على من كان بريغوجين يعول لدعم تمرده الفاشل؟

1

(الصورة: بريغوجين يفاوض مع “رهينتين” من كبار الضباط: نائب وزير الدفاع يونس بك يفكوروف والنائب الأول لرئيس هيئة الأركان العامة فلاديمير أليكسييف بعد احتلال مقر قيادتهما في روستوف على الدون)

*

خاص بـ”الشفاف”، ترجمة وإضافات بيار عقل

 

كان رئيس مرتزقة فاغنر يعتمد على تضامن ضباط كبار في  الجيش الروسي معه. وحيث أنه اقترب من الوصول إلى موسكو دون أن يواجه أي مقاومة، فربما لم يكن مخطئًا كلياً.

 

أحد الجوانب الأكثر إثارة للصدمة في تمرد عطلة نهاية الأسبوع الذي قامت به شركة فاغنر العسكرية الخاصة التي يملكها يفغيني بريغوجين هو أن القوات المسلحة الروسية لم تفعل شيئًا تقريبًا لإيقاف قوات فاغنر أثناء تحركها أولاً من المعسكرات الميدانية في أوكرانيا ثم إلى مدينة “روستوف على نهر الدون” التي تقف في جنوب روسيا، حيث استولت على المقرات العسكرية الرئيسية، ثم تقدمت بعد ذلك حتى مسافة قريبة من موسكو.

من الناحية النظرية، كان ينبغي أن يكون هذا المقر – باعتباره مركز القيادة الرئيسي للعمليات الروسية في أوكرانيا – أحد المواقع التي تتمتع بأعلى درجة من الحماية الأمنية في البلاد. ومع ذلك، تمكن بريغوجين من الدخول بسهولة مع عصابته من المرتزقة واحتجاز اثنين من كبار الجنرالات كرهائن: النائب الأول لرئيس المديرية العامة لهيئة الأركان العامة فلاديمير أليكسييف ونائب وزير الدفاع يونس بك يفكوروف (أنظر صورة المقال أعلاه).

 

وحتى بعد رفع قضية جنائية ضد بريجوزين للاشتباه في تحريضه على التمرد المسلح، وبعد أن خاطب بوتين الأمة واصفًا تصرفات بريجوزين بأنها “طعنة في الظهر”، لم تكن هناك أي مقاومة من الجيش. يبدو، إذاً، أن رئيس فاغنر المنشق ربما لم يكن مخطئا في اعتقاده أن هناك الكثير من الأشخاص داخل القوات المسلحة والأجهزة الأمنية الذين يتعاطفون سرا مع قضيته.

في ملاحظاته الصوتية التي تشرح التمرد، ذكر بريجوزين بوضوح أنه “سيتعامل مع [وزير الدفاع سيرجي] شويغو”، ولن يتخذ موقفًا ضد القوات المسلحة. بل على العكس من ذلك، قال إن “مسيرته من أجل العدالة” كانت تُنفذ باسمهم أيضاً.

إن القوات المسلحة الروسية ليست متجانسة، بل تتكون من عدد كبير من الجماعات المتنافسة التي تتنافس على المناصب ومصادر الدخل. يخطئ كثيراً جداً من يعتقد أن كل يعمل  داخل القيادة العسكرية مخلص لشويغو ولرئيس الأركان العامة فاليري غيراسيموف شخصيًا: كقاعدة عامة، المخلصون لهما هم فقط أولئك الذين تمت ترقيتهم  بمساعدتهما، أو الذين حصلوا على عقود مربحة مرتبطة بوزارة الدفاع.

والواقع أن بريغوجين، في الأشهر الأخيرة، كان يحاول كسب تأييد مجموعة أخرى من الجنرالات: أولئك الذين انطلقت حياتهم المهنية في عهد سلفي شويغو وغيراسيموف الإصلاحيين – وزير الدفاع حتى 2012 أناتولي سيرديوكوف، ورئيس الأركان السابق نيكولاي ماكاروف – وتعثرت بعد رحيلهما.

في عهد ميدفيديف : وزير الدفاع أناتولي سيرديوكوف، ورئيس الأركان نيكولاي ماكاروف

قبل فترة طويلة من التمرد، قال بريجوزين صراحة إنه يود أن يتم استبدال شويغو بميخائيل ميزينتسيف، وغيراسيموف بسيرجي سوروفيكين.

كان ميزينتسيف، الذي أطلقت عليه وسائل الإعلام الغربية لقب “جزار ماريوبول” لإشرافه على الحصار المدمر للمدينة الأوكرانية، أحد أكثر الجنرالات الواعدين خلال إصلاحات سيرديوكوف-ماكاروف العسكرية في الفترة 2008-2012. وفي عام 2012، تم تعيينه رئيسًا لمركز القيادة المركزية لهيئة الأركان العامة، وهو المكتب الذي تم إنشاؤه خصيصاً من أجل تبسيط التسلسل القيادي القديم في القوات المسلحة الروسية.

