هي كلمة لا بد منها ..
الكويت اولا.. والكويت أخيراً..
والنظام العام في البلاد يجب ان يحترم لأنه الدعامة الأساسية للأمن والسلم الاجتماعي ..
الحكم هو عنوان الحقيقة.. ومن أخطأ عليه تحمل نتائج خطئه.. والعقوبة فردية.. لا تساهل في تطبيقها.. ولا تسامح مع التجاوز في تطبيقها ضد من لا علاقة مباشرة له فيها..
وعلينا دعم جهود الدولة في تطبيق القانون.. وعلى الجميع دون مواربة او محاباة.. ادانة أي جريمة تخل بالأمن القومي الكويتي..
قضية خلية العبدلي هي احدى ازمات مجتمعنا والتي تتداخل في فهمها العديد من العوامل .. ولا بد من المصارحة ان اردنا الوصول ببلدنا ومجتمعنا لبر الامان ..
اول تلك العوامل هو العامل الطائفي..
ودعوني اقولها بصراحة ان العبئ الطائفي هو عبئ ثقيل ويلقي بظلاله على علاقة الكثير من الشرائح الدينية والاجتماعية في وطننا واقليمنا مع بعضها البعض ..
كانت الطائفية موجودة قبل خلية العبدلي.. واثناء فترة المحاكمة .. وستستمر بعدها.. وما خلية العبدلي وما صاحبها من تأجيج طائفي مسعور الا احد تمظهرات الأزمة السنية الشيعية في اوطاننا..وطالما استمرت الأزمة الطائفية.. فسيستمر الاستثمار فيها محليا وخارجيا .. وسنكون على موعد مع قضايا أخرى تعصف بأوطاننا وجاهزة للاستغلال البشع من اطراف عدة على الدوام ..
البعد الثاني هو البعد المحلي المحض.. فالكويت بحكم كونها بلدا صغيرا وغير منتج للثقافة بل متأثر بما يحصل حوله في الحواضن الأثقل ثقافيا -أيا كان نوع تلك الثقافة- فسيظل متأثرا بما يحدث حوله من تجاذبات سياسية او طائفية او اقتصادية او غيره.. ودونما منهجية تحصن الواقع الداخلي مما يحدث حولنا فسنظل مستعدين للتفاعل السلبي مع مشاكل محيطنا بشكل ينعكس سلبا ايضا على واقع النسيج الاجتماعي الكويتي..
البعد الثالث في الموضوع.. وأعلم كم الحساسية في التعامل معه هو في تسييس الدين في الجهتين السنية والشيعية.. ولأن “الأقربون أولى بالمعروف”، فسأقتصر اليوم على الشق الشيعي في نقدي..
رغم إيماني المبدئي والاساسي بخطورة تشكيل احزاب دينية عقائدية وضرورة ان يمارس العمل السياسي من خلال احزاب مدنية تضم جميع افراد الطيف الاجتماعي والديني الا ان تشكيل احزاب دينية شيعية تحديدا تتمحور حول نظرية ولاية الفقيه بتفسيراتها الواسعة والعابرة للحدود الوطنية هو امر خطر على واقع الطائفة الشيعية ذاتها، ومن دون الخوض في الكثير من الأمثلة الا ان الواقع يثبت ذلك من خلال عمل بعض التنظيمات الشيعية التي تحالفت فترة ما مع الاسلاميين في الجانب السني في قضايا تؤثر بشكل مباشر على الحريات العامة والحريات الدينية والمتضرر من ذلك هم ابناء الطائفة الشيعية قبل غيرهم، ولك في المطالبة بتعديل المادة الثانية من الدستور وفصل التعليم المشترك وأزمة الكتب الممنوعة مثال واضح ومختصر لكل ذلك، كل ذلك تم تحت مظلة الوحدة الدينية والتقارب الاسلامي وهو الأمر الهلامي الذي تم تقديمه كأولوية على قيمة التعايش واحترام التنوع والاختلاف وتعزيز قيم المواطنة.
