مرت أيام…. وابتلعت بيئة المقاومة صدمة تحرير فايز كرم، كما ابتلعت غيرها من صدمات غير متوقعة. وأُسكتت ردات الفعل العفوية، التي لم يقدر لها أن تعيش سوى ساعات قليلة، وأعيد ترتيب “البيت المقاوم”، وإغلاق أبوابه على سكانه كأن شيئا لم يكن، أو ممنوع أن يكون! ففتوى تحريم التعليقات والإنتقادات لم تتأخر كثيرا لتحرم جمهور المقاومة من حرية التعبير أو الإحتجاج، أو حتى الإستياء.
إقطع لسانك.. أو راتبك!
عادةً ما تدفع القواعد الشعبية المقاومة، دون غيرها، الضرائب المترتبة على مواقف حزب الله سواء العسكرية منها أو السياسية! هي تقدم الشهداء والصمود في الحروب، وتدعم التحالفات بالمظاهرات والمسيرات، ولا تتخلف لحظة عن إعلان وقوفها خلف القيادة- ظالمة كانت أو مظلومة- وإلتزامها حرفيا بالأوامر الصادرة عنها في ما يشبه حالة تخدير جماعي! وهذا أمر غير مستهجن بالنظر إلى الأوضاع الإجتماعية لهذه القواعد. فأفرادها من فقراء الطائفة، من سكان القرى النائية و ضواحي المدن، عاطلين عن العمل وأميين ومهّمشين إجتماعيا، لا مصادر مادية لهم سوى الرواتب الشهرية التي يتلقونها من حزب الله. وبالتالي لا بد أن يترتب على هذه التبعية المادية إلتزامات وتنازلات بحيث تصبح محاولة الإعتراض مغامرة تنتهي بخسارة مصدر العيش الكريم الوحيد، علما أن هذه الضغوطات والتهديدات بقطع الأرزاق لا تُمارّس إلا على هذه الطبقة من الناس، ولا تشمل القيادات والكوادر والتجار.
ردود الفعل السريعة على قضية إطلاق كرم، التي صدرت عن قواعد المقاومة، كانت أشبه بفورة غضب. وقد أخمدت في العلن، لكنها ما زالت تغلي في السر. فهي طرحت تساؤلات جريئة من أناس لم يعتادوا على المساءلة، تتعلق بمنظومة التحالفات الداخلية والخارجية، وضرورة إعادة قراءتها وصياغتها، بناء على التطورات والمستجدات الحاصلة. من بينها الثمن المحرج الذي تدفعه بيئة المقاومة لقاء “ورقة التفاهم” بين حزب الله والتيار البرتقالي. وكذلك الموقف المخزي من الثورة السوري! يضاف إليها تعثر أداء “حكومة كلنا للعمل” التي أغرقت البلاد في الفساد والفقر والغلاء. وفيما تعاملت الطبقة السياسية مع القضية بمنطق الصفقات الذي بدا نهجاً تعتمده المقاومة هذه الأيام، اعتبرت الطبقة المقاومة أن معظم تحالفات المقاومة تحولت في الآونة الأخيرة إلى ابتزاز،هذا إذ لم نقل مساومة، على دماء الشهداء و تضحياتهم.
غالباً ما تعتبر بيئة المقاومة نفسها أنها المنتصرة على الدوام، حتى وإن كانت لا طاقة لها بتحمل تكلفة الحرب والإنتصار! وعادة ما كانت تخرج من كل معركة غير متكافئة مع العدوبإصرار أكبر على مواصلة مسيرتها والإلتفاف حول قيادتها، واصفةً منتقديها بـ”الخيانة” أو حتى “العمالة”.
لكن، بخروج كرم المظفر من السجن، أصيبت بيئة المقاومة بطعنة في صميم خطابها وتضحياتها، فاختلفت، أو اختفت قليلاً، لغة الإنتصار، وتحول الإصرار على مواصلة نهج المقاومة إلى ضرب من العبثية! و للمرة الأولى، ارتفعت الأصوات المنتقدة للقيادة.
وكان خروج العميد فايز كرم من السجن قد قلب المواجع على بيئة المقاومة، خاصة أسر الشهداء والجرحى والمقاتلين. وقصد عدد من أهالي الشهداء وأصدقائهم في مختلف المناطق اللبنانية، بالتزامن مع اللحظات الأولى لخروج كرم من سجنه، مدافن الشهداء لتقديم الإعتذار لهم عن السقطة التي وقعت فيها قيادة المقاومة. وأقيمت مجالس العزاء الحسينية في عدد من منازل الشهداء، وفقا لتقليد شيعي متبع، للتعبيرعن الحزن وتجديد العزاء.
