يحتاج المؤرخون لمراجعة إبداعية فاحصة لما كانوا أجمعوا عليه حينما توافقوا، بالأمس، على الربط بين أقول حقبة القرصنة وظهور حقبة النفط وما تلاها من انطلاق حركة صناعة وتجارة النفط عبر البحار والمحيطات والقارات، في ضوء ما يحدث اليوم ويشير بقوة إلى أن حقبة صناعة وتجارة النفط- في منطقتنا على الأقل- أصبحت دانية الأفول بعد أن بلغت أوج ازدهارها مع أواخر العام المنفرط ومعظم العام الحالي.
وهي دانية الأفول بفضل وفعل ضربات القرصنة وقراصنة الألفية الثالثة من إخوتنا في الدين والدم والنسب وأبناء جلدتنا.
وليس ثمة ما يبهر ويذهل في قرصنة هذه الأيام التي لا تفترق عن قرصنة الأعوام والأيام الخوالي بأي شيء غير مشهديتها الأخاذه، المروعة. العابرة للأساطير والروايات والدراما والسينما.
ثم إن قرصنة هذه الأيام تمكنت بوقت قياسي من استعادة دورة الحياة والإنتاج بإيقاع متسارع، واندفاع جامح على خلفية تحلل رابط الدولة التقليدية الهشة أو دولة الوحدة التي تهاوت وانهارت وانقسمت إلى شمال وجنوب، ومناطق وقبائل وجهات يتنازعها أمراء وجنرالات حرب وميليشيات متقاتلة، وتجار مخدرات عضوية وذهنية..الخ.
والواضح أن هذه القرصنة المستأنفة بل المتجددة، أطلت برأسها وهي مكتسية بحيوية متفلتة، وعشوائية عبقرية، ضاربة في الرمل والماء، ومستفيدة من سياق العصر وتقنياته وبما لا يعني قط أنها لم تخرج من ذات الرحم المظلم.. رحم التفلت والاضطراب والفوضى والتعصب وكراهية دولة المؤسسات وتمجيد «الفيد» والنهب، وتفريخ العنف واللاقانون واللا معقول.
وسوف تقع النخب الحاكمة والمحكومة في اليمن، كما في الصومال ودول الجوار الافريقي والعالم، في فخ القرصنة إذا ما أكتفت بالحملقة في ما يحدث من عمليات القرصنة المتسارعة والمفجعة، في خليج عدن والبحر الاحمر وشواطئ الصومال وفي ارخبيلات جزر اختباء سفن وزوارق وفرق القرصنة التابعة لليمن والصومال بالدرجة الأولى.
سوف يقع هؤلاء في فخ القرصنة اذا ما توهموا أن السبيل الناجع لاحتواء القرصنة وضربها يكمن في السيطرة على المضائق والبحار.
ذلك لأن فعل القرصنة يصدر من اليابسة ويرتد اليها.. اليابسة الجرداء من الدفء والاخضرار والأنسنة والعقل والمدنية والقانون.
اليابسة بما هي عقل لا يرشح بغير فعل الاختطاف والنهب والقرصنة.
وهناك خبراء يقولون بأن الصومال تحتاج إلى استعادة حالة الدولة وحكم القانون والمصالحة والتوافق.
وهنالك خبراء يشيرون إلى أن اليمن تحتاج إلى سيادة دولة القانون والمواطنة والمساوة كيما تخرج من عنق زجاجة التشظي والانقسام، ومن ربقة الميليشيات -كما في جعار- ومن مناخات الحرب- كما في صعدة- ومن غابة التفلت المتوحش: كما في عموم اليمن.
ويبقى من المفيد التأكيد على أن الصومال في حاجة ماسة للإنجاد من فك القرصنة، واليمن في أحوج ما تكون للخروج من فخ القرصنة، والجار بالجار يذكر.
اليمن
فخ القرصنة
اليمن نقف خلف الارهاب والفرصنة.