ان تبني الشيعة لنظرية ولاية الفقيه بالمعنى الواسع في ظل وجود نظام سياسي يتخذ من تلك النظرية مرجعية اساسية لنظام الحكم، كما هو حاصل في الجمهورية الاسلامية الايرانية، لا تعترف بالحدود الوضعية بين الدول ويؤمن المدافعون عنها بكونها النموذج الأقرب للكمال والاكثر تمثيلا لإرادة الشرع الكريم، تماما كما نظام الخلافة في الواقع السني، سيضعهم دائما في مرمى الاتهام من خصومهم في ما يخص موضوع الولاءات، رغم التأكيد على السجل المشرف للشيعة في ولائهم لأوطانهم، وصيانتها وتطويرها والدفاع عنها وعدم حاجتهم لشهادة حسن سير وسلوك في هذا الموضوع من احد.
إن ايران دولة تحكمها انظمتها ومصالحها الخاصة، نطمح لعلاقة جيدة معها بقدر نواياها وسلوكها تجاه بلدنا، ومن يرى فيها انموذجا مختلفا عن غيرها فهو ينزلها في مرتبة لم ولا ولن تكون عليها، فهي نتاج جهد بشري يخطئ ويصيب.
ونعود لنقول انه قد آن الأوان لأبناء الطائفة الشيعية اينما كانو لرفض الانغلاق على انفسهم في جماعات سياسية مذهبية مقفلة على اتباع المذهب الواحد -وفي بعض الاحيان المرجع الواحد- والانخراط في العمل الجماعي مع شركائهم في الوطن وفق منهجية جديدة ونفس طويل يهدف لجعل الوطن حاضنا لكل ابنائه..
لا نقول هذا ونحن نعتقد ان الطريق معبد بالزهور للعمل الجماعي المدني غير الطائفي.. فهنالك من العراقيل والتجارب السلبية السابقة الكثير مما يثبط الهمم .. لكنني ازعم انه الطريق الوحيد لخلق مجتمع منفتح على جميع ابنائه .. ويشعر الجميع فيه بالعدالة ..
البعد الاخير مما اريد تسليط الضوء عليه هو البعد الحقوقي ومفاهيم العدالة فيما يتعلق بخلية العبدلي ..
فمع ايماني بضرورة تطبيق احكام القضاء بشكل مطلق وإن جاءت على غير هوى البعض او تشكك بعضنا في صحة المرتكزات التي استند عليها الحكم من تحقيقات وادعاءات بالتعذيب وغيره.. الا ان ما يشيعه بعض السياسيين من تجاوز لبعض الجهات في احتجاز ذوي المحكومين هو امر خطير ومدان بكل قوة ويستوجب المحاسبة.. ولا نريد التوسع حاليا في قراءة تطور عملية تنفيذ حكم الخلية والطريقة الجديدة في الاعلان عن البحث عن المفقودين والتي لم نسمع بها سابقا في الكويت.. الا ان شعور بعض المواطنين بأن التعامل مع الاحكام القضائية فيه من الاختلاف قدر كبير هو امر ملحوظ ويحتاج للأخذ في عين الاعتبار.. فهنالك كما يشاع العديد من الاحكام القضائية النهائية الصادرة في قضايا خطيرة اخرى لم يستشعر الكثيرون بأن التعامل معه تطابق مع التعامل مع المدانين بقضية خلية العبدلي ..
لقد قام القضاء بما عليه في هذه القضية .. وبقي أن تقوم أجهزة الدولة بدورها بتطبيق القانون وفق مسطرة واحدة تعزز من قيم العدالة والمساواة في هذا الوطن ..
اخيرا..
للمتاجرين من الساسة او الطامحين في مواقع سياسية .. اتقوا الله في وطنكم .. واعلمو اننا نسير في بحر متلاطم من الصراعات من حولنا يقود سفينتنا فيه باقتدار صاحب السمو الامير فأعينوه .. فالمناصب زائلة.. والكويت هي الباقية..
اخوكم
د. سليمان الخضاري