Serval أي “الهر المتوحش” (من فصيلة ” القط – النمر” الذي يعيش في صحراء غرب إفريقيا) هو الاسم الرمزي الذي أطلقته القوات الفرنسية على عمليتها العسكرية في مالي، فهل تنجح باريس في حماية حلفائها ومصالحها في القارة السمراء أم ستغرق في الرمال الأفريقية المتحركة؟
منذ يوم الجمعة 11 كانون الثاني، دخلت فرنسا عملياً حرب مالي، التي شهدت منعطفاً حاسماً منذ هجوم جماعة “أنصار الدين” المتطرفة يوم الخميس الماضي واحتلالها بلدة “كونا” الاستراتيجية، التي تفتح الطريق نحو مدينة “موبتي” المهمة (مئة ألف نسمة)، وبعد ذلك نحو بقية الجنوب المالي الذي ما زالت تسيطر عليه حكومة باماكو.
وهكذا تحولت المواجهات الداخلية في جمهورية مالي بشكل رسمي إلى حربٍ ذات طابع إقليمي ودولي، لأن تدخل القوات الفرنسية جواً وبرّاً، يتم بناء على طلب رئيس مالي الموقت واستناداً إلى قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 2085 (27 كانون الأول 2012) لمساندة قوات حكومة باماكو بالتعاون مع “المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا” والاتحاد الأفريقي.
بدأ التوتر يهز هذا البلد في الساحل الأفريقي في آذار الماضي إثر انقلاب أطاح بالحكومة الشرعية بعد تقهقر الجيش الوطني أمام شراكة الطوارق والجهاديّين الذين أتموا سيطرتهم على شمال البلاد في ربيع 2012.
وحينها جرى النظر إلى هذا التطور بمثابة انعكاس لحقبة ما بعد القذافي (العقيد الليبي كان يتمتّع بنفوذ يحمي الأنظمة المجاورة لليبيا في منطقة الساحل وغالباً ما كان شريك فرنسا أو منافسها) ولصعود الحركات الجهادية مع تزايد نفوذ تنظيم “القاعدة” في المغرب الإسلامي الذي يشكل الاستمرار للحركات الجزائرية الراديكالية المتكونة خلال عقد التسعينات الدموي في معاقل التمرد الإسلاموي الطابع.
بالنسبة إلى الأوساط الغربية، كرّست المستجدات في شمال مالي النظرة إلى منطقة الساحل كملاذٍ للإرهاب وقاعدة لكلّ أنواع التهريب، من مخدرات وسجائر وبشر وغيره، إذ تطوّر فيها اقتصاد مافياوي منذ سنوات، علماً أن تنظيم “القاعدة” الإقليمي جعل من خطف الأجانب الوسيلة لجمع الفديات وتمويل أنشطته. في شمال مالي، دمّر “طالبان أفريقيا” الكثير من معالم التراث الإسلامي في حاضرة تمبوكتو، وغَدَت المنطقة خارج القانون وكل المعاملات تتم فيها نقداً.
والملاحظ أيضاً أنّ مجموعات الطوارق الاستقلالية وخصوصاً “الحركة الوطنية لتحرير أزواد” تهمّشت أمام الحركات الجهادية أي حركة “أنصار الدين” (حركة شعبية جهادية سلفية أسّسها الزعيم التقليدي اياد اغ غالي المعروف بعلاقاته الطيبة مع الجزائر وهو من أبناء أسر القيادات القبلية التاريخية لقبائل الايفوغاس الطوارقية وحركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا المقربة بشكل أقوى من “القاعدة” في المغرب الاسلامي).
وبينما كان الوضع يتدهور ميدانياً ويقوى عضد الجهاديين، كان مبدأ التدخل بقرار أممي موضع تجاذب إقليمي ودولي، إذ مقابل الحماس الفرنسي والغرب أفريقي (ساحل العاج، نيجيريا، النيجر والسنغال وكذلك المغرب)، كان هناك رفض جزائري – موريتاني وعدم استعجال أميركي وتريّث صيني – روسي يلامس الحذر من تقوية نفوذ الغرب في منطقة الساحل عبر بوابة مكافحة الإرهاب. وهذه اللوحة كانت تؤشر إلى التعقيدات الموجودة وصعوبة بلورة قرارات حاسمة.
