العلاقات بين “جهاز الإستخبارات المشترك” في باكستان والجماعات الجهادية تبدو، أحياناً، مثل لعبة “الدمى الروسية”. كلما فتحت دمية وجدت داخلها دمية أخرى!
“زكي الرحمن لقوي”، الذي كانت عملية “لاهور” تهدف إلى إجبار سلطات باكستان على إطلاق سراحه، لم يبدأ حياته “جهادياً” في “عسكر طيبة”. فهو كان، حتى التسعينات، ضابطاً في جهاز الإستخبارات المشترك (“أي إس أي”) في باكستان. وأثناء تولّي الجنرال “جواد ناصر” قيادة جهاز الإستخبارات الباكستاني، تم إرسال “زكي الرحمن لقوي” إلى البلقان، حيث أسهم في الجسر الجوي الذي نقل صواريخ مضادة للدبابات للبوسنيين المسلمين. وما يلفت النظر أن الجنرال “جواد ناصر” هو عضو في “جماعة التبليغ”، وأنه ظل ناشطاً في جهاز الإستخبارات ومكلّفاً بـ”مشروعات خاصة” حتى بعد تقاعده في مايو 1993.
وحسب معلومات من مصادر بوسنية، فقد وصل “لقوي” إلى البوسنة في 1994، حيث تولّى تدريب الضباط البوسنيين، وظلّ فيها حتى العام 1997. وحسب نفس المصادر، فإن علاقاته في تلك الفترة لم تكن محصورة بجهاز الإستخبارات الباكستاني، بل أنه كان يقيم علاقات مع “حركة الأنصار”، التي كانت تضمّ مجاهدين باكستانيين وكشميريين وأفغاناً “وعرب أفغان”. وكانت القاعدة الرئيسية لـ”حركة الأنصار” في كشمير. كذلك تزعم المصادر البوسنية أن “لقوي” أرسل ضباطاً بوسنيين للتدريب في معسكر قريب من “سد مانغلا” بباكستان، وهو نفس المعسكر الذي تدرّب فيه جهاديو عملية “مومباي” الإرهابية.
*
أمير مير- “الشفاف”، لاهور
يعمل المحقّقون الباكستانيون للتحقق من فرضية مفادها أن منفّذي الهجوم الدموي الذي تعرّض له فريق “الكريكت” السريلانكي الزائر يوم أمس الثلاثاء، في 3 مارس، كانوا أعضاء في تنظيم “عسكر طيبة”، وأن هدفهم كان خطف الباص الذي كان السريلانكيون يستقلونه بهدف التفاوض مع مسؤول العمليات في التنظيم، المدعو “زكي الرحمن لقوي”، المحتجز حالياً في سجن “أديالا” في “روالبندي”. وقد وجّهت له تهمة التورّط في هجمات “مومباي” الإرهابية في 26 ديسمبر 2008.
وتفيد سلطات التحقيق أن هنالك أدلة متزايدة على أن “عسكر طيبة” هي التي خطّطت للعملية من أجل أخذ الرياضيين السريلانكيين كرهائن، وأن الهدف الأولي كان المطالبة بإطلاق سراح “زكي الرحمن لقوي” وخمسة جهاديين آخرين والسماح لهم بالإنتقال إلى مناطق القبائل. وتضيف السلطات أن جهاديي “عسكر طيبة” المشاركين في هجوم “لاهور” ربما استوحوا عملية خطف طائرة الركاب الهندية في العام 2000، التي نجحت في إجبار حكومة الهند على إطلاق سراح زعيم “جيش محمد”، “مولانا مسعود أزهار”، الذي كان مسجوناً في الهند بتهم تتعلق بالإرهاب.
وفي تطوّر ذي صلة، صرّح مستشار رئيس حكومة باكستان لشؤون وزارة الداخلية، “رحمن مالك”، لوكالة أسوشيتدس برس أن التحضيرات التي قام بها المهاجمون تفيد أنهم كانوا ينوون خطف الباص الذي يقلّ الفريق الزائر. ولكنه امتنع عن التكهّن بهوية المهاجمين، قائلاً أن التحقيقات ما تزال مستمرة حول هذه النقطة. ويلفت الإنتباه أن “زكي الرحمن لقوي”، ومعه 4 متهمين آخرين، كان، في نفس يوم الهجوم، يواجه إتهامات أمام “محكمة مكافحة الإرهاب” رقم 2 في “روالبندي”. وفي ساعة وقوع الهجوم، كان “لقوي” ورفاقه يستعدون لمواجهة القاضي “ساخي محمد كاهوت” الذي انتقل بنفسه إلى سجن “أديالا” لأسباب أمنية. وقد قرّر القاضي تمديد إحتجاز الخمسة لمدة 14 يوماً إضافية لإتاحة الوقت لمزيد من الإستقصاءات.
