديهم مقبرتهم الخاصة، معزولة وبعيدة عن الفرقة الناجية واتباعها. بل يمكن الجزم ان الفرقة 73 هي التي نفت الشيعة وحرمت عليهم الممات مع الاخيار والمؤمنين من اتباعها. واليوم يتمدد التطرف ليلاحق الشيعة حتى بعد الممات، وراهم وراهم الى المقابر. يقولون لنا ان حريتك تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين، او عندما تضايق وتؤثر في غيرك. رغم التعسف والتجبر في هكذا طرح، الا انه ايضا لا يطبق ولا يعتد به. فالميت لا حول ولا قوة له، ومقبرة الشيعة معزولة ومسورة، وليس للناجي من الفرقة 73 درب او مصلحة او علاقة بها. اذن.. لمَ التدخل ولمَ الاصرار على اخضاعها للعقلية الصحراوية في نسيان الميت والتبرؤ منه؟ وماذا فعل قبر الشيعي حتى ينتهك ويدنس؟!.. موتاهم وكيفهم، ومقابر لا تضر ولا تنفع، ولا تسيء ولا ترفع.. فلمَ اثارة الفتنة، ولمَ الحرص على استفزاز الآخرين، وبالذات في مسألة خاصة وخصوصية وتتعلق بالاموات وليس بالاحياء؟
اعتقد من الواضح الآن ان هناك استغلالا غير حميد على الاطلاق لنوعية الاغلبية التي تكونت في المجلس. وهناك قفز على حقوق الآخرين الدستورية والضمانات الديموقراطية التي يوفرها النظام للأقلية.. هذا الاستغلال يجب ان يواجه من قبل «السلطة» ويجب ان يتم توجيه الاغلبية وضبطها ديموقراطيا بحيث لا تتعدى على المبادئ العامة للنظام او تنتهك الحقوق والضمانات الدستورية للآخرين.. لأن المؤكد الآن ان الجماعة في البداية فقط.. وان الآتي أعظم.
*
تنفيذاً لقرار صادرفي 24 يناير 2012 حرصاً على حرمة المقابر
البلدية تزيل أعلام «الجعفرية»
أزالت بلدية الكويت الأعلام الموجودة فوق قبور المقبرة الجعفرية، تنفيذا لقرار اتخذ في 24 يناير الماضي.
وأوضح كتاب رفعه مدير إدارة «شؤون الجنائز» في البلدية فهد المسبحي الى مسؤول المقبرة الجعفرية حمل عنوان «إزالة الاعلام الموضوعة فوق القبور» أن «هناك تجاوزات يقوم بها بعض أهالي المتوفين من خلال وضع بعض الاعلام فوق القبور الخاصة بموتاهم في المقبرة».
وأشار المسبحي في كتابه إلى أنه «تقررت إزالة كل هذه الأعلام حرصا على حرمة المقابر» مع المطالبة باتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذ الأمر بالسرعة المطلوبة.
وأوضحت مصادر مطلعة في البلدية أن هذا القرار كان موجودا في عهد وزير الدولة لشؤون البلدية السابق الدكتور فاضل صفر، وتم تأجيل تنفيذه «حتى إشعار آخر» ونتيجة معايشة البلاد للانتخابات البرلمانية السابقة، مشيرة إلى ان «نوابا من الطائفة الشيعية تدخلوا لوقف تطبيق القرار في السابق. وتم تنفيذه أخيرا بعد أن أشبع تأجيلا».
وفي تنفيذ القرار، قام العاملون في المقبرة الجعفرية قبل يومين برفع الأعلام ووضعها قريبا من القبور المرفوعة عليها تمهيدا ليأخذها أصحابها، لكن بعض زوار المقبرة أعادوا اول من امس الأعلام إلى وضعها السابق، «لجهلهم بأسباب رفعها وعدم علمهم بقرار البلدية».