اذا كان هناك من نجاح لقمة دمشق الاخيرة، فهو في الخطوة الملموسة التي سجلتها نحو بلورة الانقسام العربي الراهن. بين القطبين العتيدَين: الممانعة والاعتدال. لا برودة وزير الخارجية السوري، وليد المعلم؛ ولا اللغة المنمّقة للاعلان الختامي ولا اللهجة الإنتصارية لرئيسها وللفضائيات المتعاطفة معه… كل هذا لم يخف الانقسام، بل عبّر عن تأجيجه.
نقطة خلافية سخيفة بين الاكثرية اللبنانية، وبين «المعارضة»، مثل انتخاب رئيس الجمهورية قبل او بعد تأليف الحكومة وإقرار قانون انتخابي جديد: هذه النقطة المحلية، التافهة بامتياز، صارت ملخصاً لهذا الانقسام، او مفجّراً له. من يكون مع انتخاب الرئيس مباشرة دون قيد او شرط، هو القطب المعتدل؛ ومن لا يقبل بأقل من سلة واحدة متكاملة، رئيساً وحكومة وقانون انتخاب…، يكون مع قطب الممانعة.
اذاً قطبان. ورؤية الممانع العضوي لهذه الدنيا هي: انها، اي الدنيا، ليست بالكمال المطلوب؛ فلندمّرها. في هذا القطب تعشعش بقايا دين وبلشفية وشعبوية وقومية، في خليط عجيب من الجذرية المبسّطة والتقليدية المتصوّرة. جبهة الممانعة غير المرئية تخترق كل الحدود الوطنية؛ لا تقيم لها وزناً، ولا بطبيعة الحال، قدسية. فالقدسية لمقام آخر. تستخدم الحدود الوطنية وتنتهكها. مشروع الممانعة جذاب، خاصة للشباب الباحث عن تفريغ طاقاته. وهو يغرف معظم قوته من بطش الاعداء وعدوانيتهم وعدم اقرارهم بالحقوق المشروعة. هؤلاء شر مطلق وواجب المقاوم الاسمى قتلهم ليس إلا.
قطب الاعتدال ليس بالقوة نفسها. الاميركيون لا يساعدونه. والاسرائيليون، مثل القطب الممانع، لا يريدون السلام، او لا يقدرون عليه. ما يفرّغ دعوته للسلام من مضمونها. وهذا القطب الموصوف بـ»العميل» للاميركيين والاسرائيليين من قبل القطب الخصم، يدعو الى دولة ومؤسسات وشرعية وقانون، فضلا عن الاستقرار. ونقطة الصعف الرئيسية لديه انه لا يقدم ما يحقق تقدما او مجرد حركة. بل جلّ ما في جعبته هو المحافظة على الوضع الراهن، على التخفف من آثار الزلزال الحاصل. ففي حين تبدي اسرائيل سلبية واضحة تجاه السلام، أو تنبت عشرات المستوطنات في القدس والضفة بعد مؤتمر انابوليس… لا يجد هذا القطب غير الاستمرار بطرح مبادرة السلام العربية بانتظار ان تنفذ اسرائيل كافة التزاماتها. أو: هل يصدق نفسه الرئيس الفلسطيني محمود عباس عندما يقول بأنه واثق من الوصول الى الحل الشامل في نهاية عام 2008؟ هل يصدق نفسه ورايس الى جانبه وهي بالكاد استطاعت اقناع اسرائيل بازالة عشرات السواتر الترابية في الضفة الغربية، فيما لا تشكل هذه السواتر غير 10 في المئة من الحواجز الاسمنتية القائمة فيها؟ هل هناك فعلا ما يدعو الى كل راحة البال هذه؟
نقطة اخرى: انظمة الاعتدال الداعية في ادبياتها الى الشرعية والدولة والقانون، لا تملك في الواقع أدواتها. «الاهل» هم الحاكمون وقانونهم هو القائم. لا محاسبة ولا مكاشفة ولا مصارحة، ولا تجسيد لهذه الادبيات. واقل نماذج هذا القطب سوءاً النموذج اللبناني المنخور بالتوريث والتسلّط الطائفي والفساد وغياب القانون. بل السياسيون يجددون لأنفسهم ولأهلهم. والسؤال المطروح على هذا القطب: كيف يستطيع ان يقنع المواطن بالدولة والقانون طالما ما من دولة وما من قانون قائمين. واصحاب الدولة ليسوا بأصحاب دولة او مؤسسات او قانون، بل لا يقوون الا بضعفها.
