إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
1ـ “عملية شُكر وهنية” على مدى حوالي 12 ساعة ومسافة تقل قليلاً عن 2000 كيلومتر ليست عمليتي إغتيال متتابعتين ناجحتين، بل ينبغي النظر إليها كعملية واحدة تمثل تغييراً استراتيجياً (بارعاً؟) من جانب إسرائيل التي قرّرت أن تستدرج إيران وتابعَها حزب الله، إلى مواجهة واسعة، “محدودة”، أو “شاملة”، الآن تحديداً!
2ـ تأتي “عملية شُكر وهنية” بعد حوالي 9 أيام من قصف مرفأ “الحديدة” (ردّأً على قصف تل أبيب) التي لم يلاحظ المراقبون أنها أوقفت عمليات التعرّض الحوثي لحركة الملاحة البحرية الدولية. فَهِمَ “الحوثيون” أن تدميرَ مرفأ الحديدة هو “بداية” لتدميرٍ أوسع بكثير. خَيّرت إسرائيل الوكيلَ اليمني لإيران بين حرب شاملة أو التراجع، فارتدع “الحوثي”… مؤقتاً على الأقل.
3ـ في خلفية هذا التغيير الإستراتيجي ما يمكن اعتباره تعديلاً في نظرة المؤسسة العسكرية في إسرائيل لـ”استعصاء” المواجهة مع حزب الله وإيران: أن أي مواجهة مع إيران ستدفع حزب الله لإطلاق وابل من عشرات الالوف من الصواريخ ضد المدن والقواعد العسكرية الإسرائيلية. تفيد معلومات أنه خلال السنتين الماضيتين، أي قبل عملية 7 أكتوبر 2023، قرّرت إسرائيل أنه لا يكفي أن تهدد بإعادة لبنان إلى العصر الحجري ردّأً على تحرَشات حزب الله. وأن الردّ الناجع والأفضل هو نقل أي حرب واسعة مع حزب الله إلى إيران نفسها وليس حصرها في لبنان.
4ـ عملياً، حرب غزة انتهت! ويمكن تسجيل أن حزب غزة لم تَكُن “تهديداً وجودياً” لإسرائيل في أي وقت. ولكن تهديد “حزب الله” ما يزال قائماً رغم نجاح إسرائيل في اغتيال بضع مئات من كوادر الحزب. فالحزب ما زال يملك عشرات الألوف (ليس 150 أو 200 ألف صاروخ كما تزعم تقديرات فيها كثير من المبالغة)، وإيران ما تزال “تملِكُ” وكلاء لبنانيين وعراقيين ويمنيين وأفغان وغيرهم، يمكنها تحريكهم في “عمليات استنزاف” متواصلة على مدى زمني لا حدود له. وإذا لم تتمّ معالجة مشكلة قدرات حزب الله الآن، فسيكون صعباً جداً أن “تبادر” أية حكومة إسرائيلية في مستقبل منظور إلى بدء حرب ضد حزب الله.
5ـ في خلفية التغيير الإستراتيحي الإسرائيلي ما يمثّل اعترافاً، و”استدراكاً”، لفشل الحكومات الإسرائيلية في فرض التطبيق الصارم للقرار الدولي 1701، رغم وجود قوات “اليونيفيل” في جنوب لبنان. فلم تنجح الحكومة اللبنانية والقوات الدولية في نزع سلاح حزب الله، ولم تنجح حتى في إبعاد الحزب لما بعدَ الليطاني. بالعكس تماماً، زادت قدرات حزب الله العسكرية، وانتشرت قواته على حدود إسرائيل مباشرةً، وبات الحزب قادراً على إلحاق أضرار عسكرية ومدنية داخل إسرائيل تفوق بكثير ما كان يملكه في حرب 2006.
6ـ أقرّت دراسات عسكرية إسرائيلية (بعضها نُشِر في “معهد واشننطن”) أن السيطرة الإسرائيلية الجوية المطلقة فوق لبنان وسوريا بدأت تتراجع، وهذا تطوّر خطير جداً. (حول هذه النقطة المهمة جداً، أنظر دراسة الجنرال الإسرائيلي “أساف أوريون” التي نشرها “الشفاف” بعنوان: “تحذير إسرائيلي: لا تستخفوا بالصراع على المجال الجوي اللبناني”)
“7، ـ هنالك نقطتان إضافيتان: أولهما أن إسرائيل كانت “ضحية” هجوم وحشي مفاجئ غير مُبَرّر قامت بها جماعة “حماس” التابعة لإيران، الأمر الذي أكسب إسرائيل دعماً دولياً واسعاً بدأ يتناقص مع الحصيلة البشرية الهائلة للحرب (حتى باعتراف صديق إسرائيل، دونالد ترامب قبل أيام). والثانية، هي تواجد قطع بحرية أميركية مؤثرة جداً في منطقة البحر المتوسط والخليج، وهذا ما قد لا يكون متوفراً في مراحل لاحقة.
