كمال ريشا- دبي
تضخمت هذه الايام الارقام المالية والتراجعات في اسواق المال والبورصات بما يفوق القدرة على استيعابها، فحكومة اليابان تضخ يوميا مئات مليارات الينات، والحكومة الاميركية رصدت سبعمئة مليار دولار، والاتحاد الاوروبي كذلك. ارقام وارقام يرافقها مصطلحات جديدة من نوع مؤشرات البورصات التي تخسر لايام ثم ترتفع ليوم، لتعود الى التراجع، فضلا عن هواجس المستمثرين، التي تلعب فيها حالتهم النفسية بمصائر مليارات الناس، فهؤلاء إن خافوا من الركود، تراجعت اسواق المال، ولو رغبوا في تحقيق بعض الارباح انتعشت الاسواق، وفي الحالتين تتقدم او تتراجع الملاذات الآمنة الاستثمارية، مثل الذهب والعقارات. وفي جميع الحالات، كنا في السابق لا نجد تفسيرا لارتفاع سعر برميل النفط الجنوني، واليوم لا نعرف السبب الذي يدفعه نزولا، مع ملاحظة ان مثلنا من ذوي الدخل المحدود نسجل ارتياحنا الكبير لاي تراجع في اي سعر كان.
ولكن اين يقع الخطأ في ما تتخبط به البشرية جمعاء، وهل فعلا أن سياسات الحزب الجمهوري والرئيس بوش هي المتسبب بهذه الازمة؟ واذا كان الامر كذلك، لماذا ثارت الثائرة عندما قررت الحكومة الاميركية التدخل في السوق واعتماد خطة انقاذ؟ وهل التحول الى النظام الاشتراكي لانقاذ عامة الناس من الفقر وجشع المستمثرين وتقلبات حالتهم النفسية جريمة يحاسب على الناخب والقانون؟
قد يمر وقت قبل ان يدرك خبراء الاقتصاد اسباب هذه الازمة الحقيقية بعيدا عن مزايدات السياسيين الانتخابية وغير الانتخابية ولماذا انفجرت في هذا الشكل؟ وهذا، في ظل غياب الحلول الفعلية لها والتي تنوعت واختلفت بين دولة واخرى إلا أنها اخفقت جميعها في وقف التدهور.
وانطلاقا من معايشة يومية للواقع الاقتصادي في دولة الامارات العربية المتحدة وفي دبي تحديدا، يمكن قراءة سلوك المصارف والمستثمرين على حد سواء. ربما القت هذه القراءة الضوء على كيفية سير النظام الاقتصادي في اقتصاد يشهد له بالنمو السريع وبثبات سعر صرف للعملة الوطنية ووفرة مالية بدأت تأخذ طريقها الى الاحتجاب ولو ببطء.
ففي دبي على سبيل المثال تجد ان المصارف تعمل بما يجعل حياة المتعاملين سهلة للغاية، سهولة قد تكون مثار استغراب.
فهنا تطاردك المصارف لكي تقدم لك بطاقة اعتماد من دون دفع ثمن رسوم مقابلة لها ومن دون حتى معرفة بك وبسلوكك المصرفي، وبرصيد افتتاحي يوازي ضعفي راتبك الشهري ليرتفع بعد ذلك تدريجيا تبعا للالتزام بالاستعمال وسداد الدفعات الشهرية والفوائد المترتبة على السحب والمشتريات. وفي المقابل، لا يطلب منك المصرف سوى شهادة راتب واوراق ثبوتية عادية لا تلزم بالدفع، ليضاف الى الطلب لاحقا شيك مصرفي من دون تاريخ ومن دون تسجيل مبلغ محدد ومن دون رصيد كضمان لعدم السداد.
وفي الامارات يطاردك المروجون للخدمات المصرفية وهم في الغالب من الجنسيات الاسيوية، من الهنود او الباكستانيين في الغالب، مسوّلين لك جنة القروض الشخصية التي تتفاوت تبعا لمدخولك الشهري، لقاء ضمانات واهية, فالوافدون وهم غالبية السكان، لا يملكون عقارات ولا موجودات عينية كي تشكل ضمانات لتلك القروض. فقط شهادة الراتب وشيك مصرفي ممهور ابيض من دون رصيد ومن دون تاريخ يستخدم ايضا في حالة التوقف عن السداد كوسيلة قانونية لادخالك السجن.
وفي دبي ايضا ازدهر سوق العقارات بحيث استسهل الجميع المشاركة في المضاربات والشراء في ظل الارباح الخيالية التي يمكن ان يحققها الاستثمار في هذا القطاع في ظل ارتفاع الطلب وعجز المعروض عن الايفاء بحاجة السوق.
