لاهور- “الشفّاف”
السلطات الباكستانية المعنية تصف هجوم 30 مارس الإرهابي على كلية الشرطة في “لاهور”، عاصمة البنجاب، الذي أسفر عن مقتل 10 من رجال الشرطة، بأنه أول عملية “فدائية” جهادية في باكستان منذ هجمات 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة.
ويقول المحقّقون أن الهجوم كان في الواقع “عملية فدائية” نفّذتها جماعة “تحريك طالبان” الباكستانية بموجب إستراتيجية جديدة ترمي إلى إلحاق أكبر أضرار ممكنة، بعكس العمليات الإنتحارية. ويضيف المحقّقون أن الفرق بين “الفدائي” و”الإنتحاري” دقيق. فالهجوم “الفدائي” ليس هجوماً إنتحارياً، بل إنه هجوم من نوعٍ آخر يقوم بموجبه مجاهد مسلّح تسليحاً ثقيلاً بالتسلّل إلى هدفه ليبدأ بإطلاق النار ورمي القنابل ويظل يقاتل حتى الموت.
ولا يؤمن المهاجم “الفدائي” بتفجير نفسه بل إنه يقاتل حتى النهاية، وغالباً ما يشنّ هجمات في أوضاع صعبة يكون موته فيها محقّقاً. ويقول المحقّقون أنه يُفتَرَض بـ”الفدائي” أن يسعى للفرار بعد إنجاز مهمّته. والواقع أن العمليات “الفدائية” في باكستان كانت، حتى الآن، قد اقتصرت على مجاهدي “جيش محمد” بقيادة “مولانا مسعود أزهار”، وجماعة “عسكر طيبة” بقيادة “حافظ محمد سعيد”، أي أنها اقتصرت على الجماعتين اللتين تنشطان في “جامو وكشمير” منذ العام 1989 بهدف معلن هو وضع حدّ للإحتلال الهندي.
وتوصّل المحقّقون إلى تعيين هوية العقل المدبّر للهجوم على كلية الشرطة، وهو “قاري حسين محسود”، وهو أحد مساعدي زعيم “تحريك طالبان” الباكستنية، “بيت الله محسود”، وهو زار شخصياً موقع الهجوم قبل أن يعتمده كموقع للعملية الفدائية. وحسب أوساط المحققين، فقد اعترف أحد الإرهابيين الذين اعتقلتهم قوى الأمن خارج كلية الشرطة أثناء العملية، ويدعى “هجرة الله”، أو “نديم أصغر”، أنه يعمل تحت قيادة “قاري حسين محسود”.
ويُذكَر أنه سبق لـ”بيت الله محسود” أن عيّن “قاري حسين محسود” خليفةً له في حال مقتله، وأن “قاري” مشهور كمدرّب للإنتحاريين. ويقول المحقّقون أن ثلاثة إرهابيين فجّروا أنفسهم داخل كلية الشرطة في “ماناوان” يوم الإثنين الماضي حتى يتجنّبوا الوقوع في الأسر كانوا قد تلقّوا تدريباً إنتحارياً على يد “قاري حسين محسود” في معسكر التدريب التابع له ويقع في منطقة “سبنكاري راغزاي” من جنوب وزيرستان.
يضيف المحقّقون أن معسكر “سبنكاري راغزاي” للتدريب على العمليات الإنتحارية، الذي دمّره جيش باكستان في يناير 2008 بعد عملية عسكرية كبرى أطلِقَت عليها تسمية “زلزلة”، قد أعيد تشغيله بقيادة “قاري حسين محسود” بعد انسحاب الجيش من المنطقة في أعقاب الإنتخابات العامة التي جرت في 2008. إن “سبنكاري راغزاي” هي مدينة صغيرة في جنوب وزيرستان تقطنها قبيلة “محسود” الباشتونية. وكان الهدف الرئيسي لعملية “زلزلة” العسكرية هو إبعاد “بيت الله محسود” ومجاهديه الباكستانيين والأجانب من المنطقة. وقبل بدء العملية، كانت “سبنكاري راغزاي” مليئة بمجاهدي “تحريك طالبان” الذين يحظون بالدعم والمأوى من أهالي القرى المجاورة. وقُتِلَ في العملية العسكريكة العشرات من الجهاديين التابعين لـ”محسود”، ونجحت قوى الأمن في السيطرة التامة على المنطقة خلال 3 أيام.
