قبل اسابيع، استدعى حسن نصرالله مجموعة من نساء كوادر حزب الله إلى معقله في الضاحية ليؤنّبهن قائلاً: “توقّفوا عن تبديد مال حزب الله للعب دور البرجوازيات”!
ولكن الميليشيا الشيعية، التي مضى 30 عاماً على تأسيسها، تعيش واحدة من أدقّ الأزمات في تاريخها. فجناحها المسلّح، الذي يعدّ 15000 رجلاً، لم يعد يواجه قوة احتلال ينبغي طردها من لبنان. كما أن السقوط الوشيك المحتمل لحليفها السوري- الذي تمرّ عبره شحنات السلاح الإيراني- يضعها في موقف صعب. ويقول القائد السابق لقوة الطوارئ الدولية في لبنان، “تيمور غوكسيل”، أن “حزب الله لا يستطيع أن يتخلّى عن بشّار الاسد. ولكنه، بالمقابل، لا يعرف كيف يردّ على قواعده التي لا تفهم كيف يطالب الحزب، بإسم المقاومة، بمزيد من الحريات في البحرين ولكن ليس للشعب السوري”.
وإزاء هذه الصعوبات، فقد فرض الحزب حالة من الصمت في صفوفه، ولو أن ذلك لم يحُل دون استمرار الجدل سرّاً. ويقول ديبلوماسي غربي: “في مطلع الثورة السورية، كنا نسمع أقوالاً لا تُصدَّق لمسؤولين ينددون بالفساد، وبغياب الحريات في دمشق، مع التحذير من أن حزب الله قد يفوّت على نفسه لحظة الإنتقال إلى الديمقراطية”. وتفيد معلومات أن كبار مسؤولي حزب الله عقدوا إجتماعات ليلية خلال الأسابيع القليلة الماضية كان موضوعها الرئيسي: “هل ينبغي للحزب أن يزجّ مقاتلين إلى جانب بشّار إذا ما تعرّضت سوريا لهجوم عسكري من دولة أجنبية؟”
وحسب المعلومات، فإن حسن نصرالله لا يؤيد تورّط الحزب في مثل هذه الحرب.
وحول هذه النقطة، وكذلك بالنسبة لمسائل أخرى متعلّقة بالتطوّر الحاصل في سوريا، فهنالك تباين في وجهات النظر بين السياسيين، الواقعيين، الذين يمثّلهم الوزير محمد فنيش أو النائب علي فياض ومسؤولي الأمن في الحزب الذين يدعون لخط أكثر تطرّفاً. وليس واضحاً أين يقف الأمين العام للحزب بدقّة من هذا التباين في الآراء.
أزمة مالية وراء تشجيع إنتاج المخدّرات في البقاع!
وحسب رجل أعمال شيعي من جنوب لبنان، فقد “ساء الوضع المالي لحزب الله”. وبسبب العقوبات الدولية المفروضة عليها، خفّضت إيران بنسبة الرُبع دعمها المالي لحليفها اللبناني، الذي تقدّر أجهزة الإستخبارات الفرنسية أنه بات بحدود 350 مليون دولار سنوياً.
من جهة أخرى، باتت العائلات الشيعية المنتشرة في أنحاء العالم معرّضة لضغوط جهاز “إف بي أي” الأميركي للتوقّف عن تمويل الحزب الذي تعتبره الولايات المتحدة منظمة إرهابية. ويقوم الأميركيون، الذين يتنصّتون على الإتصالات، بالوشاية على عمليات جباية الأموال التي يتولاها شبان من الجيل الثاني من المهاجرين الشيعة في أميركا الجنوبية وإفريقيا، لدى سلطات البلدان المعنية.
ويقول السياسي اللبناني فؤاد مخزومي أنه “حتى العام 2006، كانت كل عائلة شيعية كبيرة مهاجرة تدفع “ضريبة ثورة” لحزب الله. لكن، منذ العقوبات التي فرضتها وزارة الخزينة الأميركية ضد عائلة “تاج الدين” وشركاتها في أنغولا وغامبيا، “باتت العائلات الشيعية تحاذر من إداء ما يتوجّب عليها”. خصوصاً أن المواقف التي اتخذها نصرالله تسبّبت بطرد عائلات شيعية من بلدان الخليج التي تشعر بالحنق من الشيعة. وينقل رجل الأعمال الشيعي أن “عائلات المغتربين طالبت نصرالله بالصمت حول أحداث سوريا”.