واذا كان طبيعيا ان يسبب نقص المعروض قياسا الى حجم الطلب في ارتفاع الاسعار، فما لا يمكن فهمه هو عدم وجود ضوابط لحالة المضاربة في هذا السوق بحيث يستسهل اي شخص المغامرة لانها مضمونة النتائج.
فعند الاعلان عن اطلاق مشروع عقاري من قبل احدى الشركات تصطف طوابير من الاشخاص لحجز ارقام اولا في مكاتب شركات التطوير العقاري. واذا غالبك النعاس او كنت من الذين لا يستسيغون الوقوف في الطابور فهناك من هو مستعد لقضاء الليل امام باب مكاتب الشركة فقط ليحجز رقما يخوله الدخول الى جنة المكتب، وهو يعرف سلفا انه لا يريد الشراء، ولا يستطيع الشراء. بل هو فقط يريد ان يبيع تلك الورقة التي سجل عليها رقما، كلما كان صغيرا كان مربحا، بحيث قد يبلغ سعر هذا الرقم 1500 دولار اميركي في بعض الحالات.
وبعد ان تحصل على الرقم، تدخل لحجز شقة في مشروع كل ما فيه هو ارض ومجسم لشكل المشروع ومغريات الباعة والمروجين.
وبعد استيفاء الشروط وابراز المستندات المطلوبة وهي ايضا ليست بالمستعصية، تصبح مالك شقة في جنة دبي الموعودة مقابل مبلغ يتراوح بين خمسة الى عشرة في المئة من سعر البيع، والذي يكون مقبولا بوصفك المالك الاول. فاذا كان ثمن الشقة مليون درهم على سبيل المثال، اي ما يوازي مئتين واربعة وسبعين الف دولار اميركي تقريبا فانت تدفع ما بين خمسين الف درهم الى مئة الف كدفعةاولى، اي 13500 الى 27000 درهم بالدولار الاميركي، يضاف اليها مصاريف تسجيل وخلافه وهي ليست بالكبيرة، ثم تتوقف عن الدفع لحين انجاز المشروع خلال سنتين الى ثلاث سنوات.
وفي هذه المرحلةالانتقالية، تتدخل المصارف لتمويل الشركات العقارية وترهن الشقة الموعودة لصالح المصرف الذي يسدد ثمنها للشركة على ان تبدأ بصفتك مالكا للشقة بالسداد فور تسلمك المفاتيح من المالك وإخطار المصرف بإشعار الاستلام.
في هذه المرحلة الانتقالية ايضا يجلس المالك السعيد منتظرا يحتسب الارباح التي تتراكم في جيبه بالتزامن مع تقادم العمل في المشروع، بحيث يختلف ارتفاع السعر من مكان لآخر ومن مشروع لآخر وتبعا لقدرة الشركات المطورة على تسويق البذخ والترف والرفاهية الموعودة بعد انجاز المشروع. وفي الغالب، حتى يشارف المشروع على الانتهاء تكون الشقة الموعودة ارتفع سعرها الى ما يقارب المليون ونصف المليون درهم اي بزيادة خمسين في المئة من سعر المبيع خلال سنتين الى ثلاث سنوات، وهذا رقم تقريبي يتفاوت بين مشروع وآخر وميزات كل مشروع وقربه من مراكز التسوق وسوى ذلك.
عندها يرتفع الطلب على الشراء، والشقق اصبحت جاهزة، مما يتيح للمالكين باختيار زبائنهم فيبيعون على سعر مليون ونصف وفق نفس الاجراءات السابقة، ويدخل الى جيوبهم مبلغ نصف مليون درهم، اي ما يقرب من مئة ستين الف دولار في خلال سنتين لقاء دفعةاولية تراوحت بين 13500 الى 27 الف دولار. وهذه نسبة ربح عالية ومرتفعة جدا قياسا الى ما تكون انت قد دفعت وليس ما انتقل ورقيا من معاملات مصرفية بين الشركة والمصرف.
واذا كنت ممن يطيقون الانتظار فعندما ترتفع الاشجار في سماء المشروع ويصبح آهلا بالسكان، فان السعر سيرتفع حتما وستجني المزيد من الارباح. ولكن عندها ستكون قد باشرت دفع الاقساط الى المصرف وتختلف عندها نسبة الارباح التي يتم جنيها لقاء هذا الانتظار الذي لن يكون طويلا، وبامكانك ان تضاعف الارباح مرات ومرات.