وهذه البلبلة أخّرت التوافق على قرار دولي حتى أواخر العام الماضي مع إعطاء الأولوية لحل سياسي وإعداد القوات الرسمية المالية مع عدم تصور عملية عسكرية دولية قبل أيلول 2013.
بيد أنّ أجندة المتشددين وهجومهم الصاعق في الأسبوع الماضي واحتمال نجاحهم في تحويل مالي إلى صومال جديدة أو أفغانستان جديدة، أحرج الرئيس فرنسوا هولاند الذي بدأ عهده بسحب القوات الفرنسية من أفغانستان، وها هو يجد نفسه مضطراً للانخراط في أول معمودية في مالي إلى جانب تحمّل عبء العملية الفاشلة ليل الجمعة الماضي لتحرير رهينة فرنسية محتجزة في الصومال عند حركة الشباب منذ 2009.
أرادت باريس أن تترك الأمر للأفارقة ومساندتهم لوجستياً، لكن عنصر المباغتة ضرب خططها. وبالطبع هناك تفضيل فرنسي للعملية الخاطفة والمحدودة في انتظار بدء العملية الأفريقية تحت غطاء الأمم المتحدة.
من الناحية العملية لا تملك باريس الإمكانات وليس عندها الرغبة لشنّ “حرب صليبية” (كما تتّهمها “القاعدة” في المغرب الإسلامي) أو العودة لصنع السياسات الأفريقية فيما كان يُسمّى “مربع النفوذ الفرنكوفوني في أفريقيا” (pré – carré africain).
يشكك بعض المراقبين بصدق نيات باريس ويلوحون إلى تهرّب الرئيس هولاند من الأزمة الاقتصادية داخليا من خلال عمليات عسكرية خارجية، لكن النجاح الليبي لساركوزي لم يصب لمصلحته في انتخابات الرئاسة.
الأرجح أنّ المصلحة الفرنسية العليا حسَمَت الأمر لصالح عدم التخلي عن منطقة حيويّة للأمن الفرنسي والأوروبي وللمصالح الاقتصادية (ثروة اليورانيوم في النيجر المجاور وثروات الغاز والبترول والمعادن في المحيط)، مع أنّ وجود سبع رهائن فرنسيّين في يد تنظيم “القاعدة” في شمال مالي يحمل حيزاً كبيراً من المخاطرة.
يعلم هولاند أن لا سياسة خارجية فرنسية من دون سياسة متوسطية وأفريقية نشطة، لذا يمكن أن تدفع فرنسا ثمن النفوذ في القارة الواعدة التي سيزداد اهتمام واشنطن وبرلين بها، لكنها محور سباق حاد حاليا مع الصين والدول الصاعدة الأخرى.
في مقابل تصوير البعض التدخل في مالي كمحاولة لعودة الاستعمار بصورة جديدة وأليات حديثة، ومقابل تخوّف أوساط فرنسية من تورط باريس في حرب طويلة ليس في مالي وحدها بل في مجموعة من دول منطقة الساحل، تنفي المصادر الرسمية أي مطامع للهيمنة وتشدد على وجوب تحمل المسؤولية في هذه المنطقة الاستراتيجية والمضطربة من القارة الأفريقية.
إن مدة العملية ومحدودية أهدافها والغطاء الدولي ستُحدّد ما إذا كان “الهر المتوحش” قادراً على المناورة والنجاح ليس بعيدا عن مسرح الثعلب رومل، أم سيضيع في رمال الصحراء المتحركة.
khattarwahid@yahoo.fr
جامعي وإعلامي لبناني- باريس
جريدة “الجمهورية”
فرنسا – مالي: «الهر المتوحش» في الرمال المتحركة!يشكل المسلمون 90% من سكان مالي التي يبلغ تعدادهم 14 مليون وتبلغ مساحتها مليون واربعماية الف كيلومتر مربع، ويشكل المسيحيون فقط 5% من السكان وهم متواجدون في العاصمة و يحتكرون السلطة و الفساد فمالي حيث دخل الفرد دولار ونصف في اليوم هي أكبر دولة مصدرة للفوسفات و ثاني تصديرها هو الذهب !!! و تتولى الشركات الفرنسية الهيمنة على هذا التصدير و على المناجم و تبلغ نسمة الأمية 75% فمن هو المسؤول عن هذا؟إنهم الاستعمار و عملائه….ثم ماذا تشكل القاعدة؟ دعونا من اسلاموفوبيا ودعونا من البكاء على المقابر ، المفروض البكاء على الناس …… قراءة المزيد ..