ويضيف: “بعد عمليات إعادة البناء التي أعقبت حرب 2006، أدى تدفّق المال إلى تلويت أعضاء الحزب المحيطين بنصرالله”. وأصبح حزب الله “الممر الذي تعبر عبره الأموال التي تخصّصها إيران للجماعات الفلسطينية المتطرفة (حماس، والجهاد الإسلامي)، وهي بحدود 50 مليون دولار، مقابل الدعم الذي توفّره السعودية وممثلوها المحليون لمخيمات اللاجئين الفلسطينيين. ويُقال أن نصرالله قال في حديثه، المنقول بالفيديو، لنساء كوادر الحزب: “خلال أقل من سنتين نجحتنّ في إدخال الفساد إلى قلب الحزب”، في ما يُعتبر إشارة إلى الفضيحة التي هزّت الحزب عندما قام “صلاح عز الدين” بتبديد مبلغ 1،6 مليار دولار من إدخارات كوادر الحزب وأنصاره.
تنظيم منخور بالجواسيس
لتخفيف مصاعبه المالية، سمح حزب الله للعائلات الشيعية الكبيرة في البقاع بأن تستأنف إنتاج المخدرات، التي باتت تُغرِق بيروت وضاحيتها، مقابل دفع ضريبة للحزب ومقابل معلومات التي تقدّمها تلك العائلات عن المعارضين السوريين اللاجئين في مناطق الحدود.
وبناءً على أوامر دمشق، فقد وافق نصرالله في الأسبوع الماضي على قرار رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بالإستمرار في تمويل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان التي تحقّق في إغتيال رفيق الحريري، والتي سبق أن وجّهت إتهامات ضد أربعة من مسؤولي الأمن في حزب الله. ويقول ديبلوماسي في بيروت أن “الأولوية في نظر سوريا كانت الحفاظ على حكومة حليفها ميقاتي”.
إغتيال الحريري بدون علم نصرالله؟
ويمثّل إغتيال الحريري خط انشقاق آخر ضمن حزب الله. ويقول مثقف شيعي قريب من حزب الله: “لا يقتصر الأمر على أن نصرالله اكتشف أن أربعة من المقرّبين منه كانوا متورّطين في اغتيال الحريري. فالأسوأ، أنه اكتشف أن الرجال الأربعة كانوا قد استخدموا زيارات نصرالله المنتظمة للحريري في خريف العام 2004 للتجسّس على الحريري لصالح ضباط سوريين كبار كانوا متواطئين مع صديقه عماد مغنية”، مسؤولا العمليات الخارجية في حزب الله الذي تم اغتياله بصورة غامضة في دمشق في العام 2008.
ولم يكتشف نصرالله أن “صديقه منذ عشرين سنة” كان قد خانه إلا بعد مقتله! وحسب عدد من المصادر المتطابقة في بيروت، “تمّت تصفية عماد مغنية لأنه اخترق الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد. وقد أنشأ جماعة خاصة به ضمن حزب الله. وكشف السوريون ذلك لنصرالله بعد مقتل مغنية”، حسب أحد المصادر المقرّبة من حزب الله.
حادث “الرويس” محاولة لاغتيال مصطفى مغنية؟
وتفيد معلومات أن والد المسؤول العسكري الأسطوري لحزب الله بات غاضباً على قيادة الحزب. وفي أواخر شهر أغسطس، تعرّض إبن عماد مغنية، مصطفى، لمحاولة إغتيال في ضاحية بيروت الجنوبية التي يسيطر عليها حزب الله. والواقع أن مصطفى مغنية هو واحد من حوالي 110 أعضاء في حزب الله يتعرّضون حالياً للتحقيق بعد اعتراف نصرالله في أواخر شهر حزيران/ يونيو بأن الإستخبارات الأميركية نجحت في اختراق الحزب. وقد قلّل “السيّد” من خطورة وجود جاسوسين ضمن الحزب. ولكن الواقع هو أن الضربة كانت مؤلمة لحزبٍ يُفترض أنه عصي على الإختراقات الغربية. وتفيد المعلومات أن عشرة جواسيس قاموا بنقل معلومات لجهاز “سي آي أي” الأميركي. ويحتل بعض هؤلاء مراكز حسّاسة ضمن جهاز أمن الحزب، بل إن أحدهم يعرف مواقع بعض مخازن الأسلحة في جنوب لبنان، الأمر الذي يجبر الحزب على تغيير مواقعها حالياً.
