عرضنا في كتابنا “البلطة والسنبلة – إطلالة على تحولات المصريين” لظهور العرب على مسرح التاريخ في منتصف القرن الأول قبل الميلادي كما تتبعنا ميلادهم كعرق ينتسب الى الجنس السامي سواء بشهادة التوراة، أو من واقع علم الأثنولوجيا، كما بينا كيف استطاعت القبائل العربية أن تتجاوز حالة التشرذم بفضل ديانة الإسلام التوحيدية، الأمر الذي أوعز إلى أهل العروبة بأنهم – وليس اليهود – الشعب المهيأ لنشر رسالة التوحيد (الإلهية) من خلال الفتوحات العسكرية، أو عبر النشاط التجاري، والمثاقفات مع سائر الحضارات والبلدان، والحق أن العرب كانوا أحرياء بالنجاح في مسعاهم لولا اختلاط المثل الدينية العليا بطموحات في تأسيس الملك العضوض القائم على القهر والهيمنة.
وفى هذا المقال نعرض – على سبيل المثال- لمصر في علاقتها بالعرب، من وجهة نظر علمية ، لا تعكر عليها صخب الأيديولوجيات أو مرامي السياسة المتبدلة بحكم تبدل المصالح والنوازع والغرائز.
حقيقة القومية المصرية
يعرف نيتشه الشعب بأنه “جماعة معنوية يشترك أعضاؤها في مفاهيمهم عن الخير والشر” وإنه لتعريف دقيق يؤطر بامتياز فكرة القومية Nationality تلك التي وضعت أساساً للدول الحديثة (معاهدة وستفاليا 1648) حيث يكتسب الأفراد -بمجرد ميلادهم على أرض محددة- صفة المواطن Citizen لا الرعية التي تحتاج إلى راع يسوقها. فأما المصريون فقد عاشوا هذه الفكرة – بتعريف نيتشه- وقبل تلك المعاهدة، بأكثر من أربعة آلاف عام، مستخلصين عناصرها من التجربة العملية التاريخية، وذلك ما يفسر تماسك النسيج الاجتماعي عند المصريين رغم تعدد دياناتهم عبر العصور: آمون ، فآتون، ثم المسيحية فالإسلام. كذلك كان الحال فيما تعلق بالانصهار الجنسي، فالعرب الذين استوطنوا مصر صاروا مصريين بالزواج مع أهل البلاد، وبالتعايش والمشاركة مع أقباطها، حيث العبرة هنا بتواتر التوطن لا بالمحل الجغرافي الأول. ولكن من أين جاء المصريون الأوائل؟ وكيف تمكنوا من تشذيب فكرتهم الخاصة عن”القومية” التي كثيراً ما كانت تنزلق بأصحابها إلى الفاشية المتعصبة؟
عن السؤال الأول يكاد علماء الأجناس المميزين أمثال ماسبيرو، وبيتارد، وسميث، ومورجان، وميريت أن يجمعوا على أن السلالات التي سكنت وادي النيل قبل الميلاد بعشرة آلاف عام قد كانت سلالات مولدة من الأحباش والنوبيين والليبيين من ناحية، ومن أخرى من المهاجرين الساميين والأرمن، وأن عملية اندماج تاريخية طويلة صنعت هذا الشعب المصري الذي أنشأ حضارته ما بين الألف الرابعة والألف الثالثة قبل الميلاد. وقد كان ظهوره على مسرح التاريخ في بداية العصر الحجري الحديث حوالي عام 6000 ق.م حيث عرف الإنسان الاستقرار وتوصل للزراعة بعد أن استأنس الحيوان وبنى المساكن ، واكتشف النحاس صانعاً منه أدواته. وفي هذا العصر وُلدت حضارات أولى في ديرتاسا والبداري والفيوم ومرمدة بني سلامة وحلون ثم حلوان الثانية والمعادي .وتاليا ًفإن المجتمع المصري الذي تألف من عدة ملايين اندمج في أمة واحدة حوالي 4000 ق.م ارتضي حكومة مركزية كاملة الأوصاف، ممثلة ً لدولة واحدة عام 3200 ق.م ذات نظام مفصل للحكم والاقتصاد والقيم الاجتماعية، والدين، والعمارة، والفن والأدب لألف عام قادمة، كانت كفيلة بوضع مصر من الناحية الأخلاقية فوق اعتبارات التشاحن والتنازع السياسي والاجتماعي الذي عاش عليها العرب قبل الإسلام.
