عودة الى جريمة قتل هبة العقاد، إبنة المطربة ليلى غفران. الجريمة مزدوجة وضحيتها الثانية، صديقة هبة، نادين خالد محمد. وهي طالبة جامعية، وابنة مهاجر في الخليج تقطن بمفردها مجمع «الندى» الفاخر. وبخلاف المرحومة هبة التي كُشف عن زواجها مباشرة بعد مصرعها، فان نادين عازبة، اهلها يعيشون في البعيد. وهذا سببٌ كافٍ لتنقضّ عليها صحافة وفضائيات، فتخوض في كل ما تشجّع عليه مناخات اليوم الثقافية: الغمز من ان الفتاة الراحلة «تقبض» شهريا خمسة آلاف جنيه مصري من ابيها المهاجر… واللمز من انها كانت تتعاطى مخدرات و»شباب». ثم الخوض في عذريتها: عذراء ام لا؟ ما اوصل والدها المكلوم لأن يعلن بفخر للاعلام ان تقرير الطبيب الشرعي كشفَ بأن ابنته «عذراء»، فأوحت بعض الصحف بشكها في التقرير، واضطر رئيس مصلحة الطب الشرعي، بعد انتهاء المصلحة من تشريح جثتها، الى الاعلان عن أن نادين خالد فعلا قُتلت وهي «عذراء»، وذلك «عكس ما تردّد في الايام الماضية». ولا نعرف ردود الفعل على هذا التقرير الرسمي بامتياز؛ والذي قد يجرّ تشكيكا آخر وتحقيقا خاصاً يكون عنوانه مثلا «حقائق جديدة مذهلة حول نادين خالد»… وهلمّ جرا. ولكن محامي والد نادين اعلن انه سوف يقدم بلاغا للنيابة العامة ضد 17 صحيفة (آخرون يقولون «19 صحيفة») وعدد غير محدّد من الفضائيات «خاضت في عِرض القتيلة نادين خالد».
المبدأ نفسه الذي يحكم تغطية الجرائم الراقية: مبدأ الانكباب الاعلامي على تفاصيل التفاصيل من شجون النجوم والمحزونين عليهم. يضاف الى ذلك ويصوغ تصوراته، المَيل الجامح للخوض في الاعراض، ومن غير أي رادع، خصوصا اعراض «غير المحصنات» من بين ضحايا الجرائم. صحافيو المنشورات الخاصة، غير الحكومية، وكذلك معدّو فضائيتها، وهمْ همْ انفسهم في معظم الاحيان، يتعاملون مع موضوعاتهم معاملة الواعظ مع رعيته. «خبرهم» ليس بالخبر. بل درس اخلاقي، أشبه بالتلفزيوني؛ يبدأ بالعنوان ولا ينتهي بالتلميحات والضمنيات، ذات المضمون المفهوم؛ وهو مضمون قد لا يخفى على كل قارىء أو مشاهد «بسيط». انه نوع من الريبة الاخلاقية، من الشك السلوكي تجاه أية امرأة يتناولونها في واقع خبرهم. اما أن تكون سافرة، لا محجبة ولا منقّبة، فهذا ما يفتح الباب امام المزيد من الشك والريبة. وثمة في الأمر تراتب ومراتب: فهناك «غير المحصّنة»، غير المحميّة برجل، خصوصا بزوج. وبعد ذلك، هناك العازبة التي تتمتع بقدر من الحرية في السكن والتنقل والاجتماع… فهي إذاً بالتأكيد «فالِتَة»، فقدت من زمان اعزّ ما تملك. اما اذا كانت ميسورة، مثل المغدورة نادين خالد، فخذْ على إيحاءات حول ميزانية هذا المبلغ بين «شباب» و»مخدرات»…
انها ذاتها الموجة العاتية الدينية والذكورية، التي وجدت بعض ضالتها في السافرات العائشات بمفردهن، المتنقلات المتحركات، والمختلطات بالجنس الآخر. حرية نسبية، يعتبرونها مطلقة وشرّاً على شرفهن، الذي يخصهم، كما تخصّهم الحياة الحميمة للمشاهير.
موجة لا يستطيع مقاومتها صحافي او اعلامي قليل الحيلة مهنيا، تعوزه الدقة واللغة والثقافة. انها اقوى من عقله ومن عاطفته. لقد صار شبه مبرمج على اطلاق المواعظ وعلى تدخين الشيشة في الليل امام شاشة الفيديو كليب… ثم الاستيقاظ صباحا وصبّ اللعَنات على نجمات الكليب العاريات، الفاسقات، المنحلاّت… كل هذه العواطف تأججت في جريمة مقتل نادين خالد. والإستشراس في الانكباب على عرضها، تحركه روح الحسد الطبقي: غلٌ متروك على غاربه، يغذّيه إرث اشتراكي مشوّه وفروقات طبقية حادة تسخّرها «القيادات الاعلامية» للتسويق، فتدرّ المال الاعلاني.