8ــ كشف المراسل العسكري لجريدة « هأرتس »،« أموس هاريل »، في مقالة بعنوان « حرب إسرائيل المقبلة » أنه « لو نجج بعض القادة العسكريين الإسرائيليين في تحقيق مرادهم، فربما كانت إسرائيل قد شنت حرباً ضد حزب الله حتى قبل بدء غزو غزة. ففي 10 تشرين الأول/أكتوبر، ألقى الرئيس الأميركي جو بايدن خطاباً مهماً وعد فيه بتقديم المساعدة الأميركية لإسرائيل ضد حزب الله وإيران، بما في ذلك إرسال حاملتي طائرات إلى المنطقة. كما حذر القيادة الإيرانية بكلمة واحدة: “لا تتدخلوا”. وأخذت طهران علماً بذلك.
وفي كيريا، مقر قيادة الجيش الإسرائيلي في تل أبيب، كان بعض الضباط يبكون وهم يشاهدون خطاب الرئيس بايدن. وكانت هذه أول أخبار جيدة منذ بدء رعب ” أكتوبر. وبعد يوم واحد، حاول وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت وبعض الجنرالات الضغط على رئيس الوزراء « بنيامين نتنياهو » للموافقة على عملية كبرى ضد حزب الله تشمل اغتيال كبار قادة حزب الله”.
الآن، يمكن العودة إلى خيار شن حرب ضد حزب الله، طالما أن حرب غزة تكاد تنتهي.
9ـ على سبيل المقارنة التاريخية، بعد عملية “القاعدة” ضد أميركا في11 سبتمبر 2001، كانت هنالك دعوات في أعلى مستويات المؤسسة الأميركية (من رامسفيلد وتشيني) لغزو العراق، ولكن الرئيس بوش رفضها مؤقتاً حتى شهر مارس 2003 !
10ـ إيران لم تحصل على السلاح النووي بعد، ومن الأفضل مواحهتها عسكرياً الآن قبل نجاحها في الحصول على أول قنبلة ذرية.
11ـ “عملية شُكر وهنية” تفرض على إيران وحزب الله القيام بردّ عسكري يرقى إلى مستوى “الصغعة” التي تلقتها طهران وتابعها اللبناني.
12ـ ربما كانت إيران ستقبل صفعة اغتيال عميلها “شكر” على مضض، ولذلك تعمّد الإسرائيليون اغتيال زعيم “حماس” وضيف المرشد بعد ساعات قليلة، بغية استدراج ردّ عدواني واسع النطاق من جانب إيران وشبكة وكلائها. وقد أعلن البنتاغون أن الردّ الإيراني المباشر، ومعه ربما ردّ حزب الله، خلال 72 ساعة. وهذا رغم إدراك طهران أن تل أبيب “تستدرجها” إلى حرب محدودة أو شاملة الآن. هل تتراجع طهران الآن، وتغضّ النظر عن “الصفعة” الإسرائيلية؟ يصعب ذلك، خصوصاً أن لا شيء يمنع إسرائيل من القيام باستفزازات جديدة ضد الحزب وضد أسياده الإيرانيين.
13ـ هنالك، طبعاً، مخاطرة إسرائيلية بأن تتعرض مدن إسرائيل وقواعدها الجوية لخسائر محدودة أو كبيرة. لكن الردّ. الإسرائيلي (وألأميركي) يمكن أن يجبر طهران على التخلي عن حزب الله حتى لا يتعرّض النظام الإيراني الهش للخطر في لحظة انتقال السلطة من خامنئي إلى إبنه “مجتبى” (مباشرةً أو بعد مُرشٍ عجوز مؤقت حتى لا تبدو “الوراثة” على حقيقتها). وستأخذ إيران بالإعتبار أن إسرائيل سوف تغتنم حتماً فرصة الحرب المحدودة أو الشاملة لضرب منشآتها النووية، وقواعدها العسكرية المطلة على الخليج (كما حصل بصورة محدودة، ولكن مؤثرة، في عهد الرئيس ريغان)، وربما مصفاة “عبادان”. أو حتى “بيت المرشد” في طهران ردّاً على قصف إيراني لوسَط تل أبيب مثلا. هل هنالك خطة إسرائيلية تشبه خطة تدمير الطيران المصري والجيش المصري في “حرب الأيام الستة” كما يسميها الإسرائيليون، أي “هزيمة 1967″ كما يُسميها العرب؟ أو حتى لـ”بيرل هاربور” إيراني هذه المرة؟
14ـ إذا نجح الرهانُ الإسرائيلي، فسيتم تدمير حزب الله بالضربة القاضية التي قد تشمل غزوا برّياً للبنان (للمرة الثالثة منذ 21982) واغتيال نصرالله، مع تطبيق “عقيدة الضاحية” أو حتى ” عقيدة غزة” على لبنان، هذا من جهة، واستبعاد إيران عما يسمّى “الممانعة” بالنقاط. وسيكون أحد نتائج المواجهة “رفع الإحتلال الإيراني” عن لبنان وسوريا عل الأقل. (كان وجه حسن نصرالله “الأصفر” في خطابه أمس الخميس “مُعَبِّراً” عن الذُعر والإرتباك).
15ـ. بناءً عليه، يمكن ملاحظة أن قسماً كبيراً من الرأي العام في لبنان وسوريا والعراق واليمن وغيرها يُضمِرَ تأييداً بالكاد غير مُعلَن للتغيير الإستراتيجي الإسرائيلي طالما أن القوى الداخلية “المعارضة للإحتلال الإيراني” لبلدان المشرق لم تنجح في تشكيل جبهات مقاومة فاعلة.