مخازن أسلحة وشبكة إتصالات جديدة في المناطق المسيحية
عند اندلاع الأزمة السورية، من المؤكد أن حزب الله أرسل بعض مقاتليه لمساندة بشّار الأسد في عمليات القمع. ولكن حسّه العملي دفعه، بالمقابل، لنقل قسم من مخازن أسلحته من سوريا. وقام الحزب بإخفاء الأسلحة في أنفاق سرّية قام فنّيوه بحفرها بسّرية مطلقة- حتى في المناطق المسيحية الواقعة في شمال بيروت. ويسعى الحزب حالياً لتجهيز تلك الأنفاق بشبكة إتصالات سرّية جديدة. ويقول مهندس إتصالات يعرف حزب الله جيّداً: “تقوم الوحدات المقاتلة الآن بنقل رسائلها بواسطة الإيميل أو الفيديو، وليس بواسطة الهاتف كما كانت تفعل أثناء حرب 2006”. لكن، وقعت مشكلة حينما حاول فنّيو الحزب أن يمدّوا خطوطهم ضمن شبكة الإتصالات الحكومية، فقد طردهم مسيحيو “ترشيش” من قريتهم.
هل يعني ما سبق أن حزب الله والـ40 ألف صاروخ التي يقتنيها ليسوا سوى “نمر من ورق”؟ ليس بعد، حسب الخبراء. فحتى لو خسر سوريا، فإن حزب الله سيحتفظ بسيطرته على مرفأ بيروت ومطارها، ويمكنه عبرهما توريد الأسلحة بدون رقابة. ولكن ديبلوماسياً غربياً يشير إلى أن الحزب “يعتمد على حلفاء باتوا الآن يتّخذون موقفا متحفّظاً منه. وإذا ما سقطت حكومة ميقاتي، فإن حزب الله سيضعف. وفي ما يتعلق بالدعم الذي يوفّره المسيحيون العونيون، فإن ولاءهم ليس مضموناً. طبعاً يظل بوسع حزب الله أن يستخدم القوة، كما فعل في غزوة بيروت في العام 2008، ولكن ما هي الأهداف الداخلية التي سيسعى لتحقيقها هذه المرة؟”
ويعترف عدد من خصوم الحزب بأن الحزب استفاد كثيراً من تفوّقه العسكري بعد العام 2006. ولكن صناعياً شيعياً ثرياً من ضاحية بيروت الجنوبية، يحرص على عدم ذكر إسمه يبدي أسفه لأن “الحزب خسر الإستقلالية التي كان قد أحرزها بفضل الصراعات الداخلية لرُعاته الإيرانيين بسبب تحليله الإستراتيجي الخاطئ”.
ويلفت ديبلوماسي غربي في بيروت إلى أنه “في نهاية المطاف، فبدون سوريا وبدون ورقة المقاومة ضد إسرائيل، فإن حزب الله سيتحوّل إلى مجرّد ميليشيا شيعية، وهذا بالضبط ما لا يريده مسؤولوه الحزب بأية صورة من الصور”.
ترجمة “الشفاف” عن “الفيغارو” الفرنسية
قُتِل لأنه اخترق الفرقة 4 التابعة لماهر: مغنية “خان” نصرالله واغتال الحريري بدون علمه؟ فلسفة المسؤولية.. من يَقتُل ومن يُقتَل في سوريا؟ بتاريخ 7 دجنبر، قال بشار الأسد، في مقابلة له مع قناة أجنبية، إنه غير مسؤول عن القتل في بلده، وإنه لا يدير هذه العمليات، فهو رئيس البلد، ولكن ليس رئيس الدولة! والدولة هي التي تقوم بأعمال القتل، ومن يقتل شعبه لا يعدو أن يكون رجلا من عالم المجانين. هذه الإجابة الغبية من رئيس أعمى تجعلنا نضع أمثال هذه الكلمات والتصرفات تحت التشريح النفسي والتفكيك الفلسفي. إنه، فعلا، سؤال جدير بالطرح، فمن يقتل في سوريا.. هل هم أشخاص أم… قراءة المزيد ..