في كل يوم كان الشيخ احمد الاسير يطلق تحركا او موقفا ويوجه تحذيرا او تهديدا، تتركز الانظار على المخيمات الفلسطينية، خصوصا مخيم عين الحلوة في صيدا. ومرد التركيزيْن الامني والسياسي على عين الحلوة تحديدا ينطوي على ادراك المتابعين لاوضاعه الامنية والسياسية ان ثمة مجموعات مسلحة وافرادًا تبدي تعاطفاً مع تحركاته التي تنامى حضورها مع تصاعد الثورة السورية ولا يزال. وهو حضور يقتات من حدة الانقسام حول الموقف من الصراع في دولة الجوار الشقيقة، ومن تشكل المواقف اللبنانية من ثورتها على اساس مذهبي وطائفي. فهل يبقى المخيم خارج معادلة الصراع وينجح العقلاء اللبنانيون والفلسطينيون في تجنيبه الخطر منه وعليه؟
رغم كل الاستدعاءات غير المباشرة لتوريط المخيم الفلسطيني لنصرة ظاهرة الشيخ الاسير، لم تنجح المحاولات حتى الآن، وتمكن العقلاء في المخيم من المحافظة على سياسة النأي بالنفس عن الصراعات اللبنانية، بما لا يقاس طبعاً بالتورط اللبناني الرسمي وغير الرسمي في يوميات المواجهات السورية. بحيث يمكن وصف الانضباط الفلسطيني بالحالة الاستثنائية التي قال عنها مسؤول اممي في بيروت لـ”صدى البلد”: “المفاجىء هو عدم انفجار المخيمات وليس الهدوء الذي تنعم به اليوم”.
في الآونة الاخيرة، ومع احتجاجات الاسير الاخيرة، وصل الى قيادة حركة “فتح” في المخيم ما يشبه التنبيه من قبل جهاز عسكري رسمي، إلى ان قوة “فتح في المخيم قد لا تستطيع لجم مجموعات ناشئة مؤيدة للثورة السورية بدأت فعلا في إيفاد مقاتلين لدعمها. كما كان الحال مع “عصبة الانصار” التي سقط قتلى من محازبيها خلال مشاركتهم في مواجهات العراق 2007. الجديد في المخيم اليوم انه يعاني من انفجار ديمغرافي، سببه تدفق اكثر من سبعة الاف لاجىء فلسطيني من سورية اليه، يعيشون في ظروف سيئة. الرئيس نبيه بري كانت له رسالته ايضا لقيادة “فتح”: “انتم مطالبون بضبط المخيم من اي مواجهة”، واضاف مشددًا: “هذه المرة لأجلنا وليس لأجلكم”.
والجديد ايضا، مما يضفي طمأنينة لدى الفلسطينيين واللبنانيين، هو الانسجام الذي يتشكل بين الفصائل الفلسطينية مع تراخي القبضة السورية. حركتا “فتح” و”حماس” متفقتان على النأي بالمخيمات عن الصراعات اللبنانية والسورية، واليهما انضمت “عصبة الانصار” التي حظيت في السنتين الاخيرتين باعتراف رسمي لبناني أدّى الى وقف ملاحقات عناصرها وتُوج هذا الاعتراف بلقاء علني قبل اشهر مع “حزب الله”، سبقته ولحقته عشرات اللقاءات المتبادلة. ويشكل توافق هذا الثلاثي الفلسطيني في مخيم عين الحلوة اليوم ضمانة استقراره النسبي. على ان هذه الحصانة الفلسطينية لا تنجو من دأب لبناني لتوظيف الفلسطينيين داخلياً. فـ”حزب الله” الذي يتلمس تداعيات موقفه السوري في الساحة الفلسطينية، اضطر الى التخفيف من انخراطه في لعبة الانقسام الفلسطيني. فتراجعت لهجة التخوين في اتجاه قيادة أبو مازن والزعيم الراحل ابو عمار، في خطب الحزب واعلامه وادبياته. وبادر الى فتح قنوات جديدة مع فصائل فلسطينية مختلفة، متخليا عن ادوات فحص الدم التقليدية، في سبيل تعويض ما خسره من رصيد علاقته مع حركة “حماس” خلال انفجار الثورة السورية من جهة، ووسط مؤشرات، من جهة أخرى، تدفع الى توقع ازدياد الشرخ المذهبي، والقلق من انخراط فلسطيني فيه. في المقابل تحرص النائب بهية الحريري على توثيق علاقاتها مع التيارات الفلسطينية على اختلافها. وهي، منذ سنوات، عملت على ايجاد اطار تنسيقي منظم ساهم في معالجة بعض المشاكل داخل المخيم، ومع محيطه. ويمكن ملاحظة تطورعلاقتها مع حركة “حماس” في السنوات الاخيرة بشكل اوضح.
وفي هذا السياق لا يخفي النائب السابق اسامة سعد اظهار المزيد من الاهتمام في توطيد العلاقة مع الفلسطينيين في الآونة الاخيرة، ومع حركة “فتح” تحديدا، وهو شديد الحرص على ابداء الاستياء امام البعض من سلوك خصومه التقليديين في المدينة، وحتى من بعض سلوكيات حليفه “حزب الله” في صيدا لجهة تجاوزه موقع حلفائه ودورهم. وحافظ الفلسطينيون من ابناء مخيم عين الحلوة على هذه الصلة التي كانت تترجم في مشاركة جماهيرية للكثير من المناسبات الوطنية والقومية.
في المقابل يتلمس بعض المسؤولين الفلسطينيين نزعة التوظيف، بل المخاطر التي تحيط بالمخيمات عموما ومخيم عين الحلوة بشكل خاص. وشدد هؤلاء على ان الموقف الفلسطيني العام يتعامل ايجابيا مع الاطراف اللبنانية كلّها، ولا يريد ان يكون الا عنصرًا ايجابيًا في المعادلة اللبنانية. لكن الموقف الفلسطيني العام هذا يبقى عرضة لتطورات دراماتيكية في سورية إذ ثمة قلق من انهيارات كبرى قد تشهدها سورية في المرحلة القريبة المقبلة، كما حصل في مدينة الرقة اخيرًا. انهيارات ستكون تداعياتها على المشهد اللبناني عموما والمخيمات الفلسطينية من ضمن هذا المشهد، وثمة من ينتظر فيها مثل هذا التحول في ظل احتقان اجتماعي وانساني تعيشه، ووسط محاولات حثيثة لادخال الفلسطينيين في لعبة توازنات داخلية يهدد بعدها الاقليمي جرّ بعض التيارات الفلسطينة الى خضمها.
alyalamine@gmail.com
كاتب لبناني
البلد