وفيما عمت الإحتفالات ومسيرات الإبتهاج والزغاريد بإطلاق سراح فايز كرم المنطقة الممتدة من الرابية حتى زغرتا، كانت المناطق اللبنانية التي دفعت أثمانا باهظة من الأنفس والثمرات في مسيرة المقاومة تمسح للمرة الأولى في تاريخها دموع الهزيمة والخذلان.
من ناحية أخرى، دفع خروج فايز كرم من السجن ذوي المتهمين بالعمالة إلى المطالبة جهارا بإخلاء سبيل أبنائهم، تطبيقا لقانون خفض السنة السجنية الذي كان كرم أول المستفيدين منه.
بينهما برزت أصوات المستبعدين الشيعة، الذين أسقطوا من سجلات الطائفة وأهينوا وأبعدوا وعوملوا كمواطنين من درجة متدنية، وتم تخوينهم لإختلاف آرائهم السياسية عن “السائد المتسيّد”، وحوكموا دون محاكم وأطلقت عليهم تهم العمالة و الخيانة العظمى. وتساءلوا أين من كان يرفع سبابته يهدد العملاء وأهلهم وأقاربهم ومن يتستر عليهم بالسجن والإعدام!
أما لسان حالهم جميعا فيتفق على أن العمالة والمقاومة قد أصبحتا متساويتين ,فكلاهما صار “وجهة نظر”، وتحتملان الكثير من التأويل! كما تبين بعد عقود من التضحيات وأرتال من الشهداء والجرحى واليتامى والأرامل والثكالى، أن المقاومة لم تكن أكثر من كذبة كبرى، وقد سقطت عنها آخر أوراق التوت في أول نيسان هذا العام. فمنذ صلاح عز الدين، ومحمد عطوي، وقضايا الدعارة والسرقة وتجارة المخدرات، والمقاومة تتحول إلى “شركة تجارية مساهمة”!
وبناء عليه يُجمع مجتمع المقاومة، خاصة في مناطق الجنوب التي ذاقت الأمرين من الإعتداءات الإسرائيلية، أن المرحلة الحالية باتت غير سليمة. و بالتالي لم تعد الموافقة على سلوكيات قيادة المقاومة وتحالفاتها السياسية يضمن حمايتها. وقد أدى سقوطها في شرك الإلتزمات التحالفية إلى جعلها مادة مستهلكة ولعقا على ألسنة الناس، بعدما كانت “قدس الأقداس”.
السياسة و المقاومة نهجان لا يمكن أن يلتقيا. مجموعة القيم و المبادئ التي تقوم عليها الأولىهي نقيضها في الأخرى! في الأولى يسود مبدأ المساومة والشد والرخي والأخذ والرد. في الثانية، ثوابت لا تتغير وإن تغير كل ما حولها. لكن مسيرة المقاومة الإسلامية في لبنان غيرت المعادلات والثوابت التاريخية. فلم يصل الإسفاف إلى هذا الحد في تاريخ أية مقاومة في العالم! لم تحمِ أي جهة مقاومة في تاريخ الشعوب عميلا تحت أي ذريعة، أو تتحالف مع متعامل سابق. هذا بغض النظر عن التجاوزات الأخرى, للمقاومة لون واحد، كذلك العدو. هي صراع بين أسود وأبيض، لا إلتباس رماديا بينهما.
لذلك كان خروج كرم من السجن بمثابة ورقة نعي للمقاومة الإسلامية.
“فتوى” حرّمت الإنتقاد و”النق”!: مجالس حسينية رداً على إطلاق فايز كرم
قديس العمالة مقالة جميلة
“فتوى” حرّمت الإنتقاد و”النق”!: مجالس حسينية رداً على إطلاق فايز كرم“قديس العمالة” عنوان للمقالة التي كتبتها ونشرتها لي صحيفة “السياسة الكويتية” مشكورة بتاريخ 6/نيسان/2012 06/04/2012 قديس العمالة العميد فايز كرم المدان بجرم التعامل مع إسرائيل يفرج عنه بعد قضاء عقوبته المخفضة معززا ً مكرما ً من قبل أهله وأنصاره “بالتيار الوطني الحر” محمولا ً على الأكتاف كالأبطال الشجعان المنتصر على عقوبة المؤبد. هذا القيادي في “التيار البرتقالي الحر” فايز كرم لم يكتف بالإنتصار الذي أحرزه على العدل والقانون والقضاء المسيس بعدم نيله عقوبة السجن المؤبد, بل تابع إنتصاره على المقاومين والشهداء منهم خلال حرب يوليو عام 2006 ضد العدو الإسرائيلي.… قراءة المزيد ..