وكان اختيار معسكر تدريب “سبنكاري راغزاي” ، الذي يديره “حسين قاري محسود” كواحد من الأهداف الرئيسية لعملية 2008 العسكرية قد نجم عن معلومات إستخبارية مفادها أن شباناً صغاراً لا تزيد أعمارهم عن 17 سنة يخضعون لعمليات غسل دماغ تجعلهم يتوقون إلى التوجّه لضرب أهداف واعتناق “الشهادة”. ويُعتقد أن “قاري حسين محسود”، الذي يتخصّص بتلقين الشبان الصغار ممارسةَ العنف بإسم الإسلام، قد أصبح المنظّر الأول لـ”طالبان باكستان” الذين يأتمرون بأوامر “بيت الله محسود”. وتسعى الأجهزة الباكستانية لإلقاء القبض عليه منذ مدة طويلة لمعرفتها بأنه الشخص الذي ربما كان مسؤولاً عن تدريب وتلقين أكبر عدد من الشبّان الذين نفّذوا هجمات إنتحارية في أنحاء البلاد.
جدير بالذكر أن تقارير سابقة كانت قد زعمت أن “قاري حسين محمود”، المعروف بتعصّبه ضد الشيعة وبعلاقاته الوثيقة مع جماعة “عسكر لنغوي”، قُتِلَ إبان عملية “زلزلة” في يوم 28 يناير 2008 بعد استهداف مخبأه بصاروخ. وكان الجيش قد شنّ الحملة في يوم 24 يناير 2008 بعد اجتياح موقعين عسكريين متقدّمين وشن هجمات ضد الحصون والقوافل العسكرية في جنوب وزيرستان. وفي حينه، أعلن الجيش مقتل “قاري” بموجب معلومات مفادها أنه التقط إتصالاً هاتفياً بين إثنين من قادة “تحريك طالبان” يؤكّد مقتله في العملية. وكان يُعتقَد في حينه أن آخر مركز تدريب يديره “قاري” كان في “كوتكاي” بجنوب وزيرستان، وقد دمّره الجيش أيضاً.
وكرّرالجيش مزاعمه في 18 مايو 2008، بعد دعوته وسائل الإعلام لزيارة معسكرات الإنتحاريين في “سبنكاي” بجنوب وزيرستان. ويقول الميجور جنرال “طارق خان”، قائد الفرقة 14 التي نفّذت عملية جنوب وزيرستان، أن المعسكر كان “أشبه بمصنع يسمح بتجنيد أطفال تتراوح أعمارهم بين 9 سنوات و12 سنة وبتحويلهم إلى إنتحاريين”. لكن، بعد أربعة أيام فقط، فاجأ “قاري حسين محسود” الجيش حينما ظهر في مؤتمر صحفي في مبنى مدرسة حكومية بجنوب وزيرستان مباشرةً بعد إعلان رئيسه “بيت الله محسود” أن “الطالبان” سيواصلون شنّ هجمات ضد قوات حلف الأطلسي في أفغانستان. وفي المؤتمر الصحفي، قال “قاري”: “أنا على قيد الحياة، أنظروا إلي”.
ردّاً على سؤال حول أهداف الهجوم على كلية “ماناوان”، يشير المحقّقون إلى إعلان “بيت الله محسود” مسؤوليته عن العملية في تصريح صدر أمس الثلاثاء وجاء فيه أن “الهجوم كان عملا ثأرياً ردّاً على الضربات التي تقوم بها طائرات أميركية بدون طيّار ضد شعبنا بالتعاون مع سلطات باكستان. إن هذه الهجمات ستستمر طالما استمرت باكستان في دعم الأميركيين”. وكان الهجوم على “ماناوان” قد وقع بعد 4 أيام من إعلان وزارة الخارحية الأميركية (في 25 مارس) عن جائزة بقيمة 5 مليون دولار لمن يدلى بمعلومات تسمح بإلقاء القبض على “بيت الله محسود” الذي وصفه الإعلان بأنه واحد من أبرز المتعاونين مع “القاعدة” في منطقة جنوب وزيرستان الخارجة على القانون.
amir.mir1969@gmail.com