إن مقادير الرجال تبرز فى ميادين النزال لا على منابر الاقوال
عبد الله عزام مؤسس تنظيم القاعدة
*
نتج عن أحداث الاسبوع الماضي، في طرابلس، احتكاك الثوار بالثوار فى معارك استخدمت فيها الاسلحة الثقيلة والمتوسطة وسببت حيرة شديدة للشيخ الإمام صادق الغرياني، ووجد نفسه محرجا فى الاختيار بين خصمين كانا قبل قليل حليفين صديقين يجمعهما هدف واحد، وواجه احراجا صعبا فأن أرضى كتائب “الدروع” أغضب ميليشيات “اللجنة الامنية” وإن أرضى الميليشيات “الامنية” أغضب “الدروع”. وقرر مضطرا أن ينحاز للأقرب إليه واختار قبيلته التي هي “اللجنة الامنية العليا” وأقطابها الخمسة لانهم يوفرون له الحماية ولأنه صيد سهل بالنسبة لهم! فهم حراسه وحماته يحيطون به من كل مكان ومن دواعي الحرص أن يتجنب عداوتهم!
وأصدر بيانا غير رسمي فى “درس الجمعة” مطالبا الميليشيات القادمة من خارج طرابلس بالعودة إلى بلدانهم التي جاءوا منها، وكأن ليبيا تحولت الى مدن وإمارات يطلب من سكان كل أمارة العودة إلى مكانهم الاصلي! واستخدم الدين ومنابر المساجد لخدمة أغراض سياسية، فأفتى بأن وجود “قوات الدروع” فى طرابلس حرام شرعاً ونسي أنه افتى بحرمة الخروج للتظاهر ضد حل الدروع واخراجها من المدن ولام أهل بنغازي حين طالبوا بما يطالب به هو الان وهو خروجهم من بنغازي، واعتبر المظاهرات حرام شرعا والمشاركة فيها خروج على ولي الامر. وحين قتل أكثر من أربعين شخص خرجوا فى تظاهرة ضد ميليشيات “وسام بن حميد”، انضم إلى صفه ووظف الخطاب الديني لحمايته ولم يتهمه بالقتل ولم يلمه على الاسراف فيه بل طلب من أولياء الدم العفو عن ثأرهم! ولما تعددت عمليات الاغتيال فى بنغازي خرج يؤنبهم وبين لهم أن سبب ما هم فيه من حوادث القتل المتعددة وانعدام الامن هو خروج “الدروع” من بنغازي، بمعنى أنه حرّم خروجها وحرّم التظاهر ضد وجودها مرة وحرّم وجودها فى مرة ثانية وأفتى بضرورة التظاهر ضدها. وها هو الان يشهد الدماء تسيل والارواح تزهق فى منطقة “غرغور”، ولا نعلم إن كان سيطلب من سكان طرابلس ما طلبه من سكان بنغازى، ولا بأس فى ذلك فالفتيا تختلف باختلاف المصالح.
وحين طلب من الميليشيات المختلفة المتواجدة فى طرابلس تحت مسميات تمنحها الشرعية الخروج من المدينة والعودة إلى بلدانهم يستثنى من ذلك كتائب معيتيقة والنواصي وفرق الاسناد الاولى والخامسة لانها كتائب وهابية، وينسى أن سكان طرابلس خليط من مختلف أنحاء ليبيا وهي ليست كأي مدينة أخرى لانها العاصمة مركز صنع القرار من حق الجميع البقاء فيها. فإذا رد بان ذلك صحيح بشرط عدم حمل السلاح، لوجب عليه أن يأمر أتباعه بعدم حمل السلاح. وإذا قال إنهم منضوون تحت وزارة الداخلية، فإن الاخرين منضوون تحت وزارة الدفاع تقدم لهم كل الخدمات التي تقدم لأفرادها وتوزع عليهم وجبات يومية من مطابخ الجيش. وإن قال إنهم مكلفون من الدولة بحماية العاصمة فإن الدروع أيضا مكلفة من الدولة بموجب قرارات تكليف متعددة بتأمين العاصمة.
ودعوته ليست جديدة، بل دعا إليها من قبله “عبد الحكيم بالحاج” بعد أيام قليلة من اعلان التحرير فى مهرجان جماهيري ضخم وفى حضور شخصيات أخرى تجمعها صفة واحدة هي أنهم من “الاسلام السياسي” الذي يتمركز فى قاعدة معيتيقة والذى تدعمه امارة قطر. وهدف الشيخ وهدف بلحاج وهدف قطر وهدف التيار المؤدلج الانفراد بحكم طرابلس وقهر أي رأي يخالف رأيهم فيها، ثم السيطرة على المؤتمر وعلى دائرة صنع القرار.
وهذه الميليشيات التي يطالبها بالعودة إلى مدنها ستمارس فى مدنها الظلم والقهر الذي تمارسه فى طرابلس، وكان الاجدر به أن يطلب من جميع الكتائب أن تضع سلاحها وأن تمتثل لأوامر الدولة، وأن يأمر أتباعه كبادرة حسن نوايا أن يكونوا أول من يضعون أسلحتهم ويحلون ميليشياتهم ويسلمون قاعدة معيتيقة إلى الدولة ويعودون إلى أعمالهم القديمة لان مرحلة الثورة انتهت بإعلان التحرير ولا حاجة لاستعمال السلاح بعده. وكان عليه أن يفتي بأن الاحتفاظ بالسلاح حرام شرعا لان فيه ضرر على المجتمع وترويع للأمنين وشبهة خروج على السلطان الذى يدعو إلى جمع السلاح المنتشر بدون ترخيص وأن تسري هذه الفتوى على الجميع.
إنه موظف فى الدولة يتقاضى راتبه الشهري منها يفترض فيه أن يعمل لمصلحتها ويدعو لما تدعو إليه بحل الكتائب وفرض هيبة الحكومة عن طريق تفعيل الوجود الفعلي للجيش والشرطة، وأن يأمر الناس بوجوب طاعتها كما أمره الله (وأطيعوا الله ورسوله وأولى الامر منكم). لكن يبدو أنه لا يؤمن بأن الحكومة هي ولي الامر! وتنسب إليه فتوى أنه ما دام ولي الامر غائباً، فإن من حق المؤمن تغيير المنكر بنفسه. وهو يؤيد سفك الدماء والاغتيالات التي تمت فى كل أنحاء ليبيا، وبنغازي على وجه الخصوص، وإن كان يستنكرها ظاهراً، مذكرا بحديث “هدم الكعبة أهون عند الله من سفك دم مسلم”. وسنسلم بصحة الحديث برغم كونه لا يرقى لمستوى الصحيح وتمت روايته بألفاظ مختلفة لنسأله سؤالا محددا ماذا عن دم الكافر؟
وهذا السؤال ليس سفسطة ولا عبثا بل هو سؤال مفصلي هام لأن الشيخ الامام يرى أن اعتبار الشخص مسلما لا يكفى فيه النطق بالشهادة ولا تكفي فيه الصلاة بل لابد أن تكون الشهادة بحقها كما قال لما حاول نزع صفة الاسلام عن محمود جبريل بسبب فوز تياره فى الانتخابات. دون أن يوضح لنا ما هو حقها؟ ونتيجة لذلك، فإن التكفيريين المتهمين بأنهم وراء هذه الاغتيالات ليسوا مؤثّمين لانهم يرون أن الضحايا ليسوا مسلمين فلا قصاص عليهم، بل تجب الدية فقط وهذا ما قالت به المذاهب الثلاثة واختلف عنهم الاحناف الذين قالوا بقتل قاتل الكافر قصاصاً، وأظن القتلة يرون أنهم غير ملزمين بالدية لان هؤلاء الكفار ليسوا أهل ذمة وأنهم فى حال حرب معهم
والقتلة فيما يعتقدون يقيمون شرع الله ويقتلون الكافر الظالم فالحكومة ليست ولي الامر الشرعي ولا تحكم بما أنزل الله والقضاء القائم يحكم بالقوانين الوضعية ولا يحكم بما أنزل الله، وجنود الشرطة والجيش يساعدون الحاكم الظالم، لذا فهم كافرون وجب على المؤمنين التقرب إلى الله بدمائهم بدون محاكمة ولا قضاء.
إن كان يؤمن بما يقولون فعليه الا يكون جزءا من الحكومة. وما دام يرغب فى أن يصدح بالحق ويرغب فى إقامة شرع الله فعليه أن يستقيل من منصبه ويتفرغ لنشر ما يؤمن به بين الناس بعد ان يتحرر من قيود الوظيفة. وإن كان يعتقد أن القتلة على ضلال فعليه أن يصرح بذلك علنا وعليه، ما دام هو أداة الحكومة المنوط بها شرح الدين القويم وقمع التطرف، أن يواجههم ويناظرهم ويذهب إليهم فى معاقلهم فعسى الله أن يهديهم على يديه سبيل الرشاد أو يقتنع بقولهم وينضم إليهم أو ربما اعتبروه من فقهاء الامراء والسلاطين
magedswehli@gmail.com
طرابلس- ليبيا