أما عن السؤال الثاني، والمتعلق بكيفية عدم انزلاق المصريين – رغم قوميتهم الواضحة- إلى فاشية عرفتها قوميات عديدة فهو ما يقتضي تعريف الفاشية بداية، فالكلمة Fascism تشير لغوياً إلى مجموعة من العصي مربوطة ببعضها البعض- علامة العصبية – وأما فلسفتها فتقوم على محاولة متعسفة للوصول إلى مرّكب الزمان/المكان الذي يقبع فيه العقل الجمعي بحيث يكون الأفراد بالنسبة إليه مجرد حوامل للفكرة. ويتطلب تجليه وجود قيادة عليا لهؤلاء الأفراد، تتماهى الجماعة ُ معها (نموذج هتلر وموسوليني) بشعار تمجيد العرق Race، وتضمن السيطرة علي كل أشكال النشاط القومي لصالح حزبها الحاكم ، الذي يرى من واجبه “الأسمى” قمع أي حزب آخر، وإرهاب أية جماعة معارضة.
بالنسبة للمصريين، فإن طبوغرافيتهم الواضحة وتاريخهم المستقر، وطبائعهم الوديعة كانت قمينة ً بإبعاد شبح الفاشية عن التسلل إلى المكون الثقافي لديهم، ففي مرحلة المشترك القروي، كانت ملكية الأرض تحت التصرف المعنوي لمجلس الحكماء (سراة القرية) وما كانت ثمة حاجة للتصارع على ريعها بفضل حكمة هؤلاء السراة. أما حين انتقلت تلك الملكية إلى الدولة، فقد انقسم المجتمع المصري إلى طبقتين: الحكام والمحكومين، ساد بينهما نوع من التوافق المجتمعي المدهش، كان حرياً بألا يقسم الناس إلى أسياد وعبيد، أو إلى لوردات وأقنان … الخ وظل هذا هو الحال حتى العصر الحديث، حيث استمر الناس ينظرون إلى الدولة باعتبارها الأم الرؤوم، وإلى الحاكم – أميراً أو ملكاً أو رئيساً- نظرتهم إلى الأب المحبوب والمرهوب في آن، دون حاجة إلى فلسفة يتجلى فيها العقل الجمعي من خلال زعيم أوحد أو حزب ذي تشكيل شبه عسكري.
وعلى حين دعت المسيحية الشرقية إلى إقرار فصل الدين عن الدولة منذ مؤتمر نيقية عام 325 ميلادي ؛ فإن انتفاء صفة الكهنوت عن النظام الإسلامي، أسهم بدوره في إبعاد النشاط الاجتماعي عن مجال السيطرة المطلقة للنخب الإسلامية الحاكمة. والمثال على ذلك انصراف المصريين عن المذهب الشيعي، رغم خضوعهم سياسياً لحكم الفاطميين لمائتي عام، ثم استمرارهم في حب آل البيت حتى بعد زوال دولة الفاطميين.
وهكذا فإن تعريف الشعب، الذي ذكره نيتشه لا ريب منطبق على المصريين، في تأكيد واضح لهويتهم، حتى وإن اتصلوا ثقافياً بغيرهم من الشعوب، وفي مقدمة هؤلاء الشعوب: العرب.
مصر والتعريب:
حين دخل عمرو بن العاص مصر فاتحاً عام 640 ميلادي، لم يقاتله المصريون بجدية ، بغضا ً منهم لحكم البيزنطيين . فكان تسليم الإسكندرية مقبولاً من الشعب، ارتضاءً بالشروط المعتادة والمفروضة من الجانب العربي: سداد الأهالي الجزية مقابل توفير الحماية لهم. وعلى حين انتقلت السلطة من الوالي البيزنطي إلى الوالي العربي؛ ظل أهل مصر – كما كانوا دائماً- في موضع المحكومين. غير أن عاملاً جديداً كان قد بدأ يظهر – في مصر – مؤثراً بقوة، ذلك هو دين الإسلام، الذي اكتشف فيه الكثيرون عنصراً تحريرياً، فالذي يعتنق الإسلام تسقط عنه الجزية، والأكثر أنه يكتسب صفة “الأخوة” مع العربي الفاتح، فلا غرو أن يسعى المصري إلى تأكيد هذه الصفة المنبثقة عن وحدة الدين. ولما كان ذلك غير كاف فلقد ظهرت الحاجة إلى “الأيديولوجيا” بحسبانها الإطار الفكري المحقق لمصالح الجماعة، والمحدد لطريقة رؤيتها للعالم ولنفسها ، حتى وان جاء ذاك على حساب الحقائق. وآية ذلك أن المصريين المنحدرين أصلاً من الجنس الحامي، صاروا يتفاخرون بعد تزاوجهم مع الفاتحين بأنهم “أولاد العرب”.
