إذا كان الهدف المبيّت لـ”حزب الله”، منذ “النصيحة” الايرانية، خلال جريمة 7 أيار 2008، باعتماد المثالثة، هي الوصول إلى الفراغ، فقد حقق له الجنرال مراده مرتين: الأولى حين سعى إلى استغباء اللبنانيين بزعم توافر مؤهلات لديه ليكون مرشح توافق، والثانية حين انقلب على تعهده للبطريرك الراعي بالحرص على تجنب شغور الرئاسة الأولى.
بدأ الحزب بلورة “المثالثة” بترهيب بيروت والجبل في يومه “المجيد”، فحاصر السنّة ودفع بزعامتهم إلى المنفى، وطوّق الدروز بـ”القمصان السود”، وسجنهم بين خَياري الإلتحاق حينا، والحياد أحيانا.
يعرف الحزب أنه لا يواجه القوى الأخرى، طائفيا وحزبيا، فحسب، بل يواجه إرثا تاريخيا صلب الجذور اسمه “الميثاق الوطني”، وسلاحه الميليشياوي، ومعه يافطة “المقاومة”، لا يكفيان لاسقاطه. وهو يستقوي على الداخل بفائض قوة جناها، معنويا، من حرب تموز 2006، وعمليا، من حربه الراهنة على الشعب السوري، فيما تمنحه المفاوضات الدولية الإيرانية- النووية، الوقت لينال بالترهيب “سلما” (فرط نصاب مجلس النواب وغيره)، ما لا يمكنه أن يناله بسلاحه، مهما تعاظمت قدراته القتالية، وهو إخضاع الآخرين لقبول إختلال موازين ميثاقية تأسست مع ولادة “لبنان الكبير”.
لذا، وبتواطؤ من حليفه عون، بعدما “ورّم” شأنه، أمسك الحزب بـ”رقبة” الطائفة المارونية من رأس هرم بنية الدولة اللبنانية أي رئاسة الجمهورية، ليدخل لبنان، في 25 أيار، على مشهد من مهزلتين: الأولى تلبُّس عون شخصية المرشح التوافقي، من دون أن يترشح، حالِما بتظاهرات “شعبية”، كما شهد “قصر الشعب” نهاية الثمانينات، ينظمها، لدعمه، الحزب المتسلط. والثانية إلباس الحؤول دون النصاب، لبوسَ الديموقراطية. كأنما عون يتلذذ بمازوشية سياسية نادرة، يخضع فيها وزن طائفته للإختزال على وقع تصفيق حليفه للمثالثة، لا لزعامته المدّعاة.
قد يكون في التحليل مبالغة، كون الرئيس بري حرص في جلسة الحوار الأخيرة على نفي نية الثنائي الشيعي تعديل اتفاق الطائف. لكن هذا النفي اشبه بقول لا إله من دون إلا الله. إذ هل يعقل ألا يملك هدفا استراتيجيا من منّن اللبنانيين بأن سلاحه لم يستول على السلطة، خلافا لما فعلته مقاومات العالم في دولها،(زعم انطلى على العوام).
قد يكون الجواب في إدعاء مستشار خامنئي العسكري أن حدود ايران تقف في جنوب لبنان، في مواجهة اسرائيل، وبدل أن نسمع ردا وانتفاضة من حزب الله في لبنان، سمع اللبنانيون “ترجمة” من السيد نعيم قاسم، نائب الأمين العام، حين وصف حزبه بأنه سيف ايران، تأكيدا لقول الأمين العام نفسه أنه وربعه ينفذان توجيهات الولي الفقيه من دون مراجعة قانون أو منطق.
بين شغور الرئاسة، وجرجرة إنتخاب الرئيس، يرشح الحزب ايران للتفاوض، إقليميا ودوليا على “جلد” لبنان.
العمالة وجهة نظر، وفيها حلال وحرام، حسب “المجتهد”.
rached.fayed@annahar.com.lb
بيروت