كل هذا لا يعفي القطب الممانع من هذه الآفات: انظمة واتجاهات ومجموعات فاسدة تسلطية وتوريثية؛ تسخّر مؤسسات الدولة القائمة لمشاريع دويلات امنية مقاومة تتدرّب على القتل والمراقبة والتخويف.
القطبان يشبه واحدهما الآخر. نفس الشحّ السياسي. نفس اللسان الموارب. نفس الحكام. حالة من الموات السياسي سمحت لطامع آخر، غير اميركا واسرائيل، بخرقنا وشقّنا. فنحن بعد صعود ايران في طريقنا الى ان نصبح معسكرين: واحد لا يغريه هذا الصعود ويرفضه، فيرميه الآخر اوتوماتيكيا في احضان العمالة والجاسوسية والصهيونية؛ اذ كيف لنا ان نرفض اليد الممدودة التي تريد ان تساعدنا على «إزالة اسرائيل» من غير ان نكون بذلك خونة؟ وهذا الصنف الآخر يحمل الشعلة التي كان الاتحاد السوفياتي يتصدّر حملها والآن تسلمتها ايران.
ماذا تريد ايران من العالم العربي؟ ما كانت تريده سورية من لبنان ايام الوصاية: ساحة. ورثت ايران قيادة هذه الساحة. وتريد تعميم هذا المفهوم على بقية البلدان العربية. النموذج اللبناني، المعطوف على النموذج العراقي حيث ذهبت ايران الى حدّ تمويل فصائل شيعية مسلحة متعادية: جيش المهدي والمجلس الاسلامي الاعلى وحزب الفضيلة؛ فضلا عن الحكومة نفسها! فكأنها تراهن على عدة احصنة. لا بد ان يفوز احدها. وبعد ذلك يقولون: لا انقسام طائفي! هذا اختراع اميركا واسرائيل!
ان اية بقعة من البقع العربية المريضة هي عرضة للتسلّل الايراني؛ حيث يوجد المذهب نفسه اولا. حيث ابناء المذهب اقوياء بفضل مالها، وحيث تمدّ ايران وتدعم. بعد «حزب الله» و»إنتصاراته» في لبنان، ها هي الكويت، وتأبين القائد الأمني لـ»حزب الله» عماد مغنية. وكأن تفجيرا قد حصل لا يريد مؤبّنو مغنية إخماده. هم ليسوا اكثر من نائبين سابقين؛ وها هم اقوياء، واثقون، ما يشجعهم عل رفع 85 دعوى قضائية ضد اقلام انتقدتهم. وهات على سجال من الآن فصاعداً، شبيه بالسجال اللبناني والفلسطيني. ايضا: الصدى الخافت للبحرين في نفس حفل التأبين الذي مرّ بضجة اقل. فكان مجرد فتيل.
اما حيث لا عقيدة دينية واحدة، فتجد العقيدة السياسية: الاسلامية المسلحة، او الراغبة بالتسلح لقتل الاعداء. «حماس» طبعا في فلسطين، والحوثيون في اليمن. او سرعة وتيرة تحول «الاخوان المسلمين» في الاردن من دعم الزرقاوي الى دعم المحور الايراني السوري؛ خاصة تيار «حماس» داخل اخوان الاردن. وكذلك في مصر حيث التعاطف والمحاكاة والانسجام المتعدد الاوجه بين ايران وبين اكبر قوة معارضة للنظام ، اي «الاخوان المسلمين»، ناهيك عن بؤر تشيع في غير بقعة عربية.
«الهلال الشيعي»: هكذا وصف ملك الاردن عبد الله ابن الحسين المشروع الايراني. والأسلم: «الهلال الفارسي»: عقيدته دينية شيعية، وسياسته قتل العدو. ولهذا المشروع من القوة ما يكفي، ولغريمته العربية من الموات ما يسهّل شقها، وبالعنف غالبا. ومن دون ان يكون ردّها على هذا الشقّ ناجعا. يكفي النظر الى اعلان دمشق، «المنتصر»، والذي لم ير في ديناميكية ايران العدوانية الا الجزر الاماراتية الثلاث التي تحتلها؛ وبعبارات رخوة تتوسل المزيد من العدوانية. وبالمقابل، ردّ وزير الخارجية الايراني منوشهر متكي على هذه المطالبة باعادة تأكيده على الهوية الفارسية لهذه الجزر، وبدعوة العرب الى الاهتمام بفلسطين بدل ذلك! آه يا فلسطين، كم هي بائسة، وقد اصبحت حصان طروادة لكل طامع من «إخواننا».
الفكرة العائدة الآن في الاوساط العربية ان اميركا هي التي حولت ايران الى قوة تهدّدنا، بعدما غزت العراق. هي اميركا التي تسببت بتسلم ايران شعلة جبهة المقاومة ضدها. جورج بوش الابن، بسياسته الخرقاء، هو الذي بنى بيديه المحور الايراني القوي والحيوي حتى الآن. وخطورة الفكرة انها، وللمرة الالف، تنزع المسؤولية عن العرب انفسهم، وتضعها على عاتق غيرهم؛ فيسهل بذلك شقهم.
dalal.elbizri@gmail.com
* كاتبة لبنانية- القاهرة
الحياة
… عن «الهلال الفارسي» والموات العربي الشامل
لااعرف لماذاصارت اكثر النا س تستعمل المفردات الفربيه عن ديننا الحنيف كالاصوليه او الشرنقه لقد زرعوا عندنا هذه المصطلحات لكي نؤيدهم في مزاعمهم ونسي مواطنونا ان عند الفربيين كثيرا من الاحزاب الدينيه ولها ناسها ومدافعين عنها ولااحد يقول عنها اصوليه دينيه او شرنقه ولكن يقولوا حرية تعبير وكل عمل بالانتخاب – وهناك صرعة اخرى ظهرت الان على الساحه وهي = كلما وجدنا انسان علماني -وثني – لايحمل مبدا ديني ويحمل بعض الكلام الفلسفي نسميه الجرئ جرئ على ماذا – حتما القصد منه الجرئ على الدين الذي هو سياجنا وسياج الامه -نسال الله العافيه والسلام
… عن «الهلال الفارسي» والموات العربي الشامل
مقال رائع. نعم المليشيات الطائفية الايرانية الارهابية هي التي احتلت العراق ودمرته وقتلت وشردت الملايين بالاتفاق مع امريكا.(اميركا هي التي حولت ايران الى قوة تهدّدنا، بعدما غزت العراق. هي اميركا التي تسببت بتسلم ايران شعلة جبهة المقاومة ضدها. جورج بوش الابن، بسياسته الخرقاء، هو الذي بنى بيديه المحور الايراني القوي والحيوي حتى الآن. وخطورة الفكرة انها، وللمرة الالف، تنزع المسؤولية عن العرب انفسهم، وتضعها على عاتق غيرهم؛ فيسهل بذلك شقهم).
… عن «الهلال الفارسي» والموات العربي الشامل
انه الفكر الاصولي الذي تحدث عنه الاستاذ فاخر السلطان ، وهذا الفكر غير مقتصر علي الاصولية الشيعية فقط ، فالاصولية النية اشد خطرا وفتكا ، يكفي انهم موات كما قلتي .
علي العرب تحديث افكارهم ومعتقداتهم لكي يخروجوا من الشرنقة التي يعيشون
اتمني لكي الازدهار
ودام قلمك
… عن «الهلال الفارسي» والموات العربي الشاملمالذي كان سيضر النظام السوري لو ابتلع خروجه من لبنان بهدوء و سهل انتخاب رئيس له لتخلص من هذه البؤره و اعطاء درس للعالم ان العرب ليسو محتلين لأراضي غيرهم مما يعزز مطالباتهم بخروج الآخرين من ديارهم . الم يكن التفرغ مع بقية المعتدلين للتصدي للقضايا الرئيسية سلما اجدى لمعرفتنا ان لا احد سيحارب لا من المعتدلين ولا من الممانعين اما التهويش الذي يقوم به الحزب الإلهي و جماعات الرفض الأخرى فهي من تدخلات ايران لإختطاف قضايانا و مقاضيتها مع الامريكان عن طريق حزب الممانعة الذي لن يقدم على شيء جدي يغير الخارطة لمصلحته… قراءة المزيد ..