حين تحتل الميليشيات والطبقة السياسية مجلس النواب والحكومة وتتحكم بالمؤسسات الاعلامية ومنابرها وتسيطر على المجالس البلدية والجامعات والمؤسسات التربوية الخاصة والعامة، فهي لا تكتفي بالتمدد بقوة النفوذ المالي والعصبية المذهبية والطائفية لاستقطاع المؤسسات القانونية والامنية والعسكرية، بل يغريها التمدد ايضا للاستحواذ على اي مساحة خارج الاستقطاب وصولا الى مؤسسات المجتمع المدني والنقابات على اختلاف طبقاتها. إذّاك يمكن فهم كيف ان الناشطين علي فخري وخضر سلامة لا يجدان غير الجدار اللذين حشرا فيه، مثل آلاف من أمثالهما من المنتفضين على نظام القبائل اللبنانية، كي يشعرا انهما ما يزالان ينبضان بالحياة.
لم يقم علي وخضر بتزنير نفسيهما بالديناميت وتسللا الى مجلس النواب كي يفجرا نفسيهما بكل ما في هذا المجلس من مصادرة للدولة والمجتمع، ولكل ما فيه من نزوع لاستغباء المواطن، عبر اثارة الغرائز من خلال رفع سيف الطائفة والمذهب، ولكل ما فيه من سخف الاستعراض العضلي وادعاءات البطولة والقدرة على الصراخ المنتسب الى نمط ميليشيوي لا الى حصافة برلمانية ولغة دستورية.
لم يفكر علي وخضر ان يقوما بعمل امني عسكري يستهدف السراي الحكومي لحظة اجتماع الحكومة التي تستخف بالدولة وتنأى بنفسها عن ازمات البلد، لتموّه شهية السلطة المرَضية، بتقصيرها وقصورها المعلق على مشجب الازمات الاقليمية بدءا بفلسطين وصولا الى ما يجري في سورية.
ماذا كان على شابين مثلما أن يفعلا؟ شابان يتقنان لعبة التعبير باللون (الغرافيتي) الذي صودر جلّه بهذا الكم من الاعلام الميليشيوية والحزبية والمذهبية التي احتلت اللون . ليس هذين الناشطين ممن الف القتل، بل هما يرفضانه، ويدركان ان الدم يجرّ الدم وان الحقد هو حرفة المقيمين في السلطة، ولايملكون سواه كي يستمروا.
لذلك يوغل نوابنا الاشاوس في صناعة الآلهة، لكنها آلهة من تمر سيأكلونها حين يجوعون والجوع آتٍ، وسيرمون شعار لطالما رفعوه على الناس: “يا ويلنا من بعدك ايها القائد او الزعيم او….” .
لم ينتبه علي وخضر إلى ان الكتابة او الرسم على الجدران يحتاج الى اذن، ولو كان الحائط فرصتهما الوحيده لقول”آخ” او “لا”. فهما، مثلنا، يريان كيف تحتل الميليشيات وانسباؤها المافياويون كل جدران المدينة والقرية والاحياء والزواريب والطرق الدولية والمحلية. كل هذه الجدران لهم. لم تكفهم الشاشات ولا اثير الاذاعات ولا المآذن والكنائس والحسينيات، ولا الدويلات ولا مؤسسات الدولة. هي مساحات متاحة لكل هؤلاء وممنوعة على امثال علي وخضر… لماذا؟ لأنهما يريدان ان يتنفسا هواء لا يخرج من زفير المتربعين على مشيخات القبائل اللبنانية.
علي وخضر خالفا القانون الذي يستباح مئات المرات من قبل اركان الدولة في الاكثرية والمعارضة وغيرها من المافيات السياسية والدينية، ولا يحرك الجيش ولا اجهزتنا الامنية ساكنا… فيما علي وخضر هما اليوم في دولتنا من يهددان علاقة لبنان مع جيرانه او اشقائه…
إذا قبلنا هذه التهمة فبربكم الا تقتضي هذه التهمة ان يندفع اصحاب القرار، في اعتقال علي فخري وخضر سلامة، الى تنفيذ قرار وزاري لم يزل قائما بمعاقبة كل من يضع صورة او شعارا على جدران مدننا وقرانا؟
ببساطة فإنّ مؤسساتنا السياسية والامنية تنفذ القوانين على من تنبذه الطائفية والمذهبية ومن يرذل الميليشيات والمافيات. والقانون يطبق على من يبحث عن حبيبته الدولة فلا تجد سواه كي تسعى الى تطبيق القانون بحرفيته عليه، فيما هي تحمي من يرذله في الوقت نفسه.
علي وخضر خرجا، لكنّهما رفضا شكر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي على خروجهما، وكما قال خضر، فإنّه يشكر ميقاتي حين تتوقف التجاوزات، و”الرئيس قام بواجبه فقط”. اللافت كان الضغط المهول الذي مارسه المجتمع المدني والشبكات الإجتماعية لإخراجهما، وحاول ميقاتي “قطفه” عبر تويتر بإعلانه من هناك أنهما سيخرجان خلال دقائق. لم يكن غير “مخرج” الضغط المدني المتوسّع والمتزايد. من هناك، من حيث قُلِبَت أنظمة عربية، قد يأتي التغيير، مع علي وخضر ورفاقهما.
alyalamine@gmail.com
كاتب لبناني
البلد