الموت الذي يوزع في غزه على الأطفال والنساء والشيوخ وكل الناس هو موت مجاني وتدمير أعمى نتج عن تشابك سياسات اسرائيلية وعربية ودولية وحمساوية وإسلامية أوصلت الوضع إلى ما هو عليه الآن. فخطوط اللعبة السياسية واضحة في الشرق الأوسط، وما تريده الدول الاقليميه واضح، وما تريده إسرائيل وحماس وإيران وسوريا والتيارات الاسلاميه واضح هو الآخر. ما وقع يعكس كيف يتم دفع الفلسطينيين لتحمل الثمن الأول والأكبر في اللعبة الاقليمية السياسية وفي صراع التيار الإسلامي مع الدول العربية ومع إسرائيل وفي صراع إيران وسوريا مع الولايات المتحدة. إن هذا التدمير في غزه، وهو تدمير للحياة والإنسان، وهو لن يحرر فلسطين، بل قد يساهم (وهذا هو الأخطر) في تراجع القضية الفلسطينية وتفتيتها (غزه مع مصر والضفة مع الأردن) وإدخالها في واحده من أصعب مراحلها التاريخية منذ نكبة عام ١٩٤٨.
والملاحظ على مدى الأسابيع والشهور التي سبقت العملية أن الكثير من المعلومات قد تسربت عن العملية الاسرائيليه. فقد كتب الكثير من العملية في الصحافة العالمية والاسرائيلية. ولكن الواضح إن حركة حماس تفاجأت بالعملية العسكرية نظرا لانطلاقها من حسابات مختلفة. فقد اتضح أن حماس لم تمتلك دراية ومعرفه بالوضع الإسرائيلي ومدى التطرف الذي قد تمارسه إسرائيل لتحقيق أهدافها. إن مقدمات العدوان الإسرائيلي كانت واضحة، ولكن الاستخفاف به في مجالات التحضير والاستعداد كان هو الآخر مشكلة كبرى.
وفي هذه الحرب غابت عن حماس الرؤية والقيادة الميدانية والتعامل المرن مع وسائل الإعلام كما كان الأمر في كافة الحروب الفلسطينية الاسرائيليه (واللبنانية الاسرائيلية). ولو دققنا أكثر في هذه الحرب نجد إن هذه أول مره يخوض الشعب الفلسطيني معركة عسكرية مع إسرائيل ولا تكون القيادة السياسية الفلسطينية في الميدان كما كان الأمر مع عرفات في كافة معارك الثورة في الكرامة في الأردن عام ١٩٦٨، وفي الجنوب اللبناني في عشرات المعارك، وفي بيروت إبان الحصار عام ١٩٨٢، وفي طرابلس إبان الانشقاق عام ١٩٨٤، وفي رام الله إبان الاجتياح الإسرائيلي للضفة الغربية عام ٢٠٠٢.
إن احد الأسباب الذي جعل حماس تنهي الهدنة مع إسرائيل دون إن تقدر طبيعة الرد الإسرائيلي وحجمه مرتبط بتاريخ الحركة. فقد قامت حماس في السابق، والتي تأسست عام ١٩٨٨، بالكثير من العمليات العسكرية ضد الإسرائيليين دون إن تكون في السلطة أو في مواقع القيادة. كانت حماس تكتفي بتفجير كبير أو بعملية انتحارية في وقت حرج في تل أبيب أو القدس مما يساهم بمجيء اليمين الإسرائيلي إلى الحكم والذي يقوم بدوره بعد ذلك بتدمير عصب المقاومة الفلسطينية الذي كانت تقوده وتمثله حركة فتح والسلطة الفلسطينية وياسر عرفات. فهذا ما وقع في أواسط التسعينات مع فوز نتنياهو بسبب عمليات حماس، وهو ما وقع بعد الانتفاضة المسلحة عام ٢٠٠٠ حتى ٢٠٠٢، بعد فوز شارون كرئيس للوزراء. هكذا مع الوقت اعتادت حماس دعم المتطرفين في الطرف الآخر دون إن تقصد ثم تمارس الاختباء تحت الأرض بعد عملياتها الشهيرة في تل أبيب ومواقع أخرى في إسرائيل(خارج الضفة وغزه) لتترك عرفات وفتح في الميدان يتلقون نتائج الانتقام الإسرائيلي المدمر. لقد انتهى أمر هذا التكتيك إلى إضعاف فتح وسلطة عرفات كما حصل أساسا في اجتياح الضفة الغربية عام ٢٠٠٢ من قبل شارون. وقد أدى هذا التكتيك الحمساوي مع الوقت إلى تنامي سلطة حماس التي انتقلت إلى تشكيل حكومة بعد فوزها في الانتخابات عام ٢٠٠٦، ثم إلى اخذ غزه بالقوة وطرد حركة فتح منها بعد اعتقال المئات وتصفية المئات من أعضاء حركة فتح عام ٢٠٠٨. ولكن هذا التطور وضع حماس في فوهة المدفع والبركان في مواجهة إسرائيل. ولكن حماس لم تنتبه إلى إن امراً كبيرا قد تغير.