الطيور على أشكالها تقع:  صورة رائعة من 28 أكتوبر 2020 تجمع بين الجنرال كولونيل ميخائيل ميزينتسيف، لاحقاً “جزار ماريوبول” ثم نائب قائد مرتزقة “فاغنر”، و”جزار لبنان والمرفأ”، الجنرال ميشال (ميخائيل) عون

وحافظ شويغو، الذي تم تعيينه وزيرًا للدفاع بعد فترة وجيزة، على المؤسسة الجديدة وعلى رأسها ميزينتسيف، لكنه لم يُعطٍه أي أفضلية على الإطلاق.   بعد الاستيلاء على ماريوبول، تم تخفيض رتبة ميزينتسيف أولاً، ثم تم تسريحه من الجيش على ما يبدو، وبعد ذلك أصبح نائب قائد شركة “فاغنر”. لا شك أن ميزينتسيف احتفظ بنفوذه بين هؤلاء الضباط الذين ارتقوا في الرتب تحت قيادته، ومن المحتمل أن سمعة ميزينتسيف بين هؤلاء الضباط لعبت دورًا في قدرة فاغنر على احتلال مقر روستوف العسكري دون إراقة دماء.

ترقى سوروفيكين أيضًا تحت قيادة سيرديوكوف وماكاروف. وفي ذلك الوقت، تم تعيينه رئيسًا لمؤسسة أخرى تم إنشاؤها حديثًا: هي الشرطة العسكرية.

الشرطة العسكرية الروسية في “منبج”، سوريا

وكما في حالة ميزينتسيف، أكد “شويغو” التعيين، لكنه حد من صلاحيات المؤسسة الجديدة. ومع ذلك، تمكن سوروفيكين من بناء سمعة قوية – أولاً في سوريا ثم كقائد للعمليات في أوكرانيا في أكتوبر الماضي – قبل أن يتم استبداله بغيراسيموف في يناير.

سوروفيكين مع وزير الدفاع شويغو وبشار الأسد ووزير دفاع سوريا علي أيوب في 2017

لقد امتدح بريجوزين وأتباعه من المدونين الحربيين في كثير من الأحيان سوروفيكين (لقبه “حزار سوريا”)، الذي لا يزال شخصية رئيسية بين كبار الضباط ولكنه ليس جزءًا من الدائرة الداخلية لشويغو وغيراسيموف. ومن بين جميع من هم في القيادة العسكرية، يتمتع سوروفيكين بأكبر قدر من السلطة بين عموم الضباط.

تؤكد أمثلة ميزينتسيف وسوروفيكين أن المجموعة الرئيسية التي كان بريغوجين يعتمد عليها للبقاء على الحياد أو تقديم الدعم الصامت كانت عبارة عن كبار الضباط الذين بدأوا حياتهم المهنية في ظل الإصلاحات التي سنها سيرديوكوف وماكاروف. ومن المثير للاهتمام أن تأسيس “فاغنر” وتعيين بريغوجين كرئيس لها يعود أيضًا إلى هذا الوقت.

وبموجب تلك الإصلاحات، تم تسريح 80% من العقداء (الكولونيلات) و70% من الضباط برتبة رائد من القوات المسلحة، ما خلق الكثير من الفرص لمزيد من الضباط المبتدئين للارتقاء. هؤلاء الضباط (الكبار الآن) لا يدينون بمسيرتهم المهنية لشويغو أو غيراسيموف، وربما يكونون أكثر ميلاً إلى الاتفاق مع انتقادات بريغوزين للقيادة العسكرية، وهم يعتقدون أنه لو واصل شويغو تلك الإصلاحات، فإن أداء القوات المسلحة الروسية كان سيكون أفضل في أوكرانيا. وفي حين أن أولئك الضباط ليسوا مستعدين للتعبير عن إحباطهم علنًا، إلا أنهم، عندما يتحدثون دون الكشف عن هويتهم، ينتقدون وزارة الدفاع وبوتين على حد سواء.

وبعد فشل تمرده، من غير المرجح أن يحقق بريغوجين رغبته في تعيين ميزينتسيف وزيراً للدفاع. لكنه ربما يكون راضيا عن أليكسي ديومين، ضابط المخابرات العسكرية السابق، والحارس الشخصي لبوتين، ونائب وزير الدفاع الذي تم تعيينه مسؤولا عن “قوات العمليات الخاصة” التابعة لوزارة الدفاع في عام 2014.

ألكسي ديومين إلى جانب بوتين وخلفه وزير الدفاع شويغو: يتم التداول بإسمه كخلف لبوتين

إن “قوات العمليات الخاصة” ” هي فرقة النخبة التي يُنسب إليها، في روسيا، الفضل في ضم شبه جزيرة القرم بنجاح في ربيع عام 2014. ومنذ عام 2016، أصبح ديومين حاكم منطقة” تولا”، موطن شركات الصناعة الدفاعية الرئيسية. وكثيراً ما يظهر اسمه في المناقشات حول الخلفاء المحتملين لبوتين.

