صادقي يهرول إلى الكويت
يروي عضو مجلس الأمة الكويتي عبد الله النفيسي قصة تحذير إيراني تم إرساله قبل أسبوع من الغزو. وبحسب النفيسي، كان السفير الإيراني في الكويت حسين صادقي يقضي إجازة له في طهران، وإذ بجرس الهاتف يرنُّ في بيته، وكان المتّصل من مكتب الرئيس الإيراني آنذاك أكبر هاشمي رفسنجاني، ينقل للسفير أمراً من الرئيس بالحضور على وجه السرعة.
عند وصوله، قدّم رفسنجاني لصادقي تقريراً أرسلته الاستخبارات الإيرانية في مدينة البصرة العراقية، تؤكد فيه أنّ مشاهداتها لحجم وسلوك القوات العراقية على الحدود مع الكويت، إضافةً إلى معلوماتها الخاصة، تشيران بما لا شكّ فيه إلى أنّ الجيش العراقي سيحرّك قوّاته باتجاه الكويت قريباً جداً!
طلب رفسنجاني من صادقي قطع إجازته والعودة بأقرب وقت إلى الكويت ليسلّم التقرير الاستخباري للقيادة هناك، فوصل مساء 25 تموز/ يوليو 1990، طالباً لقاء المسؤولين مباشرةً، لكنّه تلقّى جواباً بأنَّ عليه الانتظار حتى صباح السبت لأنّ البلاد دخلت في إجازة يومَيْ الخميس والجمعة، وأغلب قادتها انتقل إلى منتجعات خارج العاصمة!
لم ينم صادقي الليل بانتظار صباح السبت حتى يبلّغ رسالته، وعندما فعل ذلك، كانَ الرد باهتاً جداً: “شكراً. أرسل تحيّاتنا إلى الرئيس رفسنجاني”.
ببساطة، لم تأخذ القيادة الكويتية تحذير الإيرانيين على محمل الجد، وأكملت أيامها وكأنّ شيئاً لم يكن!
رواية رفسنجاني
تناول الرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رفسنجاني في مذكراته عن عام 1990 الغزو العراقي للكويت، وجاء على لسانه:
“استمعت إلى البرنامج الفارسي لراديو “بي بي سي”، ولم يرد خبرًا عن هجوم العراق على الكويت. علم برنامج صوت أميركا باللغة الفارسية، الذي بدأ الساعة 6:30 صباحًا، بالهجوم العراقي بعد دقائق قليلة من بدء البث الإخباري، وقال إنه تم إبلاغنا إنّ القوات العراقية عبرت حدود الكويت ؛ إنها حادثة مهمة.
لقد تابعت الأخبار بعناية. لم أتمكن من الوصول إلى راديو الكويت. شيئًا فشيئًا، جاءت الأخبار على التلكس واتضح أنّ العدوان بدأ في الثانية صباحًا، وأنّ قوات الجيش العراقي وصلت بسرعة إلى العاصمة الكويتية، كما حصل هجوم جوي. المقاومة الجادة من الكويتيين لم تكن واضحة باستثناء الاشتباكات المتفرقة. أمير الكويت هرب.
وكان العراقيون ينشرون الأخبار وكأنّ انقلابًا وقع في الكويت، وأنّ مدبّري الانقلاب طالبوا بدعم العراق، ثم دخل الجيش العراقي الكويت بدعوة منهم. لكن من الواضح أنّ الأخبار كانت غير صحيحة. كنت على اتصال بوزارة الخارجية، وقيادة الحرس الثوري الإيراني في الأهواز، وقيادة نهاجة [القوات الجوية للجيش الإيراني]، ورئيس هيئة الإذاعة السيد محمد هاشمي.
لقد تباحثت مع القيادة عبر الهاتف، وتقرر عدم التسرّع باتخاذ موقف، وعقد اجتماع للمجلس الأعلى للأمن القومي. وعقد مساء ذلك اجتماعٌ في مكتب الدراسات والبحوث التابع لوزارة الخارجية للبحث في عدوان العراق على الكويت… ثم تقرّر إصدار إعلان وإدانة ووضع القوات في حالة تأهب.
وكان تفسير ما يجري أنّ العراق سيعاني من هذا العمل وسينتهي الأمر في مصلحتنا. تقرّر أن يسافر وزير الخارجية علي أكبر ولايتي إلى بعض الدول العربية، مثل سوريا، سلطنة عمان والإمارات العربية المتحدة. اتصل وزير خارجية الكويت الشيخ صباح الأحمد من مكان مجهول وطلب المساعدة”.