في هذه الحرب نجد إذن إن حماس تقوم لأول مرة بتحمل مسـؤولية السلطة السياسية والمقاومة بنفس الوقت. هذا الوضع وضعها في تناقض كبير بين منطق السلطة ومنطق المقاومة. وهل هناك تناقض سيقع قريبا بين الاثنين: منطق السلطة والحكومة المسـؤولة عن الناس في غزة أو منطق المقاومة التي لا تريد تحمل مسؤولية أعمالها وحروبها؟ لهذا شكل قيام حماس بعدم تجديد الهدنة وإطلاق صواريخ القسام منذ حوالي ثلاثة أسابيع بداية الوقوع في فخ كبير نصبته إسرائيل للحركة في ظل و ضع دولي وعربي منقسم وإدارة امريكيه انتقاليه.
أما المشكلة الأخرى في هذه الحرب فهو التحريض الذي تم توجيهه إلى مصر العربية. فهذه أول مره يخوض الفلسطينيون معركة كبرى ومصيرية وهم على خلاف مع مصر وبلا غطاء مصري. هذا التناقض مع مصر تتحمل حماس مسؤوليته كما انه انعكاس للتناقض بين حركة الإخوان المسلمين في مصر والنظام في مصر، وانعكاس أيضا للتناقض الإيراني المصري في هذه الفترة. إن مصر لم تتعرف علي القضية الفلسطينية منذ أسبوع. فمصر قاتلت في حرب فلسطين عام ١٩٤٨ و قامت بثورة كبرى بسببها عام ١٩٥٢، ودخلت حروباً متتالية ضد إسرائيل في عام الأعوام ١٩٥٦، ١٩٦٧، حرب الاستنزاف عام ١٩٦٩-١٩٧٠، وحرب ١٩٧٣، وقد استمرت مصر باستمرار بلعب دور متوازن ودور بناء في القضية الفلسطينية. فهي من الدول العربية التي لم تحاول احتواء العمل الفلسطيني أو اغتيال قادته أو مصادره قراره المستقل أو التخلي عن المسؤولية تجاهه ودفعه للمغامرة. حتى في زمن بدايات اتفاق السلام الإسرائيلي المصري، كانت مصر الدولة التي سعت لإعادة بعث القضية الفلسطينية بعد حصار بيروت وطرابلس عام ٨٢ و٨٤. إن المتابع يعلم جيدا عدد المرات التي أتى رئيس المخابرات المصرية عمر سليمان إلى غزة ليتوسط ويحل مشكلات كبيرة ويساهم في تفادي كارثة كالتي نراها اليوم. إن استعداء مصر عنى عمليا خسارة حماس الرافد الأهم في المعركة.
هكذا نتساءل كيف تخوض حماس حربا ضد عدو بقوة إسرائيل ونظاميتها وانتقاميتها بقيادة منقسمة (ضد فتح)، وعمق ضعيف على حدود مصر (ضد مصر)، وإمكانيات محدودة، وتخلي إيراني وسوري في اللحظات الاخيرة، ثم تتوقع إن تحقق نصرا؟ إن ما وقع في حرب غزه يعبر عن طفولة سياسية من جانب حماس في فهم العالم وفي فهم طبيعة العدو الذي تقاتله.
