عشرون ثانية

0

لا أستطيع أن أجزم أنها بهذه الدقة من الزمن ، ولكني أظنها المسافة المعقولة، بين اتكاء يمناي بصلابة….. على لوح البيانو ، حتى ارتخائها بعد الطلقة.

**********

كنت أهاتف أمي، وأنا أدخن الأرجيلة بهدوء لكي لا تسمع هسيسها، ومع ذلك سألتني إن كنت مازلت أستخدم آلة الخياطة التي أهدتنيها منذ زمن ، فقلت أني أدرب الصغيرة عليها.

لم تكد تبلغ السماعة مرقدها والشمس تلويحتها الواعدة ، حتى انطلقت الرصاصة المازحة فأصابت بشكل مائل أحسسته بدقة من العنق حتى آخر ضلعي الأيسر ، ولا أدري إن كانت تجاوزت الضلع إلى الأريكة أم أنها استقرت هناك

***********

كان ينظف سلاحه، ويصوب مزحته تجاهي ، صرخت ………، ووقفت……، وصدر صوت نشاز من الآلة التي اتكأت عليها بيمنى صلبة، رأيت وجهي في مرآة أمامي، لعلها عشرون ثانية….! أصخت السمع بكل جوارحي للصوت النشاز، وكأنه يشدني ويربطني بالحياة، لم تكن فكرة الموت تلوح لي، كانت حالة أشبه بحالات الإلهام النادرة…، حالة نورانية مذهلة لا تشبه سوى قشعريرة الإبداع عندما تسري متدفقة دون رقيب، وجهي في المرآة تغزوه ابتسامة ولكني لومضة ، أدركت أنها الدهشة التي لا شبيه لها.

لم أكن أنظر إليه..، إلا أن صوته كان هادراً وهو يقول إنها مزحة ، إنها مزحة.

**********

عيناي ..، أخذتا أقصى اتساعهما، فبدتا كمرآتين محدبتين وقادرتين عل اختزال العالم بأكمله في لوحة واحدة ، وملوحة أحببتها كانت تنزلق، أظنها من رأسي وحتى فمي ، لأول مرة أحب طعم الملح المركز، بدأ أنفي يرعف وهو يستجمع رائحة المعسل، والفحم، والزهور المجففة’وحتى الصندوق الأثري في الزاوية البعيدة، ولأول مرة أذهلني المساء الناعس الذي يحيط المكان.

رأيت الحياة أمامي في الأفق تدلق الشمس بحنو إلى سريرها وتبتسم، لا أدري من كان منا يعتذر للآخر لحظتها، وسمعت درويش يصرخ ……هنالك ما يستحق الحياة …..

في أجزاء من الثانية رأيت أمي منذ سماعها الخبر وحتى أيام عزائها الثلاثة

رأيت ابنتي ببؤس طفولتها وحتى وشاح النسيان الذي لفً دربها.

رأيت إخوتي باستياء موارب حائرين في مراسم العزاء .

رأيت أخواتي وهن يجاملن ابنتي، ويحضن أطفالهن بشفقة عالية الشكل والصورة، يوارين دموعهن.

ورأيتني……. مسجاة لكن فيً رغبةُ عارمة في أن أقول….. إلا التراب ……. لا تهيلوا علي التراب………..

لعلها كانت الثانية الأخيرة حين رأيته يهرول متخبطاً… ولكنها أنها الوهلة التي بدأت أشعر فيها بدفء الموت…….، وفي داخلي إلحاح في أن أعيش يوماً واحداً، بل ساعة أخرى..، فقط لأدون هذه الثواني المريعة.

5/2006

* السعودية

Comments are closed.

Share.

اكتشاف المزيد من Middle East Transparent

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading