(صورة دورا مار”، بابلو بيكاسو، 1937″)
أصل كلمة «عانس» في معجم «مقاييس اللغة» العَنْس، ويعني شدة في الشيء وقوة. والعَنْس اسم من أسماء الناقة، سميت عنسا إذا تمت سنّها واشتدت قوتها ووفرت عظامها وأعضاؤها. ويقال عنست المرأة إذا صارت نصفا وهي بعد لم تتزوج. وعنّسها أهلها أي إذا حبسوها عن الأزواج حتى جازت فتاء السن. كما تقال للرجل الذي لم يتزوج، وهذا ما لا يعرفه الكثيرون في مجتمعاتنا العربية، ولا يريدون أن يعرفوه!
تشوه المعنى في عرف مجتمعاتنا العربية، وإن كان في الأصل اسم من أسماء الناقة!.. صارت تطلق على المرأة فقط. ليس بمعناها اللغوي، ولكن بمغزاها المجتمعي المعيب والمنتقِص بحق المرأة. فإن رغبت بأن تسيء لامرأة انتصف عمرها ولم تتزوج، قل لها «عانس»!.. المرأة في المنظور العام لمجتمعاتنا العربية إنسان ناقص لا يكتمل إلا بوجود رجل. وكما تقول بعض الأمثال الشعبية الدارجة: «ظل راجل ولا ظل حيطة»، «ودخول الرجل البيت رحمة ولو كان فحمة». وليس المراد من مثل هذه الأمثال التواد والتوافق وشراكة الحياة، مرادها أن يتمّم رجل نقص المرأة ويجبر كسرها في عين المجتمع وإن كان سيئا، فظله أهون من بقائها وحيدة. أن ترزح تحت جناحيه، هي المخلوق المقوّض الجناحين باسم الأعراف والعادات والتقاليد الموروثة.
المرأة كائن لا ظل له، كائن يحتاج إلى رجل منقذ ومخلص قبل فوات العمر، لأنها تحمل على جسدها ملصق تاريخ انتهاء صلاحية. وحتى لا تكون رقما مضافا إلى تعداد النساء المدرجات في إحصائية الدولة والمُعنوَنة بكلمة «عوانس»!
وصلت المرأة في عصرنا إلى أعلى مراتب العلم وتبوأت أكبر المناصب السياسية وصولا إلى رئيسات دول وحكومات. وصارت تعتمد على نفسها في الحياة مما أغناها في كثير من الأحيان عن «الحيطة» و «الظل المايل» إن لم تُوفَّق برجل مناسب يشاركها الحياة كصديق ومحب وزوج من دون أن يكون مجرد ظل أو معبر لغايات. أحد أهم أسباب ازدياد نسب الطلاق في مجتمعاتنا هي الضغوط الاجتماعية التي تتعرض إليها الفتاة بضرورة الزواج.
على مجتمعاتنا العربية أن تتوقف عن تطويع كلمة «عانس» لمصلحة ذكورية المجتمع، أن ترتقي إنسانيا وفكريا وتغير منظورها العام للمرأة بهذا الشأن، الذي تستغله ذكورية المجتمع وكثير من نسائه ممن تبرمجن وتعوّدن على إهانة أنفسهن بأنفسهن.
هذه النظرة يجب أن تتغير بألا تعود كلمة «عانس» معيبة ومنتقصة في منظور مجتمعاتنا العربية، ولكن بعد أن تبدأ بإطلاقها على الرجال كالنساء أيضاً!
aseel.amin@hotmail.com