لدي في «البايب لاين»، أو خط تغذية الجريدة بالمقالات، العشرات منها بانتظار النشر، من دون مبالغة، وبالتالي لست بحاجة إلى النقل من غيري، أو الاستعانة «بصديق» في ما أكتب، ولكن أجد أحياناً نصوصاً رائعة تستحق الإشادة ومشاركة الآخرين بها، من منطلق نشر المعرفة وليس عجزاً، وموضوع هذا المقال نص كتبه الزميل اللبناني محمد بركات، وبتصرف:
هادي مطر وحسن شعبان شابان في مقتبل العمر، لبنانيان جنوبيان، الأول من بنت جبيل، والثاني من ياحون.
ولد حسن في لبنان، وعمل مصوّراً في رويترز و«ديلي ستار»، ويعمل الآن في وكالة بلومبيرغ، وكان مناصراً للمقاومة، وليس لـ«حزب الله». وبات له، مثل الكثير من الشباب الشيعة، موقف بعد تدخّل الحزب في الحرب السورية وفي غيرها.
يعاني حسن في قريته من انقطاع المياه وغياب التيّار الكهربائي، والأزمة المالية والمعيشية التي يعاني منها وأسرته، ولذا قرّر يوماً أن ينقل عذابات أهل قريته، بتصوير فيديو بعنوان «مع المقاومة ضدّ إسرائيل».
أمّا هادي، فوُلِد في الولايات المتحدة الأميركية، حيث درس وتخرّج. ربّته والدته، بعد ترك والده له، واحتضنته أميركا، حيث المياه والكهرباء والتعليم والاستشفاء، وكبر هادي وصار عمره 20 عاماً، وقرّر أن يزور والده في يارون عام 2018، وعاد بعد أن أمضى شهراً، وهو في قمة التعصّب الديني وغير راضٍ عن طريقة حياة والدته، وعاتبها لأنّها لم تدرّسه تعاليم الإسلام.
أصبحت تصرفات هادي تقلق والدته، والتغيّر الذي طرأ على حياته بعد رحلته لبلدته الجنوبية في لبنان، وأصبح انطوائيّاً، ينام نهاراً ويسهر ليلاً!
***
حسن ابن بيئته، حين عطش أهل قريته وتظاهروا احتجاجاً على الأوضاع المعيشية، أخذ الكاميرا وفعل ما عليه أن يفعله: صوّرهم، ونشر الفيديو. جنّ جنون الحزبيّين في البلدة، ضربوا حسن يومها، هدّدوه بالقتل، ووضعوا رصاصة على شبّاك سيّارته، فاضطر لأن يترك أو «يفلّ» من قريته، بعد معاندة، لم تطل كثيراً، وذهب إلى بيروت!
أما هادي، فقد قرّر أن يقتل سلمان رشدي «تقرّباً»، كما قال المدافعون عنه، على مواقع التواصل الاجتماعي، ومنهم أستاذ الفلسفة في جامعة لبنانية وناشطون اعتبروا أنّ سلمان رشدي يستحقّ القتل!
***
سلمان رشدي كاتب بريطاني، هنديّ الأصل، عمره 75 عاماً، كان يشارك في ندوة حين قرّر هادي مطر أن يطعنه في رقبته ويمزّق وجهه، ويقطع أعصاب يده، ويفقأ عينه، ويتلف كبده، بسكّين مشحوذة بفتوى تعود إلى ما قبل 34 عاماً!
***
في النهاية، طوب «هادي» بطلاً! أما حسن، فقد اعتبر «عميلاً وكلباً»، وهو الشيعي، الجنوبيّ الهوى، الذي نقل عذابات أهل قريته من خلال أعماله الفنية، ونقل صرخاتهم للعالم، إلا أن كل ذلك لم يشفع له، ولا حتى حقيقة أنه «مع المقاومة ضدّ إسرائيل»، ويعيش على الحدود، في بلدته التي نفاه الحزبيّون منها.. فأيُّ جنوبٍ هذا؟ وأيُّ بلاد هذه؟ وأيُّ جُنونٍ هذا؟
فمن هو البطل؟ ومن هو المعادي لبيئته وللعالم كلّه؟
a.alsarraf@alqabas.com.kw