بالأمس كانت مشكلة الاعلام انه واقع تحت سيطرة الحكومة ورقابتها، ما يمنع الصحافي من تغطية الخبر المسيء اليها او البحث عن المعلومة او… الخ. فكانت رقابة حكومية صارمة معروفة المصدر والمعايير. اليوم مع الصحافة المسماة «مستقلة» وقد اوقعت الصحافة الرسمية ببعض اغوائها، بات للاعلام «دفاتر شروط». الصحيفة أو الفضائية الخاصة تريد ان تربح، والسلام. اي ان تبيع فتجلب الاعلانات. ولكي تبيع، عليها ان تلفت اهتمام القارىء او المشاهد «البسيط»، أن تسلّيه خصوصا. وبحسب معرفة الصحيفة او الفضائية بما يلبي هذين الشرطين ويفتح «باب التذاكر»، تلك الاستجابة السهلة للغوغائية الفضائحية الكامنة في عقل القارىء او المشاهد «البسيط» دائما… فتطلق العنان لإعلام موجّه توجها صارما نحو «السوق»، من غير ان يكون متحررا بما يكفي من رقابة الحكومة. هكذا تُعَلَّب الأخبار وتقنّن، بحيث تتقدم الاثارة والتسلية على التغطية الاعلامية. أي على الوظيفة المفترضة للاعلام: ان يمدّنا بالمعلومة، بالخبر، بالتحليل، بالتحقيق. واما مضمون هذه الاثارة فبات معروفا: ذكورية مريضة بالنساء مرضا خبيثا، معطوفة على ذهنية دينية تخاف منهن وتخيف. هذا المزيج مطلوب منه طبعا ان يغلَّف بالايمان والورع.
ولا يختـلـــف بذلك اعلام الاثارة الكاره للنساء، المريض بهن، عن الاثـــارة الدينية، خصوصا هوجة الفتاوى الغريبة المثيرة، ولا عن الاثارة السياسية المقرونة بالخطابة الهوجاء، ولا الثقافية، المزايِدة على بعضها في النزاهة والابداع، ما يثبت ان بيع الغوغائية الذكورية يعتاش على بقية الغوغائيات ايضا. انه مناخ واحــــد مـــن التحرش بالنساء في الشارع أو المؤسسات او الاعلام.
في عيد الاضحى المنصرم، بدأ تقليد جديد وسط الشابات: لا يخرجن بمفردهن من المنزل في اول ايام العيد، إلا مصْطحبات غيرهن. تقليد سوف يترسخّ ويتوسع لينتهي بعودة النساء النهائية الى البيت. عملية بطيئة تقهقرية يساهم فيها الاعلام أيما إسهام… وأي اسهام!
dalal.elbizri@gmail.com
* كاتبة لبنانية – القاهرة
الحياة
ظاهرة التحرّش الاعلامي بالنساء … ولو ميّتات
عنوان قاسي جدا للحقيقة اكثر قسوة و عالم مبيرحمش حي او ميت
ظاهرة التحرّش الاعلامي بالنساء … ولو ميّتات
بلغت الصحافة في مصر الحضيض انحطاطا سواء سميت قومية (رحم الله “من أسسوها بالعمل الجاد والعرق والدم”) أو تلك الطفيلية الأخرى ! فلا عناوين لها سوى في التهييج السياسي القومجي أو التهييج ضد الأقلية المسيحية أوفي الجنس أو في كرة القدم…ومنك يولى عليكم فجرنالجية اليوم هم من هذا الشعب الذي أوصله قائد ثورته إلى الافلاس الثقافي وحالة من الإثارة الدينية والقومية لا علاج لها!
ظاهرة التحرّش الاعلامي بالنساء … ولو ميّتاتايها الماجدة دلال:كان العرب وحتى الغرب بل وكل العالم للميت عنده حرمة كبيرة و كذا قيل في المسيحية من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر و فرض الاسلام عقوبة حدية للقذف, العالم انحدر و الأخلاق انحدرت و الحجاب ليس دليل قاطع للعفة و السفور ليس دليل على الفساد و المرأة متهمة و كم من عفيفة قتلت بغيا للشك في عذريتها ولقد انفلت الأمر من عقاله بعد انطلاق الإنتر نت و الردع غير موجود أمر أقسم بالله انه مقزز وحرمة الميت استبيحت و الجشع فتك بالناس. اسأل الله أن يعوض الفقيدتين بالأجر و يحسن مثواهما… قراءة المزيد ..