الموقف الرسمي
هكذا، ومع تطوّرات الموقف، وجدت طهران نفسها بين الأمرّين، فإما تعاظم للجار العراقي اللدود، وإما إسقاط قدرة هذا الخطر بضربة غربية – أميركية تستدعي نفوذ واشنطن بقوة في المنطقة، مع ما يستتبع ذلك من أخطار على النظام الإيراني.
نددت وزارة الخارجية الإيرانية على الفور بغزو الكويت، ودعت إلى انسحاب القوات العراقية، كما أعربت عن قلقها من توفير العدوان ذريعة لقوى خارجية لدخول المنطقة، كما جاء على التلفزيون الإيراني.
لم يَفُت الإيرانيين أبدًا آنذاك المقارنة بين الجهد الغربي السريع لمساعدة الكويت مع ما وصفوه باللامبالاة عند بدء الحرب عليهم من العراق عام 1980. فقد جاء في افتتاحية صحيفة “جمهورى إسلامي” بتاريخ 14 آب/ أغسطس 1990 أنّ “الولايات المتحدة مجرمة، وأكبر جرائمها أنها حرّضت العراق والدول العربية ضد الثورة الإسلامية”.
صراع داخلي
غذّت الحرب في الكويت التوترات الداخلية بين التيارات السياسية في إيران، وقد استعر النقاش بشأن الاستراتيجية الصحيحة التي يجب اتباعها في تلك الظروف الإقليمية الخاصة.
رأى الثوريون في تعاظم الوجود العسكري الأميركي في الشرق الأوسط تحديًا كبيرًا جدًا لإيران والعالم الإسلامي، حيث أكد قائد الحرس الثوري آنذاك محسن رضائي أنّ وجود القوات الأميركية في الخليج أكثر خطورة على المنطقة من احتلال العراق للكويت.
ووصفت “جمهورى اسلامي” وجود الجيش الأميركي في السعودية بأنه “وصمة عار رهيبة على العالم الإسلامي”، وأضافت أنه “مثلما قام العراق بضم الكويت إلى أراضيه، قامت الولايات المتحدة بضم السعودية”.
أما رئيس البرلمان في تلك الفترة مهدي كرّوبي الذي كان حينها محسوبًا على معسكر الثوريين فقد صرّح إنّ “الولايات المتحدة هي زعيمة عصابة العدوان في العالم”، وإنها تريد “قمع الإسلام الحقيقي وفرض نسختها الخاصة من الإسلام”.
من جهة أخرى دعمت صحيفة “طهران تايمز” الناطقة بالإنجليزية، التي كانت تُعتبر قريبة من رفسنجاني، التدخّل العسكري الأجنبي طالما بقي تحت إشراف الأمم المتحدة.
مكاسب إيرانية
كان لبدء الغزو وتسارع الضغط الدولي على العراق تأثيره بتحقيق مكاسب عدة لإيران، حيث أبدى صدام حسين في 14 آب/ أغسطس موافقته على العودة إلى معاهدة الجزائر لعام 1975، كما وافقت بغداد على سحب قواتها من ثمانية جيوب كان لا يزال الجيش العراقي يحتلّها داخل الحدود الإيرانية.
وبين منتصف آب/ أغسطس ومنتصف أيلول/ سبتمبر، استأنفت إيران تبادل الأسرى مع العراق، والذي وصل عددهم من الجانبين إلى 75 ألفًا.
في أواخر كانون الثاني/ يناير 1991، أرسل العراق 115 طائرة عسكرية و33 طائرة ركاب للّجوء إلى إيران، فاعترفت سلطات طهران باستلام 22 طائرة منها، وأكدت أنها ستحتجزها طالما استمرّ القتال في الكويت.
مبادرة للسلام
بتاريخ 5 شباط/ فبراير 1991، أعلن رفسنجاني مبادرةً للسلام بين العراق والكويت، معربًا قبل يوم واحد من ذلك عن استعداده للاجتماع بالرئيس العراقي وإجراء اتصالات مباشرة مع واشنطن، وقد حدد الأهداف التالية لمبادرته:
- عدم وقف إطلاق النار ما دام العراق يحتلّ أراضًا كويتية.
- انسحاب القوات الأجنبية من المنطقة فور انسحاب القوات العراقية من الكويت
- الحفاظ على حدود العراق وسيادته على أراضيه
- رفض الربط بين تسوية القضية الفلسطينية وحل أزمة الخليج.
رحّبت دول فاعلة وأساسية بمبادرة الرئيس الإيراني، كالكويت، تركيا والاتحاد السوفياتي، لكنّ دولًا أخرى عبّرت عن رفضها لهذه المبادرة، كالعراق والولايات المتحدة، التي كان يبدو بديهيًا رفضها لوساطة إيرانية.