بعيداً عن الإطراء المكرر على المنجز الأمني، علينا أن نذهب إلى الخلل الواضح، الذي مكن هؤلاء من تجنيد كل هذا الكم من الموقوفين لصالح أفكار تنظيم، كنا نعتقد أن المجتمع وكافة مؤسسات الدولة تحاربه بكل جدية.
الإطراء واجب على الجميع لشكر من عمل وأنجز، لكنه لا يفيد في إصلاح الخلل. في كل مرة نشكر أجهزة الأمن على منجزاتها، و”بيان الجمعة” ليس المنجز الأول، ولن يكون الأخير، لأن مشروع التجنيد قائم في غير مكان من بلادنا وبغير وسيلة.
الجهاز الأمني ونشاطه شيء، ومؤسسات الدولة الأخرى شيء آخر، وقد أرهقنا من كثرة التذكير بفارق وهامش الجدية بين الطرفين في علاج الخلل وضمان عدم تكراره.
مع وجود عدة تنظيمات تتبنى صيغة “القاعدة”، علينا أن نؤمن ونقر بمرحلة جديدة من مكافحة “القاعدة”. مرحلة تختلف جذرياً عن كل ما كنا نعمل عليه. في السابق كان أمامنا تنظيم وأسماء نعرفها، وصور معلقة في كل مكان، أي أن الخصم واضح ومعروف، أما اليوم مع هذه التشكيلات الجديدة المضبوطة، فالحال بات أصعب وأكثر حساسية.
حالنا اليوم، ليس ملاحقة لمشتبه بهم وإحباط مخططاتهم. نحن أمام جيل تشرب أفكار “القاعدة” وتلقف أفكارها، وليس بالضرورة من خطب الجمعة أو حلقات تحفيظ القرآن أو المراكز الصيفية، نحن أمام جيل الانترنت، الذي قد لا تنفع معه خطط الوقاية الفكرية، والمتبعة منذ 4سنوات، منذ أن أعلنت الحرب الإعلامية والاجتماعية على “القاعدة”.
هذه الخلايا السبع، ليست خلايا كما يظهر، بل سبعة تنظيمات واضحة وصريحة. واحدة منها تتبع التنظيم القديم، الذي أسسه يوسف العييري وكان فهد الفراج أخر قادته. والبقية تنظيمات منفصلة عن بعضها، لا أحد يرتبط بالآخر، ولكنهم حملوا منهجاً واحداً وكتاباً واحداً عنوانه “موسوعة القاعدة الجهادية”.
باتت البلاد أمام معركة أكثر شراسة. وبطء مشروع الوقاية الفكرية بانت سلبياته مع هذا الكم البشري المضبوط من المجندين الجدد. والمقبل من بيانات وزارة الداخلية سيكشف كم كان التهاون مع “جيل الانترنت” خاطئاً.
في كل إجازة أزور فيها الدمام، أتجول بين الأصدقاء والمعارف للسؤال عن أسماء بذاتها؛ لأني أثق أنه سيأتي اليوم الذي أسمع فيه بأن أصحابها أوقفوا بتهمة العلاقة مع “القاعدة”، وفي زيارتي الأخيرة عرفت أنهم كانوا من أهم أبطال “بيان الجمعة” الكبير.
من أصل المئة والاثنين والسبعين موقوفاً، هناك مئة وثلاثون سعودياً، والبقية خليط يمني ونيجيري وجنسيات أخرى، ومن السعوديين الموقوفين سنجد أن السواد الأعظم لمن هم دون الثانية والعشرين، مع فائق التحية لرواد المعالجة الفكرية.
*نقلا عن جريدة “الرياض” السعودية