إن التكتيك الإسرائيلي هو الآخر قد اختلف في هذه الحرب عن حرب عام ٢٠٠٦ مع حزب الله. فحرب غزه استهدفت المدنيين لكسر معنويات حماس، وقد كان واضحا قبل الحرب لأي قارئ متابع إن الثمن المدني سيكون كبيرا، فإسرائيل أرادت إن تضع حماس في وضع تفشل من خلاله في تأمين الوضع الصحي والطبي والأمني والإنساني والغذائي. بنفس الوقت سعت إسرائيل لعدم المجازفة في دخول الأبنية الكثيرة، مما عنى تدمير اكبر للابنيه والمناطق وذلك لتفادي الخسائر . هكذا هذه الحرب حرب نيران ومدافع وتدمير هدفها إظهار ضعف حماس االاداري والسياسي والقيادي وبنفس الوقت تلافي الخسائر الاسرائيليه وهذا عكس ما حصل في حرب لبنان عام ٢٠٠٦ ضد حزب الله.
الأمر الآخر في التكتيك الإسرائيلي هو عدم السماح بأية اهتزاز في العلاقة الاسرائيلية مع الولايات المتحدة. لهذا جاءت الحرب في وقت انتقال الاداره الامريكيه من بوش إلى اوباما، إذ ستنتهي هذه الحرب قبل ساعات أو أيام من تسلم اوباما مقاليد الحكم في العشرين من يناير ٢٠٠٩. وستكون إسرائيل مع ذلك اليوم قد حققت الكثير من أهدافها في غزه.
إن الهدف الأساسي هو تحييد صواريخ القسام أو أية تهديد عسكري يأتي من الجبهة الجنوبية. والهدف الثاني هو منع حماس من الحصول على السلاح عبر الأنفاق. إذ ستقوم إسرائيل باحتلال كافة المناطق المتاخمة لمصر، وستكون إسرائيل قد أضعفت حماس شعبيا وسياسيا وإداريا ونفسيا اضافه إلى أنها دمرت البنى التحتية لغزه، كما إن قيادة حزب كاديما والعمل الإسرائيليين قد عززا موقفهم الانتخابي للفوز في الانتخابات القادمة في فبراير وفوتا الفرصة على الليكودي نتنياهو. وفوق كل شيء ستكون إسرائيل قد عززت الخلاف بين غزه والضفة الغربية إلى ابعد الحدود لأنها في الجوهر لا تريد شعبا فلسطينيا موحدا يفاوضها على حقوق الفلسطينيين ودولتهم المستقلة، بل تريد شعبا منقسما على نفسه. وفوق كل هذا أرسلت إسرائيل من خلال غزه رسالة للشمال ولحزب الله بأن تكتيكها في المرة القادمة سيكون مختلفا.
وفي نهاية الحرب بإمكان حماس إن تقول أنها انتصرت في الحرب لأنها بقيت في السلطة. فهي الأخرى أنشأت نظاما عربيا وهذا ما تقوله الانظمه العربية بعد إن تقع كوارث كبرى مهما كان الثمن الذي يدفعه السكان والمدنيين. فحتى اليوم سياسيونا وقادتنا ليسوا معنيين بأرواحنا. هكذا ستكون غرابة هذه الحرب إن كل طرف سيقول انه حقق أهدافه. ستقول حماس أنها صمدت وان بنيتها لم تمس وأنها لم تخسر سوى بضعة مقاتلين وستقول إسرائيل أنها حققت كل أهدافها. سيبقى السؤال الكبير في ظل هذا الواقع القاسي: ماذا يريد الشعب الفلسطيني وهل ينجح في إيجاد قيادة فلسطينية جديدة مختلفة في التفكير والأسلوب تأخذه بعيدا عن المغامرة الشاملة أو التنازل الفوضوي، لا بد من طريق فلسطيني ثالث من بين الركام ينقذ القضية الفلسطينية من نفسها ويحمي ارث الشهداء الذين سقطوا في هذه الحرب وفي الحروب السابقة، كما يمنع تكرار كارثة بهذا الحجم.
أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت
عن حرب غزة المؤسفة
ماهو السبب فى الصمت العربى والتكتيم العالمى على جرائم اسرئيل وغلا ق المعابر والموت والدمار فى غزة
فتح معابر قطاع غزة
من السبب في اغلاق معابر غزة من هم الضحية
عن حرب غزة المؤسفة
هذه حرب مغزية الله لايرجعها سببها الله أعلم هل بمساعدة حماس او فتح