يشكل العنوان السوري منذ عامين ونصف محور استقطاب في لبنان، بين مؤيد للحراك الشعبي او العسكري ضد “النظام”، وآخر مدافع عنه او عن رئيسه بشار الاسد، وزاد هذا الاستقطاب الشروخ السياسية والمذهبية، واستنفرت العصبيات الى حدّ غير مسبوق، حتى بات لبنان يعيش حربا اهلية تشتعل في النفوس، وربما على وشك ان تشعل الميدان اللبناني من شماله الى جنوبه. حتى اليوم يبدو ان احدا من المحاور الاقليمية والدولية المتصارعة في المنطقة، لا يريد لهذه الحرب ان تقع، فلبنان يحتاج الى قرار بتمويل حربه الداخلية، لتصبح امرا واقعا. تجار الحرب جاهزون، لكن المشكلة في الممولين اليوم. فالحرب تحتاج الى طرفين مستعدين ومتحفزين، في الحدّ الادنى، لخوضها، يمتلكان القدرة على الاستمرارية في القتال، والقدرة على ضخ المال والسلاح من دون كلل. هذا ليس متوفرا في لبنان، على الاقل لجهة القدرة على التمويل وعلى توفير السلاح والذخيرة لآماد طويلة لاحد طرفي الصراع.
تجارة الحرب في سورية اليوم رائجة، وعلى رغم التنابذ الذي تحدثه الازمة السورية، على المستوى اللبناني، سياسياً واجتماعياً، الا ان ذلك لم يمنع من رواج اشكال متعددة من كسب الاموال والثروات بشكل مشروع حيناً وغير مشروع في كثير من الاحيان، فما تفرقه السياسة تجمعه الاعمال والمصالح والارباح. ولطالما كان تجار الحروب ومقتنصو فرص الربح المادي غير المشروع، اكثر الناس انسجاما في ما بينهم على رغم انتماءاتهم السياسية او الطائفية المتنابذة، هذا ما تقوله تجارب الحروب اللبنانية على اختلافها، فبعد كل حرب تبرز فئة في المجتمع يطلق عليها لقب “اغنياء الحرب” وهذه الفئة موجودة على مختلف جبهات الصراع، والاكثر قدرة على التواصل في ما بينها، وفي احيان كثيرة تشكل مصدراً من مصادر تمويل المجموعات المتقاتلة.
هذا ما يحصل في سورية اليوم، وفي البعد اللبناني تنشط عمليات التهريب بشكل نوعي يتجاوز ما اعتادت عليه البلدان في ايام السلم، يجب الا يفاجأ اللبنانيون ان في العديد من الغرف المغلقة، ثمة ترتيب صفقات تهريب بين البلدين. فخلال العام الماضي، جرى اخراج كميات كبيرة من الذهب والاموال من داخل سورية الى لبنان، ولعل القانون الاخير الذي صدر قبل اسابيع قليلة عن الرئاسة السورية، بالتشديد على عقوبة نقل الذهب والعملات الى خارج البلاد، من المؤشرات الى النشاط في هذا المضمار. هذه التجارة غير المشروعة ليست حكرا على طرف دون اخر، قريبون قريبون من حزب الله غارقون في هذه التجارة، و من قوى 14 اذار ايضا. والتنسيق على هذا المستوى بينهما شفاف وناجح ما دامت المنافع موجودة وموزعة بالعدل بين الطرفين، وليس نقل مادة المازوت الى سورية قبل اشهر الا وجها من وجوهها. وبات معلوما ان التهريب لم يعد حكرا على الذهب والدولار، فحتى بعض المقاتلين من حزب الله في سورية، دخلوا في هذا المضمار، وعشرات الالاف من اجهزة الاتصال الخلوية المهربة الى لبنان على سبيل المثال لا الحصر تنقل على دفعات في اتجاه سورية عبرهم، وبات عناصر حزب الله يشكلون نقطة جذب لعدد من المهربين من اجل نقل ماخفّ حمله وغلا ثمنه من سورية الى لبنان وبالعكس.
واذا كان دخول وخروج المئات من مقاتلي حزب الله يوميا الى سورية، فتح بابًا جديدًا لنقل المهربات في الاتجاهين وعلى اكثر من مستوى، فهو يغري الكثيرين من السوريين واللبنانيين، باستثمار هذا الخط غير المراقب من خارجه، ويدفع البعض الى السعي لاعتماده بسبب ما يوفره من ضمانات امنية، فان خطوط التهريب الاخرى تبقى عرضة للخطر، ولصراع النفوذ بين جهات مختلفة، ولعل ما يشهده البقاع اليوم بين بعض عشائره، يتصل في الدرجة الاولى في الصراع على السيطرة على مناطق التهريب ومعابره وخطوطه بالدرجة الاولى والاخيرة. وبعض النافذين على هذه الحدود في البقاع الشمالي، باتوا يلمسون تبدلا في النفوذ في خارطة التهريب، وتراجعًا للمكاسب لدى البعض وازديادًا لها لدى البعض الاخر، وهو ما يسبب الى جانب البعد الامني والسياسي، قتالاً وتصفيات جسدية، او مصالحات مكللة بمغانم الحرب.
alyalamine@gmail.com
إعلامي لبناني
البلد