وكما حدث للمصريين بشأن اعتناق الإسلام بالحوافز المقررة، انطلقت عملية تعريب اللسان بحوافز معينة – ولكن تحت شروط – مثل إمكانية تقلدِ المناصب وشغل الوظائف في الدولة، فما أن أمر الخليفة الأموي مروان بن عبد الملك عام 87 هـ بقصر التعامل في دواوين الحكومة على اللغة العربية، حتى اندفع المصريون إلى تعلم العربية. و بالتوازي مع نقل قبائل عربية بأكملها في عملية استيطان واسعة لمصر،واضطرار هذه القبائل للعمل بالزراعة أسوة بالمصريين، فإن علاقات الجوار والمصاهرات والمشاركات الزراعية والتجارية، ما لبثت حتى أحدثت الانصهار، إلى درجة اشتراك الأقباط والعرب المستوطنين في انتفاضات متعددة على دولة الخلافة، بسبب فداحة الخراج على المزارعين، وكانت آخر تلك الانتفاضات تلك التي قمعها الخليفة المأمون بنفسه عام 216 هـ وأجرى فيها دماء هؤلاء وأولئك. فهل أصبح المصريون عرباً بهذا الانصهار الدامي؟ أم أن ما جرى هو انصهار المستوطنين العرب الفقراء مع قرنائهم الأقباط المقهورين في تمصر لا غش فيه؟
فيما يتعلق بالإسلام، فلا أحد يماري في أن الإسلام دين وليس مجرد ثقافة، فالدين يُعتنق -أويـُبدل- بإرادة الأفراد، بينما الثقافة موروث اجتماعي يستحيل التخلي عنه بقرار من أحد. ولقد دخل الإسلام واستقر بفارس والهند وتركيا واندونيسيا، والبلقان، لكن أهل هذه البلاد لم يتعربوا قط إنما قرينة تغير اللغة ” الرسمية “في مصر هي التي أوحت بعروبتها، إضافة إلى تأثير أيديولوجيا القومية العربية-وهي أيديولوجيا حديثة- لكن لا هذه ولا تلك تجعلان من مصر ، كما رأينا، عربية ً بالمعنى العلمي للكلمة، حيث تظل مصر مصرية وان ثاقفت مع العروبة مجبرة أو مختارة.
ربما تبدو هذه الرؤية صادمة لما استقر في الوعي الجمعي المصري بتأثير الممارسات السلطوية في اعتمادها على الدين من ناحية ، وعلى الأيديولوجيا السياسية من أخرى ؛ غير أن النخب الثقافية الجديدة مسئولة أمام المستقبل [ = الأجيال القادمة ] عن وضع هذه الرؤيا في المختبر العلمي لا الشعبوي ، بغية الوصول إلي حالة من الهوية [ حقيقية لا غش فيها ] يؤسس بها المصريون لوضعهم في هذا العالم المتغير.
tahadyat_thakafya@yahoo.co
* الإسكندرية
فتح العرب لمصر لم يجعلها عربية
( لا فرق بين عربى ولا اعجمى الا بالتقوى)
( ومن ياتى بغير الاسلام دينا فلن يقبل منه)
خليكم يا مفكرين العصر تنخرون فيما لا طائل منه الا الفرقه والتشرذم.
كل ما تود ان تقول والفكره التى تحاول ان تزرعها فى رؤس القارئين هى ان المصري حمل وديع يعنى لا بهش ولا بينش . والإهانه التى وجهتها لسبعين مليون مسلم ولكل المسلمون اللذين عاشوا على هذه الارض الطيبه منذ ان انعم الله علينا بالسلام فى انهم اعتنقو الاسلام من اجل المصلحه. لا ا قول لك الا كلمه اعتاد ان يقولها اجدادى لامثالك ( خسئت)
فتح العرب لمصر لم يجعلها عربيةالمقال أكثر من رائع ، وقد أعجبت برد المهندس محمد عمر على تعليق سميه الأخ محمد عمر ، هذا التعليق المثير للضحك فعلا ولكنه ضحك كالبكا .. فهل يتصور أحد أن يكون الصهاينة المغتصبون لأرض فلسطين أخوة لضحاياهم ؟ ! وهل الشيخ القرضاوي المحرض شد الشيعة أخ للشيخ حسن نصر الله ؟! وهل كان صدام حسين شقيقا ً لأهل الكويت ؟! ربما كانت السي آي إيه أختا ً في الرضاع لتنظيم القاعدة ، ومع ذلك انقلبت عليه شر منقلب , والمدهش أن ” الأخ”محمد عمر يحرض أصحاب هذا الموقع ليتوقفوا عن نشر مقالات كبار الكتاب… قراءة المزيد ..