وما يحصل هنا على هذا الصعيد لا يشكل انتقالا لكتلة نقدية من جيوب المشترين او من حساباتهم الشخصية، لانهم ببساطة مقترضون. انه فقط انتقال ورقي لكميات كبيرة من الاموال من حسابات المصارف لحساب الشركات كي تستطيع انجاز المشروع من حساب المصارف في انتظار انتهاء المشروع، كي يبدأ المشترون بالسداد لآجال طويلة للقروض السكنية التي تصل في الغالب الى خمسة وعشرين عاما.
ولانه لا توجد كتل نقدية للانتقال والتداول، تكون كافية لتغطية المشاريع المتزايدة والمتسارعة فان المصارف وجدت نفسها حاليا امام ازمة سيولة نقدية.
ورقيا ميزانيات المصارف سليمة ولديها من الموجودات ما يغطي الايداعات وربما اكثر، خصوصا ان اسعار العقارات ترتفع. ولكن من اين لها السيولة، وهي مرهونة بسداد طويل الاجل وبرواتب عاملين في شركات ومؤسسات معظمهم من الوافدين اي من العاملين في الدولة وليسوا من سكانها.
واذا اضفنا الى التسهيلات العقارية ما اسلفنا عن القروض وبطاقات الاعتماد غير المغطاة بضمانات كافية، نجد ان السيولة تخرج من المصارف وهي تجد صعوبة في العودة اليها.
وفي ضوء الازمة المالية الحالية سمعنا ان حكومة الامارات بدأت بالتدخل لرفد المصارف بالسيولة للحد من تأثيرات الازمة العالمية على الاسواق المحلية. ولكن مع ذلك، بدأ سيل الشائعات من ان المصارف العاملة في الدولة بدأت بالحد من انفلاشها المرضي ولجم توسعها في مجالات الاقراض الشخصي والعقاري وقروض شراء السيارات. واذا كانت هذه الشائعات فعلية، فان المصارف هنا سوف تعمل اعتبارا من الآن حصالات نقود، وتفقد دورها الريادي في تعزيز وتفعيل التنمية الاقتصادية ورفد الاسواق بالسيولة اللازمة لاستمرار تأمين الوظائف وثبات الاسواق وعدم توقف المشاريع قيد الانجاز.
ولكن هل يكفي ان تترك المصارف لتواجه مصيرها منفردة، ام ان هناك حاجة لتدخل الحكومات لاعادة تصويب المسارات ودخولها شريكة لأنسنة الاقتصاد ووضع ضوابط تحد من الارباح الفاحشة وغير المبررة وتحفظ الاسواق من التقلبات الدراماتيكية؟
واذا كانت المصارف تؤدي دورها الوسطي بين المستثمرين، فعلى من تقع مسؤولية حماية الامن الاقتصادي والاجتماعي؟ اوليس هذا دور الحكومات؟
richacamal@hotmail.com
كيف تنعكس الازمة المالية في دبي؟أغسطس البداية أو نهاية ؟ في الوقت الذي العالم الرأسمالي يعمل على إيقاف التدهور الاقتصادي العالمي من خلال ضخ – سكب – أموال ضخمة لأعادت الثقة بين البنوك من اجل أعادت الحيوية إلى الحياة الاقتصادية فيها ,وكدا من خلال تأميم جزئيا لبعض البنوك , نجد ظاهرة- وهي قديمة في حد ذاتها- تعلق أسباب فشلنا على حبال الغير خاصة في الوطن العربي و أماكن أخرى , توجه أصابع الاتهام للغرب في تآمره علينا أو ضد …… , هنا (موسكو) بعد أسبوع من الأزمة المالية سمعت من احد المحليين السياسيين الغير معرفين أن الغرب تآمر على روسيا… قراءة المزيد ..
الاقتصاد بين صانعيه ولصوصه ان افضل تعريف لقوة اقتصاد اي بلد هو في رقم الناتج القومي لذلك البلد .. والناتج القومي هو مجموع ما تزرعه وتصنعه تلك الامة سنويا .. ولا يدخل في الارقام ما تبيعه .. اي ان الربح الناتج من التجارة او تداول المواد الصناعية والزراعية والحصول على عمولات خدمة منها لا يرفع معدل الناتج القومي بل يزيد كلفة المواد المنتجة لان عمولة التاجر يدفعها المستهلك .. وبمعنى اخر خدمات التوزيع التجاري من المصنع الى المستهلك تزداد قيمتها كلما زاد عدد الوسطاء .. والذي يتحمل هذا العبء الاضافي هو المستهلك … فالمضاربات على الموجودات تزيد الكلفة دون ان… قراءة المزيد ..