إن “زكي الرحمن لقوي” هو من مواليد مقاطعة “أوكارا” في البنجاب، على غرار “أجمال كساب”، الإنتحاري الوحيد الذي ظلّ على قيد الحياة واعتقلته السلطات الهندية بعد هجوم “مومباي”. وقد اعتقلت الأجهزة الباكستانية “لقوي” في 10 ديسمبر 2008. وقد أكّد كساب للمحققين الهنود أن “لقوي”، وإسمه الحركي “تشاتشا”، هو الذي خطّط معظم عملية 26 ديسمبر. وبعد عملية “مومباي”، أكّدت السلطات الهندية أن “لقوي”، الذي يقيم عادة في “مظفر آباد”، كان قد انتقل إلى “كراتشي في أغسطس 2008، – “كراتشي” هي المدينة الساحلية التي أبحر منها جهاديو “عسكر طيبة” متوجّهين إلى الهند- لكي يشرف مباشرة على العملية. وقال “كساب” أن “لقوي” هو الذي قام بـ”تلقين” كل أعضاء الفريق الإنتحاري. وهو يواجه الآن تهماً يمكن أن تكون عقوبتها الإعدام.
حماية غير كافية
من جهة أخرى، أقرّت السلطات الباكستانية بأن الإجراءات الأمنية لمواكبة الفريق السريلانكي لم تكن كافية على الإطلاق، وأن الحظ وحده هو الذي أدّى إلى إخفاق 12 من مجاهدي “عسكر طيبة” المدرّبين تدريباً رفيع المستوى من أخذ لاعبي الكريكت كرهائن. وقد أصيب باص الرياضيين بـ25 طلقة، ولكن أحداً من اللاعبين لم يُقتَل. ويعتقد المحقّقون أنه، بعد فشلهم في الإستيلاء على الباص بركّابه، عمد المهاجمون إلى إطلاق النار عشوائياً على الباص الذي تمكّن من الخروج من الكمين.
ويقول المحققون أن المهاجمين خلفوا وراءهم رشاشات كلاشينكوف، وبنادق آلية خفيفة، ورمانات يدوية، وقاذفات صواريخ صغيرة، وقنابل بلاستيكية وأجهزة لاسلكية. وحسب المدير العام لشرطة البنجاب، “خواجة خالد فاروق”، كان المهاجمون يحملون أسلحة وذخائر تسمح لهم بالقتال المتواصل لمدة ساعات. وفي حين توزّع المهاجمون إلى 6 فرق يضم كل منها شخصين، فقد كانوا يحملون أجهزة إتصال وحقائب ظهر تحتوي مياه شرب، وبسكوت، وأطعمة، مما يعني أنهم كانوا يتوقعون حصاراً طويلاً.
وتشير السلطات إلى أن مظهر المهاجمين، وتكتيكاتهم، واختيارهم مدينة “لاهور”، يستبعد تورّط أية جماعة عدا “عسكر طيبة”، نظراً للجذور العميقة لهذه الجماعة في “لاهور”. إن مؤسّس “عسكر طيبة”، “حافظ سعيد”، الذي يرأس “جماعة الدعوة” حالياً، يقيم في “جوهر تاون” بلاهور، كما أن جمعيته الخيرية تتمركز في “مورادكي”، التي تقع على بعد 30 كلم من العاصمة البنجابية. وجدير بالذكر أن “حافظ سعيد” – أولاً بصفته زعيم “عسكر طيبة”، ثم بصفته أمير “جماعة الدعوة”- قد أعطي الحق الحصري بإمامة صلاة الفطر وعيد الأضحى في “ملعب القذّافي” بلاهور، حيث كان مقرّراً أن يلعب الفريقان السريلانكي والباكستاني.
رغم كل المعطيات السابقة، فقد استبعد أحد المسؤولين السابقين في جماعة “عسكر طيبة”، بعد أن طلب عدم ذكر إسمه، أن تكون الجماعة متورّطة في هجوم “لاهور، قائلاً أن قاعدة عمليات الجماعة انتقلت إلى “سريناغار” بكشمير منذ ديسمبر 2001 حينما تخلّى “حافظ سعيد” عن إمارة “عسكر طيبة” وأطلق حركة “جماعة الدعوة”. وقال أن “هذه المزاعم هي محاولة خبيثة ليس للإساءة إلى سمعة عسكر طيبة فحسب بل ولتشويه صورة حركة التحرير في جامو وكشمير”.
amir.mir1969@gmail.com