فتح العرب لمصر لم يجعلها عربيةإلي الأخ محمد عمر المقيم بكوكب الأرض ، وشقيق كل سكان العالم ما تقوله مجرد شقشقة كلامية ، وتسطيح عجيب لقضية من أهم قضايا البشر ، أعني قضية ” الهوية ” ولو كنت نفسك مؤمنا بما تدعي من أخوة البشر [ وهو معنى جميل لو تناولناه على سبيل المجاز ] لكان عليك أن تشرك معك ستة آلاف مليار أخ في ميراثك من أبيك ، ولكان عليك أن تفتح حدود بلادك لجيوش العالم باعتبار جنودها وجنرالاتها أصحاب حق “أخوي” في أرضك . أغلب الظن أنك حمساوي تنظـّر لتدفق الفلسطينيين إلي سيناء المصرية حلا ّ لمشكلتهم المستعصية… قراءة المزيد ..
فتح العرب لمصر لم يجعلها عربيةأستغرب من موقعكم الكريم نشر مقالات تتعلق بأصول شعب من الشعوب كائناً ما كان ولو أخذنا الموضوع من ناحية الأديان الاسلامي أو المسيحي لانجد أن أصل الفرد مهم له في آخرته ولأخبرتنا الديانات أن الناس هم من نسل آدم وحواء . أما لو أخذت من الناحية العلمية فأيضاً سنجد أن كل الدراسات العلمية ستوصلنا إلى أصل واحد للبشر وفي أحدثها أنه أفريقيا ومنها انتقل إلى باقي أصقاع الأرض حتى وصل إلى أمريكا عبر سبيبريا قبل 15000 عام . لذلك لاأدري ماهي غاية هؤلاء الكتاب المتعصبين لقوميتهم الألمانية العربية اليهودية المصرية الفارسية . لماذا تريدون ايقاف… قراءة المزيد ..
فتح العرب لمصر لم يجعلها عربيةالفتوحات الإسلامية وليس العربية المقصود هنا في رأينا . مصر للمصرين فقط . لسلمنا- ونلمس دلك – إنكم صادقين في ضل الصراع الدامي بين المسلمين والعرب في قضايا ثنائية من جانب واحد ومن الجانب الآخر حرب شرسة مع العالم المتحضر , و ما يرافق هدى الصراع تخلف وفقر شديد للأغلبية الساحقة من مواطنين الوطن العربي من ضمنهم المصرين , إن هدفكم بلا شك ” سامي” هو أعادت النظر من جانب علمي, فكري- فقط – محض( اليوم) , في إثبات التفوق الحضاري والثقافي للشعب المصري – بتعريف نيتشه- على الآخرين, في دلك الزمن البعيد, زمن الفراعنة.… قراءة المزيد ..
فتح العرب لمصر لم يجعلها عربية
مصر مصرية, وستظل مصرية, أما الغزاة العرب, فقد صنعوا من مصر نموذج ليس له مثيل فى العالم, فصار الدين لدى المصريين المتأسلمين وسيلة للحصول على الحقوق المنهوبة من الغزاة العرب, الذين صنعوا من الدين وسيلة لنهب واحتلال الشعوب التى احتلوها, ولن أقول “فتحوها”, والغير مقتنع بذلك عليه أن يجيب على هذا السؤال: كيف آمن المصرى بالإسلام والقرآن بالعربية, بينما لغة المصريين كانت القبطية؟ هل من الممكن لأى إنسان أن يؤمن بديانة لا يعرف شئ عن كتابها المقدس
فتح العرب لمصر لم يجعلها عربيةالمقال قمة في الوضوح ، والنتائج المترتبة عليه تقضي بأن تحل قضايا المصريين المصيرية في سياق التطور الديمقراطي ، وليس بالإرتداد إلي عصور الظلام حيث الدولة الدينية ، والتي أزالها التاريخ إلا من بقع متخلفة ، وحتى هذه تحاول أن تتبرأ من وصفها بالدولة الدينية ، على سبيل المثال قرأنا عن انشاء دار نشر لبرالية النزوع في السعودية قامت بنشر كتاب رأس المال لكارل ماركس ، بعد أن كان من المحرمات ذكر اسمه . أقول للأخ عبد الله الذي قرأ مقال الدكتور مهدي بندق بعين لا ترى غير ما في دماغها : ما معنى شعار… قراءة المزيد ..
فتح العرب لمصر لم يجعلها عربية
مصر عربية يا أستاذ مهدي ، وإسلامية برغم كل الحجج التي سقتها في مقالك ، والدليل على ذلك التفاف الشعب المصري حول تيار الأخوان المسلمين ، ولو جرت انتخابات حرة نزيهة لرأيت من سيختار الناس لقيادتهم نحو تحقيق آمالهم في الدنيا والآخرة . المسألة ليست مسألة مناقشات علمية ، قد تصيب أو تخطأ بل تتعلق بالإحتياجات الروحية لشعب طال حرمانه ، واشتد إيمانه بضرورة الخلاص . والخلاص في شعار ” الإسلام هو الحل ” واسأل الملايين تعرف الحقيقة . ولك التقدير على جهدك واجتهادك .