كثف “حزب الله” من نشاطاته السياسية والشعبية والاعلامية في الايام القليلة الماضية تضامنا مع ابناء غزة وحركة “حماس”، واطل امينه العام السيد حسن نصرالله مرتين في اقل من 24 ساعة للاعلان عن الوقوف الى جانب الشعب الفلسطيني، داعيا وللمرة الاولى الشعب المصري وضباط وجنود الجيش المصري للتحرك لفك الحصار عن غزة. واقام الحزب تجمعين شعبيين ضخمين الاول يوم السبت الماضي في الساعات الأولى لبدء المعركة في غزة والثاني يوم الإثنين اول ايام عاشوراء استجابة لنداء قائد الجمهورية الاسلامية الايرانية السيد علي خامنئي الذي اعلن الحداد على ارواح شهداء غزة في هذا اليوم.
لكن رغم كثافة التحرك الشعبي والسياسي لـ”حزب الله” تضامنا مع “حماس” والفلسطينيين، فالملاحظ ان الحزب ابتعد عن اي تحرك عسكري او امني في الجنوب ضد القوات الاسرائيلية، وقد حرص الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله على نفي اي علاقة بقضية الصواريخ التي اكتشفت في جنوب لبنان والموجهة ضد المستوطنات الاسرائيلية، بل اعتبر “ان نصب الصواريخ من فعل جهات مشبوهة لتبرير هجوم اسرائيلي جديد على لبنان”.
ورغم ان نصرالله اكد جهوزية المقاومة الاسلامية لمواجهة اي عدوان جديد فإنه لم يُلمّح ابدا لقيام الحزب والمقاومة بأي عمل عسكري تضامنا مع غزة، كما ان التحركات الشعبية التي دعا اليها “حزب الله” بقيت محصورة في الضاحية الجنوبية ولم تصل الى حدود بيروت وذلك مراعاة للكثير من الحساسيات السياسية والامنية.
انطلاقا من ذلك يبدو ان “حزب الله” يتعاطى مع التطورات في غزة ضمن حسابات جديدة لم تكن قائمة قبل حرب تموز 2006. فالحزب كان لديه سابقا هامش واسع للقيام بتحركات عسكرية وامنية ضد القوات الاسرائيلية سواء عبر اطلاق الصواريخ على المواقع الاسرائيلية في مزارع شبعا او من خلال تحريك بعض النقاط الساخنة على الحدود وصولا الى تنفيذ عمليات عسكرية ضد القوات الإسرائيلية لخطف الجنود او ايقاع الخسائر البشرية فيها. اما اليوم فالحزب يحرص على الابتعاد، حتى الآن، عن القيام باي عمل عسكري او امني ضد القوات الاسرائيلية بل ان امينه العام ندد بالاتهامات التي وجهت للحزب بالوقوف وراء نصب صواريخ الكاتيوشا في الجنوب.
اسباب الحذر
وهناك اسباب عديدة تقف وراء الحذر الشديد على صعيد القيام بأي عمل عسكري او امني والاقتصار على التحركات الشعبية والسياسية والاعلامية ومنها:
-1 ان افق المعركة في غزة لا يزال غير واضح في ظل التوقعات بان تطول هذه المعركة وان تتطور الى عملية برية محدودة مما قد يفتح الباب امام احتمالات عديدة.
-2 انتظار تفاعل التطورات على الصعيدين العربي والاسلامي والدفع في اتجاه تحريك الرأي العام والقوى الشعبية وخصوصا في مصر للضغط في اتجاه فتح معبر رفح وتقديم الدعم للفلسطينيين.
-3 عدم اعطاء الاسرائيليين اية حجة لتوسيع دائرة العدوان ليطول لبنان لكي لا يتحمل الحزب مسؤولية هذا التطور خصوصا ان لبنان لا يزال حتى اليوم يعمل على استيعاب نتائج حرب تموز 2006.
-4 ابقاء زمام المبادرة بيد “حزب الله” لمواجهة اي تطور ميداني مستقبلي في حال قررت اسرائيل توسيع المعركة نحو لبنان وسوريا، مما يجعل المقاومة الاسلامية قادرة على “التحرك الدفاعي” في اللحظة المناسبة.
-5 اعطاء الوقت الكافي للتحركات الشعبية والسياسية والاعلامية في لبنان والتي يمكن ان تتصاعد في الايام المقبلة نحو خيارات جديدة كما حصل بشأن، محاولة اقتحام السفارة المصرية.
خيارات اخرى
لكن هل يمكن لـ”حزب الله” ان يظل مكتوف الايدي دون القيام باي خطوات ميدانية لدعم الفلسطينيين وحركة “حماس” في غزة؟ وما هي الخيارات المتوقعة لما يمكن ان يقوم به الحزب في حال تصاعدت التطورات الميدانية واشتد الضغط على “حماس” والفصائل الفلسطينية؟
من المعلوم ان الحزب كان وعد بالثأر لاغتيال قائده العسكري الحاج عماد مغنية في شباط الماضي، واليوم ورغم مضي اكثر من عشرة اشهر على عملية الاغتيال لم ينجح الحزب بالقيام بالرد المطلوب الذي وعد به قادة الحزب ومسؤولوه، فهل جاءت اللحظة المناسبة لتنفيذ هذا الرد بما يحقق للحزب نتيجتين مهمتين: الاولى تتمثل بالقيام بخطوة كبيرة تضامنا مع ابناء غزة والثانية الانتقام لاستشهاد قائده العسكري والامني. وقد يكون تأخير عملية الرد ليس فعلا اراديا لدى قيادة الحزب بل ناتج عن عدم توافر الظروف السياسية والميدانية واللوجيستية المناسبة. لذا قد تكون معركة غزة وتفاعلاتها هي الفرصة الكبيرة التي ينتظرها “حزب الله” للرد على اغتيال قائده في ظل تصاعد التضامن الشعبي والسياسي مع الفلسطينيين من مختلف انحاء العالم وخصوصا في العالمين العربي والاسلامي.
وهل تحدث المفاجأة الكبرى المنتظرة منذ عشرة اشهر وينفذ السيد حسن نصرالله القسم الذي اطلقه من على ضريح الحاج عماد مغنية “بأن الثأر لاغتيالك قادم لا محالة”.
من يعرف كيف يفكر “حزب الله” ومسؤولوه وقدرتهم على الاستفادة من المتغيرات السياسية والميدانية لتحقيق الاهداف التي يسعون اليها، لا بد ان يتوقع ان تحمل الايام المقبلة، وخصوصا اذا تفاعلت معركة غزة ولم تنجح اسرائيل بحسمها سريعا، حصول احداث امنية غير تقليدية تحقق ما لم يقم به “حزب الله” في جنوب لبنان او عبر الحدود.
(صحافي متابع للحركات الاسلامية)