تحاذي بلدة عرسال الحدود السورية بطول 50 كلم. وهي البؤرة الاجتماعية الاكبر، في البقاع، المتضامنة مع الثورة السورية، مع عدد سكان يقارب الـ 40 ألفا، يقيم معظمهم في البلدة. وهؤلاء من المذهب السنّي في بحر شيعي بين بعلبك والهرمل، مؤيد للنظام السوري. بحر تتخلله بعض البلدات المسيحية. وعرسال مساحتها أكثر من 316 كلم2 تجعلها من أكبر البلدات اللبنانية لتشكل 5٪ من لبنان. ووفّر هذا التلامس الجغرافي مع سورية، في اقصى الشمال الشرقي للبقاع، منطقة صراع على النفوذ بين المعارضين والنظام في سورية. فمع بداية الثورة السورية ازداد التوتر في تلك المنطقة في ظل المواجهات التي جرت في ريف حمص خصوصا بلدة القصير.
وليس خافيا، على ابناء البقاع بشكل خاص، ان بلدة عرسال وجردها شكلا منفذا آمنا وشبه وحيد في البقاع للعديد من السوريين الذين فروا من بطش النظام، كما شكلا ثغرة نفذ منها المعارضون للنظام، هربا باتجاه لبنان او سعيا للقتال باتجاه سورية. ومع مرور الوقت من زمن الثورة، وباستثناء منفذ وحيد وهامشي في البقاع الغربي، تحولت عرسال الى “حالة شاذة” على الحدود الشرقية مع سورية التي يحكم حزب الله السيطرة عليها، حيث يتحكم بمنافذها وينتقل بحرية بين البلدين مستندا الى خصوصية المقاومة التي وفرت له حرية حركة لا يستطيع الجيش اللبناني ان يمنعها او يحول دون تنشيطها، خصوصاً مع تبدل الوظيفة العسكرية لحزب الله من تلقي الدعم من النظام السوري الى تأمين دعم لحليفه في مواجهة الثورة السورية.
ويؤكد أحد وجهاء بلدة عرسال – من الذين انقذوا جنود الجيش اللبناني في الاشكال الاخير والمؤسف، وسمى واحدًا من الناجين من عائلة صفير – ان ثمة قناعة راسخة لدى ابناء عرسال في أنهم وقعوا والجيش اللبناني ضحية كمين مدبّر وخبيث. ويضيف ان احدا من الذين اطلقوا النار على الجيش لم يكن يعلم ان رصاصه كان باتجاه جنود الجيش، خصوصًا ان القتيل خالد الحميّد معروف بكونه احد الناشطين على خط دعم الثورة السورية، وانه ملاحق من حزب الله بسبب هذا الدور، وبسبب اتهام له بتأدية دور في كشف بعض عمليات حزب الله العسكرية في بلدة القصير وغيرها، ومنها اتهامه بدور ما له في الكمين الذي تعرضت له دورية لحزب الله داخل الاراضي السورية وأدت الى استشهاد احد ابرز كوادره في البقاع قبل اشهر.
هذه الاسباب وغيرها جعلت ابناء البلدة يعتقدون ان من استهدف الحميّد هو جهة غير الجيش او القوى الامنية الرسمية. ورسّخ هذا الاعتقاد ان المجموعة التي نفذت العملية سلكت طريقا نحو الاراضي السورية، فضلا عن كون السيارتين اللتين استخدمتا في العملية مدنيتين. والى ما يقوله المصدر من داخل بلدة عرسال، تشير اوساط قريبة من المعارضة السورية الى ان النظام السوري اوكل الى حزب الله تأدية دور الظهير الامني والعسكري لحماية دمشق بمنع المعارضة من إحداث خرق عسكري وامني استراتيجي عبر الحدود مع لبنان وعلى طول الطريق التي تربط دمشق بريف حمص وصولا الى حمص، وهي الطريق التي تؤمن التواصل بين الداخل ومناطق الساحل في سورية.
في هذه الخطة تشكل عرسال نقطة الضعف. فالمعلومات تقول: كما هناك مقاتلون لحزب الله في البلدات السورية القريبة من الحدود يذودون عن النظام، هناك مقاتلون منظمون بالتنسيق مع النظام السوري من عشيرة آل جعفر. في المقابل يتحدث مصدر قريب من المعارضة السورية عن وجود كتيبة باسم عرسال تشكلت وتقاتل داخل الاراضي السورية ضد النظام السوري. لا بل ثمة من يؤكد ان معارك عسكرية بين هؤلاء اللبنانيين تشهدها المناطق السورية القريبة من لبنان.
في الخلاصة يأتي اشكال عرسال ليخلط الاوراق مجددا. خلط من بوابة الحسابات الكبرى التي جعلت من الجيش اللبناني في موقع تداعيات الاوضاع في سورية على دوره. فالجيش الذي يطوق عرسال اليوم، يطلب تسليمه متهمين بقتل عنصرين من جنوده، يجد نفسه في مواجهة جريمة اكبر تتم امام ناظريه، وهي الدخول اللبناني الفاقع والفاضح في جبهة الصراع في سورية. فقد دخلت الجغرافيا البقاعية والشمالية في معادلات سورية بدماء لبنانية: النظام السوري يحمي دمشق بدءا من البقاع… والمعارضة تريد احداث خرق في هذه المعادلة بتحرير حمص وريفها من “النظام”.
عرسال في قلب المعادلة إذا، وحزب الله عمادها… والجيش، الذي يقف على ابواب عرسال وفي قلبها، مطالب بأن يمنع هذا التسول اللبناني لقتال في سورية عبر الحدود السائبة من الشمال والشرق.
alyalamine@gmail.com
كاتب لبناني
البلد