فجأةً، شحبَ نجم “أميرة” أنغولا. فقد نجحت “إيزابيلا دوس سانتوس”، ٤٤ عاماً، في بناء إمبراطورية إقتصادية بفضل رعاية والدها الذي ظل رئيساً لأنغولا لمدة ٣٨ عاماً، والذي أعطاها امتيازات شبه حصرية لقطاعات الألماس، والإتصالات، والتوزيع، والإسمنت.
ولكن “جوزيه إدواردو دوس سانتوس”، الذي أضعفته الأزمة الإقتصادية الناجمة عن سقوط أسعار النفط، ارتكب، في ٢٠١٦، خطأً فادحاً بتعيين ابنته رئيسةً لشركة “سونانغول” Sonangol ، أي الشركة الوطنية للبترول، وهي إحدى أكبر شركات منطقة جنوب الصحراء الكبرى. ومن المؤكد أن ذلك التعيين كان خطأً فادحاً.
فيوم الأربعاء، ١٥ نوفمبر، تجرّأ “جواو لورنسو”، الذي تولّى رئاسة أنغولا منذ شهر سبتمبر فقط، على القيام بما لم يتوقع معظم المحللين أن يقوم به في مطلع حكمه. وبإصداره قرار عزل “إيزابيل دوس سانتوس” من رئاسة “سونانغول”، فقد بدا أن رئيس أنغولا الجديد وضع حدّاً للحصانة التي كانت تتمتع بها حاشية الرئيس السابق وبدأ بعملية تجديد النخبة السياسية-الإقتصادية للبلاد.
تطهير واسع النطاق
“بعد أقل من شهرين من تولّيه السلطة، قام الرئيس “لورنسو” بطرد أبرز رموز جماعة “دوس سانتوس” بطريقة مهينة”، حسب البروفسور في جامعة أوكسفورد “ريكاردو سواريز دي أوليفييرا”، الذي يضيف أن “عملية التطهير الكبرى هذه تحظى بترحيب الانغوليين. وهي ستعطي الرئيس الجديد شرعية في الداخل ومزيداً من المصداقية الدولية. لكن، لا بدّ من الإنتظار لمعرفة ما إذ كان يطبّق سياسة إصلاحات وتنمية أو مجرّد إعادة تشكيل قمة السلطة بإدخال المقرّبين منه إليها”.
وكان رئيس الدولة الجديد قد عيّن صديقه “كارلوس ساتورنينو” Carlos Saturnino في منصب “سكرتير دولة لشؤون البترول” من أجل إضعاف شركة “سونانغول” برئاسة إيزابيلا. وكانت إيزابيلا دوس سانتوس قد أطاحت بـ”كارلوس ساتورنينو” من منصب “مدير التنقيب والإنتاج” في شركة البترول الوطنية في سنة ٢٠١٦.
وفي الوقت نفسه، قام الرئيس الأنغولي الجديد بإقالة رئيس “الشركة الوطنية للألماس”، وتسمّى “إندياما”Endiama. كما أقال حاكم البنك المركزي واستبدله بالحاكم السابق الذي كان أقيلَ من منصبه قبل سنتين.
ورغم ما سبق، فلم يتصورّ أحد أن “جواو لورنسو” سوف يقيل “إيزابيلا دوس سانتوس” بعد أسابيع قليلة من تولّيه السلطة.
إن “إيزابيلا دوس سانتوس” التي وُلدت في “باكو” (أذربيجان)، ودرست في لندن كانت قد حاولت دائماً أن تظهر بمظهر “سيدة أعمال” عصرية ولكنها استفادت، بصورة خاصة، من نظام كانت هي في قلبه، وجاءت الوقائع والفضائح لتكذّب كلامها.
جدير بالذكر أن “إيزابيلا” كانت قد سعَت لتحسين إدارة شركة البترول العملاقة التي كان “صندوق النقد الدولي” قد تعب من المطالبة بفتح دفاتر حساباتها الغامضة. ولكن إبنة الرئيس “دوس سانتوس” لم تكن تملك الخبرة الكافية وقد اكتشفت متأخرة صناعةً تدرّ ٧٥ بالمئة من المدخول الضريبي للبلاد. وحسب عدد من المصادر، فإن “إيزابيلا دوس سانتوس” لم تحضر إلى رئاسة الجمهورية أثناء الإجتماعات التي عقدها الرئيس الجديد مع شركات النفط العاملة في أنغولا. وحينما طُلِب منها تقدير مساهمة “سونانغول” في ميزانية ٢٠١٨، فقد أرسلت نيابةً عنها ممثلاً لا يملك أي صلاحيات. وذلك ما أثار حَنَق النظام الجديد.
حرب شعواء
بفضل الشبكات المالية المتمركزة في مراكز “أوف شور”، فقد تمكنت “إيزابيلا”، التي يصفها المقربون منها بأنها “لامعة ومتطلبة”، من القيام باستثمارت كثيرة في البرتغال، وذلك في قطاعات البنوك، والإعلام، شركات النفط والغاز. إلى درجة أنها أصبحت أول “إمرأة ملياريرة” في إفريقيا في سنة ٢٠١٣، حسب إحصاءات مجلة “فوربس”، ثم “أغنى إمرأة في العالم” بفضل ثروتها التي قُدَّرَت بـ٣ مليار دولار (٢،٥ مليار أورو) في سنة ٢٠١٧.
“توجد أموال في أنغولا وسوف نجدها”، قال الرئيس “جواو لورنسو” بعد انتخابه في شهر أغسطس، مطالباً أصحاب الإمتيازات بإعادة أموالهم من “الجنّات الضريبية” إلى البلاد. وكان كلامه موجّهاً إلى “إيزابيلا دوس سانتوس” التي ترأس “صندوق الإستثمارات الأنغولي” الذي تتولى معظم أعمال إدارته شركات “أوف شور” مسجّلة في “جزيرة موريس”، كما كشف تقرير Paradise Papers الذي نشرته عدد من الصحف العالمية.
وفي الكواليس، تدور حرب شعواء ضمن هيئات “الحركة الشعبية لتحرير أنغولا” MPLA، الحزب الذي يحكم البلاد منذ الإستقلال. ومع أن الرئيس السابق “جوزيه إدواردو دوس سانتوس”، ٧٥ عاماً، يعاني من المرض الذي يجبره على قضاء وقت طويل في إسبانيا، فإنه ما يزال رئيس الحزب الحاكم الذي تشهد صفوفه حرباً عشواء. سوى أن “الرفيق رقم ١” يتعرّض للإنتقاد، مثله مثلَ “البارونات” الذي اغتنوا في ظلّه.
جوان تيلوين Joan Tillouine
حريدة لوموند
الأصل الفرنسي: