مر شهر على مقتل الصحفي و الطالب الجامعي الكردي سردشت عثمان الذي اختطف في وضح النهار أمام كلية الآداب في جامعة صلاح الدين في صباح الرابع من الشهر الماضي. حتى الآن ملابسات اغتياله غير معروفة، وبالرغم من الصدى الذي لاقاه محلياً ودولياَ إلا أن هذا الحدث المقلق والمفجع لم يبق ماضياً فهو حاضر في ذهنية كل المواطنين في أقليم كردستان العراق.. الجميع يسأل: من قتل سردشت عثمان؟ و لماذا قُتِلَ؟ أسئلة عديدة تتردد في أذهان الجميع.
أراد سردشت أن يموت موتاً تراجيدياً وهذا ما قرأناه في مقالاته الأخيرة، كان ينتقد السلطة في هذا الأقليم الفيدرالي وكان يتفاعل مع مشاكل مجتمعه المتخلص للتو من مظالم النظام العراقي السابق وما عاناه من مجازر وإبادة جماعية ما زالت أثارها بادية حتى يومنا هذا.. لم يدعو سردشت إلى العنف لمواجهة الفساد، أرادَ مجتمعاً صحياً يكون فيه أبناء المسؤولين والمواطنين في نفس السوية، مجتمع تسود فيه العدالة وسيادة القانون، يضمن حقوق الجميع بغض النظر عن المستوى الاجتماعي أو المركز الحزبي أو الحكومي.. مجتمع ينعم أبناؤه بحياة أفضل من دون وصاية من أحد، ودون أن ينصب أحد نفسه واعظاً للمجتمع..
سردشت هو جيل ما بعد انتفاضة عام 1991 التي شكلت اللبنة الاولى للتحرر.. هو طفل الحرب الأهلية التي راح ضحيتها الآلاف من أبناء وبنات الشعب الكردي.. كان روحاً مفعماً بالأمل في حرم جامعة صلاح الدين بمدينة أربيل وسط زملاؤه وزميلاته، لم تفارقه الإبتسامة يوماً، كان يقول دائماً: غداً سيكون الأفضل ولا تخشو من أصواتكم.. عندما ترك زميله الصحفي مدينته على أثر تعرضه للضرب المبرح من قبل أشخاص مجهولين، وحينما كان يتعرض إلى تهديدات مستمرة، كانَ يقول: لن أترك مدينتي وحاراتها، أحب لبن أربيل، احب ابتسامة الأطفال وهم يجولون في حاراتها، خلف قلعتها، في حدائقها ومدارسها.. لكنه رحل وترك خلفه اكواماً من الاحلام..
اختطاف وقتل سردشت كان السبب لتشكيل الرأي العام في أقليم كردستان العراق، تظاهر الآلاف من الأهالي وطالبوا المسؤولين ببذل الجهود للكشف عن منفذي العملية وتقديمهم الى العدالة لينالوا جزاءهم. الحركة والنشاط المدني في مدن كردستان العراق أقلقت المسؤولين في حكومة الأقليم و اشتدت وتيرة التصعيد الاعلامي بين حركة التغيير المعارضة والسلطة لكن على حساب دم سردشت عثمان، الذي لم ينم بهدوء حتى بعد اغتياله.. حركة التغيير بزعامة نوشيروان مصطفى أتهمت الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني بإغتياله، وبالمقابل أتهم الحزب الديمقراطي حركة التغيير بإختطاف سردشت وقتله للإستفادة من ذلك في تأليب الرأي العام ضد السلطة، هذا السجال بين الطرفين كان السبب الأول والأخير لغض النظر عن القضية الأساسية والتي هي بالدرجة الاولى مسألة قانونية تحتاج إلى تحرك من قبل المدعي العام لمتابعة تفاصيل القضية ولكن هل القضاء في كردستان العراق نزيه ومستقل؟
بين كل هذا وذاك قرأنا بيان لرئيس أقليم كردستان العراق مسعود البارزاني والذي بدأ بجملة: إلى الشعب الكردستاني الصامد.. كردستان العراق تمر في ظروف صعبة!
و ما علاقة ظروف كردستان العراق وصمود الشعب الكردي يا سيدي بقضية اغتيال صحفي كردي من قبل جهات مجهولة؟ وهل دعوتهُ من أجل تشكيل لجنة التحري والتحقيق حول مقتل سردشت عثمان كافية بعد كل هذه الاحتجاجات للوصول إلى حقيقة تبين للرأي العام ملابسات اختطافه وقتله؟
تمّ تشكيل اللجنة المؤلفة من شرطة وأمن مدينة أربيل و نُشرت بعد ذلك النتائج الأولية للتحقيق التي لم تضف شيئاً جديداً حول قضية اختطاف سردشت عثمان. جميع المعلومات التي ذكرت ضمن التقرير أو ما يسمى النتائج الأولية، كانت قد نشرت سابقاً في وسائل الاعلام المحلية والعالمية وهذا ما يذكرنا بمقولة سائدة في العراق وأقليم كردستان العراق، أن أي مسألة نهايتها غير معروفة تشكّل لجنة خاصة لمتابعتها وهذه اللجنة تكون غطاء للتستر فقط وامتصاص التداعيات التي تخلقها فيما بعد..
ثم أين هو المدعي العام في قضية هذا الصحفي؟ وكيف وصلت جثة سردشت إلى مدينة الموصل مع وجود سيطرات الأمن المشدّدة الكثيرة الممتدة على طول الطريق؟؟..
رحل سردشت عثمان بعد ان رحل زميل آخر له في مدينة كركوك سوران مامة حمة قبل عامين الذي فضح ممارسات المسؤولين وسلوكهم غير المسؤول وكان يعمل في مجلة لفين الصادرة باللغة الكردية. لكن الكلمة الحرة تبقى تعلو ولا يمكن للقادة الكرد ان يعيدوا تجربة الأنظمة المستبدة، التي اغتالت الكلمة الحرة بحجج أن ذلك يشكل خطراَ على الامن القومي و كأننا بدأنا نلمس أن من كانوا يعتبرون أنفسهم أصحاب القضية الكردية ومعارضو النظام المستبد في العراق يتقمصون نفس سلوك ذاك المستبد، لكن يبقى الامل كبيراَ في ظل الظروف الحالية والوعي السائد داخل المجتمع وخاصةَ الفئة الشابة وهذا الكم الهائل من وسائل الاعلام المستقل في كردستان العراق التي تمكن من تشكيل رأي عام حول مجمل القضايا التي تمس حياة المواطنين بشكل مباشر..
وداعاً سردشت عثمان. بدماؤك تبقى الكلمة حرة أكثر وأكثر..
• جان كيكي كاتب كردي يقيم في إقليم كردستان
طلقات في الرأس وتبقى الكلمة حرة..
awaz jaf — awazsalem@yahoo.com
فعلا اين المدعي العام في قضية سردشت والى ماذا وصلت اللجنة التحقيقية ؟ لو كانت قضية تهمهم هل كانت مسيرة القضية تسير بهذا البطء ام كانوا اقاموا الدنيا ولم يقعدوها ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