وفي المقابلات، كان بريجوزين مفرطًا في مدحه لقيادة ديومين لعملية الضم. وذكر موقع “ذي إنسايدر” أن الرجلين يشتركان في بعض المصالح التجارية، وفي الخريف الماضي نقل موقع “ميدوزا” الروسي المعارض (مركزه في ليتوانيا) عن مصادر قولها إن ديومين كان لديه أسبابه الخاصة لانتقاد وزارة الدفاع في عهد رئيسه السابق شويغو، حيث يبدو أن الرجلين لم يتفقا، ما أدى إلى إرساله إلى تولا.

لم ينضم “ديومين” إلى العديد من حكام المناطق الآخرين الذين احتشدوا حول الكرملين في 24 يونيو للتعبير العلني عن دعم الرئيس وإدانة بريجوزين. إثر ذلك، وبعد فترة وجيزة من ظهور أخبار بأن بريغوجين وافق على التنحي، على ما يبدو بموجب شروط صفقة توسط فيها الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، أفيد أن “ديومين” هو في الواقع هو الذي تفاوض على الشروط مع بريغوجين. وسارع المكتب الصحفي للحاكم إلى نفي هذه التقارير، لكن المتحدث باسم بوتين رفض التعليق على الشائعات.

مع أخذ كل ما سبق في الاعتبار، فمن الممكن تمامًا أنه مع بداية “المسيرة من أجل العدالة”، فربما اعتقد بريغوجين أنه سيجد تضامنًا بين العديد من الضباط في القوات المسلحة، وأنه إذا نجحت انتفاضته، فسوف تضم إليهم مجموعات معينة داخل النخبة الحاكمة، مثل الجنرالات الذين ليس لديهم علاقات مباشرة مع شويغو، أو الأعضاء السابقين في أجهزة حراسة لبوتين الذين يسعون إلى تعزيز مكانتهم داخل النظام.

لم يكن بريغوجين مخطئًا بالنسبة للنقطة الأولى. فلم تبذل معظم القوات المسلحة أي محاولة لمنعه من التقدم نحو موسكو. لكن يبدو أن آماله في الحصول على دعم من مجموعات النخبة التي ترغب أيضًا في إجراء تعديل وزاري في وزارة الدفاع قد تبددت. وألقى بوتين دعمه المطلق خلف القوات المسلحة، وقطع أي طرق أمام هيئات السلطة الأخرى للتعبير عن تضامنها مع فاغنر.

ومع ذلك، كشف تمرد بريغوجين عن حجم الأزمة داخل القوات المسلحة الروسية، التي أصيبت بخيبة أمل بسبب الإخفاقات المستمرة والتي سئمت الحرب، وداخل النخب العسكرية والأمنية على نطاق أوسع.

عندما رد الضباط الكبار والمتوسطون على تمرد مسلح بما يشبه الإضراب “المبطئء للعمل”، فلا شك أن رئيس فاغنر لن يكون المنافس الأخير الذي سيواجه شويغو وحلفائه وسيسعى للاستفادة من الاستياء غير المعلن والمتزايد داخل القوات المسلحة الروسية.

 

*ميخائيل كومين عالم سياسي وباحث متخصص في إدارة البيانات. وهو زميل زائر في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية (ECFR).

تم نشر الدراسة أعلاه قبل أيام من اغتيال بريغوجين.

 

 

لقراءة الأصل بالإنكليزية:

Who Was Prigozhin Counting On to Back His Failed Mutiny?

 

اترك رد

1 تعليق
Newest
Oldest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
خالد العزي
خالد العزي
8 شهور

بريغوجين اتكل في عملية انقلابه ليس على فاغنر بل على الجنرالات الروسية المعارضة لبوتين وقد حدث تمرد في داخل الجيش مما سمح لبريغوجين بقطع الف كيلومتر من راستوف على الدون للوصول الى موسكو، فهرب بوتين والجميع. ولكن خطأ بريغوجين بانه توقف وتفاوض مع الكسندر لوكاشينكو عبر احد المحافظين الذي ارسل مطالبه للرئيس الذي كان خارج موسكو. فكان على بريغوجين اكمال خطته المحمية من الجنرالات وعدم الانسحاب الا بفرض جنرالاته في مراكز القرار. لكن بوتين كان موافقا مع المسرحية التي تساعد بوتين على تصفيته الجنرالات، وهذا ما حدث. وكان بريغوجين يظن بان بوتين لن يستطيع فعل اي شيء ضده لانه يملك الخارج والشركات… قراءة المزيد ..

Share.

اكتشاف المزيد من Middle East Transparent

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading