يوسف سيدهم
حيلة ماكرة أصبحت مألوفة يتبعها كل من تسول له نفسه الاستيلاء على أرض لا يملكها هي الادعاء بأن الأرض سوف يقام عليها مسجد أو مصلى أو معهد أزهري، ولا يهم أن جميع الفتاوى الصادرة عن الأزهر تنهي عن ذلك وتقول بوضوح إن إقامة مسجد أو مبنى ديني على أرض مغتصبة لا تجوز ولا تقبل منها فروض التعبد والصلاة، فالواقع يشهد أن من يلجأ إلى تلك الحيلة ينجح في إرهاب السلطات المسئولة ويشل حركتها ويمنعها من القيام بدورها في إرجاع الأرض المغتصبة إلى أصحابها.
بالأمس القريب تفجر نزاع على قطعة أرض مملوكة لكنيسة بعقود وأوراق موثقة، لكن الأرض تقع بين مبنى الكنيسة وبين مسجد مقام بجوارها. ومع مرور الأيام احتاج المسجد أن يقيم مظلة مؤقتة في الأرض المملوكة للكنيسة كل يوم جمعة لاحتواء جموع المصلين الذين يتوافدون عليه للصلاة. وتقبلت الكنيسة الأمر بصدر رحب ومحبة ولم تشك أن استضافتها للمصلين التابعين للمسجد في الأرض الفضاء المملوكة لها سوف تنقلب عليها في المستقبل. وللأسف هذا ما حدث فقد سال لعاب القائمين على المسجد، وإذا بهم فجأة يشرعون في إقامة بناء امتدادا دائما لمبنى المسجد على أرض الكنيسة (!!)… وثار على أثر ذلك نزاع وتفجرت مشاحنات بين الجانبين حول ما لا يختلف عليه أحد أنه اعتداء سافر على ملكية الكنيسة. واعتقد الجميع أنه سرعان ما تتدخل السلطة المسئولة وتعيد الأمور إلى نصابها الصحيح ويتم ردع المعتدين. لكن الكارثة التي عقدت جميع الألسنة والتي لا تزال ماثلة آثارها حتى اليوم كانت تدخل السلطة المحلية والسلطة الأمنية -دونا عن السلطة القضائية!!- وقيامهما بالضغط على الكنيسة وإجبارها على بيع قطعة الأرض التي تملكها للمسجد واعتبر الجميع أن ذلك هو الإجراء السليم الذي يتخذ حقنا للدماء وصونا للسلام الاجتماعي!!! ولم يتوقف أحد قلقا على خدمة القانون ولا على ترك المعتدي يجني ثمار اعتدائه!!! ولم يفطن أحد إلى الدور الذي تمارسه السلطة عندما تتحول إلى ذئب يرتدي رداء الحملان!!!
لذلك ليس بالغريب أن تتكرر مثل هذه الكارثة بين الحين والآخر. وأحدث الأمثلة على ذلك القضية التي نشرت ”وطني” تفاصيلها المؤسفة المخجلة الأسبوع الماضي في متابعة لما سبق لها أن نشرته في مستهل هذا العام… قضية تشريد 29 أسرة فقيرة تسكن عزبة حنا أيوب -مركز ملوي-المنيا، حيث دخلت القضية منعطفا خطيرا بتدخل اللواء فؤاد سعد الدين محافظ المنيا واغتصابه صولجان العدالة لنفسه وفرضه سياسة الأمر الواقع دون انتظار كلمة القضاء في النزاع على الأرض…
وأعود لأقول إننا أمام مثال صارخ لسلطة ترتدي رداء الحملان وتتقمص دور رسول السلام محتكر الحكمة الذي يدخل لفض الاشتباك بين مجموعتين من الأشقياء، بينما الواقع والحقيقة يشهدان أن السلطة بذلك تستسلم للمعتدي على حساب الضحية وتساوي بينهما!! فما قصة عزبة حنا أيوب وماذا فعل محافظ المنيا بها؟
عزبة حنا أيوب في تخوم مركز ملوي بمحافظة المنيا تسكنها أغلبية مسيحية منذ أكثر من نصف قرن وهي مجموعة من الأسر الفقيرة التي كان أسلافها يعملون في فلاحة أرض السيدة روزة حنا أيوب مالكة الأرض التي تحمل العزبة اسمها حتى اليوم. وقبل وفاتها قامت بمنح أولئك الفلاحين مساحة قدرها عشرون قيراطا عبارة عن مستنقعات غير صالحة للزراعة فقاموا على امتداد عشر سنوات بردمها بالجهود الذاتية وبناء منازل عليها سكنوا فيها… وعندما استولى الإصلاح الزراعي على أرض السيدة روزة عام 1961 قام الفلاحون بمخاطبة هيئة الإصلاح الزراعي بغية شراء الأرض فكان رد الإصلاح أنه لم يضع يده على الأرض بعد وعندما يتم له ذلك سوف يقوم بالإعلان عن بيعها بالمزاد العلني ويمكنهم التقدم لشرائها في حينه.
لم يف الإصلاح الزراعي بما قاله للفلاحين واستمروا يعيشون هم وذريتهم على الأرض التي ردموها وأقاموا منازل عليها وتحمل اسم السيدة التي وهبتها إياهم، حتي فوجئوا عام 2004 بشخص يدعي السيد طاهر عبد الحفيظ سطوحي وهو رئيس الجمعية الخيرية الإسلامية في الناحية يستصدر قرارات بطردهم من الأرض وهدم منازلهم وتشريدهم بحجة أنه اشترى أرض العزبة من الإصلاح الزراعي ويرغب في إخلائها لإقامة معهد ديني أزهري عليها… وهرع السكان للإصلاح الزراعي غير مصدقين أن البيع تم في الخفاء دون الإعلان عن المزاد العلني ليكتشفوا أن ذلك تم بالفعل فأسرعوا إلى القضاء متظلمين من تنكر الهيئة لحقهم الأصيل ناهيك عن تشريدهم هم وأسرهم وأولادهم.
وبينما الأمر منظور أمام القضاء سعى الفلاحون قاطنو العزبة إلى كافة السبل وشتى المسئولين لاحتواء المشكلة ورفع سيف الظلم المسلط على رقابهم. وبفضل تدخل الدكتور مصطفي الفقي لدى محافظ المنيا، قبل المحافظ أن يلتقي بهم ليسمع شكواهم… لكن للأسف الشديد لم يلتق بهم المحافظ للتعرف على مظلمتهم أو للاطلاع على الأوراق التي تؤصل حقهم أو لبحث كيفية درء الكارثة المحدقة بهم، إنما تفضل بلقائهم لإبلاغهم أنه قرر -لوضع حد للصداع الذي يسببونه له -أن يحسم الأمر بعدم الانحياز لهم ولمساكنهم ولا للمالك الجديد ومعهده الأزهري. لذلك قرر أن يقوم هو (المحافظ) بشراء الأرض من الإصلاح الزراعي -كيف؟ وقد بيعت للسيد سطوحي؟ لا أحد يدري -ليقيم عليها مدرسة!! وصرخ الفلاحون: ونحن أين نذهب؟ وهل يتم تشريدنا دون إعطائنا بديلا نسكن فيه؟ فكان رد المحافظ الذي ارتدي رداء الحملان وتاج الحكمة وأمسك بصولجان العدالة: هذا ليس شأني!!!
وأنا إذ أقول بئس هذه العدالة التي تقبل أن تعصف بسلام واستقرار الأبرياء. أقدم هذه الكارثة -ولا أقول القضية- لكافة منظمات حقوق الإنسان لتتدخل بسرعة قبل تشريد 29 أسرة من عزبة حنا أيوب بدعوى إقامة معهد أزهري وقبل أن يفتك بهم محافظ يرتدي رداء الحملان.
عندما ترتدي السلطة رداء الحملان!!
يجب على الأهالى عدم ترك ديارهم مهما كانت الاسباب حتى لو وصل الامر لإمتزاج دمائهم بطينها الطاهر و عليهم الصمود فى وجه هؤلاء المتجبرون .
أما السادة منظمى موائد الوحدة فعليهم التحرك لإنقاذ هؤلاء المقهورون . أو التعاون معهم لتسديد ما يطلب منهم مقابل إستغلال تلك الاراضى الزراعية لتسد الافواه الجائعة لحقوق الآخر . غيورة القبطية