تبلغ مساحة أسبانيا 504 آلاف كم2، والثانية مساحة بعد فرنسا، في أوروبا الغربية، والدولة الأكبر، ربما في العالم، في عدد الأجانب الذين يمتلكون فيها بيوتاً، ويعتبرونها وطنهم الثاني، حيث تنتشر على طول سواحلها المشمسة طوال السنة، وجبالها وهضابها وجزرها، آلاف المجمعات السكنية الضخمة.
توحدت أسبانيا فقط في القرن الخامس عشر، مع طرد المسلمين واليهود منها، وتوحيد ممالكها الكاثوليكية في عام 1492.
من ناحية أخرى، كانت أسبانيا مصدر نفوذ مهماً في مناطق أخرى خلال العصور الحديثة، عندما أصبحت إمبراطورية عالمية خلّفت إرثاً يضم أكثر من 500 مليون ناطق بالأسبانية، مما جعلها ثانية اللغات الأم استخداماً. وهي دولة غنية وتقع في المرتبة العاشرة من حيث معيار جودة الحياة في العالم.
سيطر الرومان على شبه جزيرة أسبانيا لستة قرون، وتركوا الكثير من الآثار (210 قبل الميلاد)، وجلبوا معهم أموراً حضارية عدة.
سقطت أغلبية شبه جزيرة أسبانيا بيد جيوش المسلمين، في الفترة 711 ــ 718، وجرت معاملة المسيحيين واليهود معاملة أهل الذمة، ومع الوقت اعتنق الكثير منهم الإسلام، وشكّل هؤلاء تالياً أغلبية سكان الأندلس مع نهاية القرن العاشر، ولم يمنع ذلك من قيام صراعات دموية بين المحتلين، وكان أولها وأقواها بين الأمازيغ، الذين شكّلوا «دائماً» العمود الفقري للجيوش الغازية، والقيادة الأموية.
أصبحت قرطبة عاصمة الخلافة الإسلامية، ومع الوقت أصبحت الأكبر والأغنى والأكثر تطوراً في أوروبا الغربية. ولعب العلماء المسلمون واليهود دوراً في هذا التطور، وفي إحياء وتوسيع معارف الحضارة اليونانية. وفي القرن الـ11 دخلت الأندلس حقبة ملوك الطوائف المتناحرة، مما سمح للدويلات المسيحية بتوسيع نفوذها.
استغرقت عودة الأندلس لأهلها قروناً عدة، وكانت البداية في معركة كوفادونجا عام 772، وتبعها سقوط طليطلة الإستراتيجية في 1085 الذي شكّل تحولاً في ميزان القوى، ثم تبعتها قرطبة عام 1236، وإشبيلية، ولم تتبقَّ سوى إمارة غرناطة في الجنوب.
ومع توحّد تاجي مملكتي قشتالة وأراغون في عام 1469 بزواج إيزابيلا بملك أراغون فرديناند الثاني، استطاعا عام 1492 الاستيلاء على غرناطة، وإنهاء 781 عاماً من الحكم الإسلامي، وكعادة المنتصرين، خيّروا المسلمين واليهود بين التحول إلى الكاثوليكية أو مواجهة الطرد أو القتل من خلال محاكم التفتيش، وتبع ذلك وصول الإسبان إلى العالم الجديد، وأصبحت أسبانيا بعدها موحدة والقوة العالمية الأولى.
***
تسبّب ذلك بخسائر عدة، آخرها حرب الريف في المغرب لتقويض النظام الملكي، وانتهت فترة من الحكم الاستبدادي لدكتاتورية «بريمو دي ريفيرا (1923 ــ 1931)» بقيام الجمهورية الأسبانية الثانية، التي منحت الحكم الذاتي لأقاليم الباسك وكتالونيا وغاليسيا، ثم نشبت الحرب الأهلية (1936 ــ 1939) التي انتصر فيها فرانكو، مدعوماً من النازيين والفاشيست، حيث لقي فيها نصف مليون أسباني حتفهم، وهرب ما يماثلهم إلى الخارج.
عادت الملكية بموت فرانكو في 1975، وتم تدريجياً تحويل الكثير من سلطات الدولة إلى الأقاليم المستقلة ذاتياً.
***
تجاوز عدد زوّار أسبانيا أخيراً عتبة الـ71 مليون سائح، ولم يحدث ذلك عبثاً، ففيها كل ما يبحث عنه السائح من جمال وطعام وطقس ورياضة وبحر وجبال، وموسيقى ومتاحف وفنون، وبيكاسو، وروندا وقرطبة وفالنسيا وإشبيلية وبرشلونة والباسك وريوخا، وريبيرا دل دويرو!
أ
لأسباب كثيرة أحببت دائماً فكرة العيش في أسبانيا، لكني اكتشفت مؤخراً أن السبب الأهم، بخلاف سهولة الحياة فيها، يعود إلى قلة صرامة أهلها، وسهولة حل أية مشكلة، وترحيبهم بالغريب، مقارنة بسويسرا أو بريطانيا أو فرنسا، حيث يشعر من هو في سنّي ووضعي وخلفيتي الثقافية بسهولة أكبر في التعامل مع الأسباني. كما أنهم جماعة السيستا والمنيانا!
a.alsarraf@alqabas.com.kw