يظهر نمط التفجير الانتحاري المعتمد في لبنان منذ مطلع هذا العام أنّ تنظيم القاعدة بفرعيه “جبهة النصرة” و”داعش” لا يعير الاهداف العسكرية او الامنية لحزب الله اهتماما، منذ بدأ مسلسل تفجيراته الانتحارية منذ شهر، التي صارت 4 بين الضاحية والهرمل في 2014. وهي جعلت كلّ مقيم أو متنقل في منطقة تقع تحت نفوذ حزب الله هدفاً محتملاً للقتل من قبل هذا التنظيم وفروعه.
هذا بعض مما هو معروف ومتداول، وبات يفرض واقعا متجدداً في أدبيات التنقّل لدى ابناء ضاحية بيروت الجنوبية والجنوب والبقاع. وبات شديد التأثير على الحياة العامة في ابعادها الاقتصادية والاجتماعية. فالاجراءات الامنية، من اغلاق طرق فرعية، ومنع ركن السيارات، وحذر الناس من التجول او التسوق، تساهم في انكفاء الحياة الطبيعية لحساب نمط من الحياة غير مألوف حتى في زمن الحرب الاهلية.
وازاء تراجع الحركة الاقتصادية وتنامي الشكوى من المدى الذي يمكن ان تبلغه المخاطر الامنية، يمكن تقدير انّ هذه التفجيرات مرشحة للاستمرار، وعلى المنوال نفسه، اي أنّها ستدفع المواطنين أ كثر فأكثر نحو حياة فيها الكثير من الاجراءات الامنية التي لم تعد حكراً على فئة بل صارت تطال الجميع.
وامام حقيقة انّ المجموعات الارهابية، او التكفيرية، مستمرة في تنفيذ اهدافها في القتل بلا اي معايير، يترقب ابناء الضاحية والهرمل والجنوب، من حزب الله، ان يقدم لهم اجوبة تتجاوز الاجراءات الامنية التي يشرف عليها وينفذها في اكثر من منطقة. أجوبة تتصل بوسائل تمنع تدفق الانتحاريين الى مناطقهم إذ لم يعد السلاح جوابا كافيا، وما عاد استمرار القتال في سورية يوفر اجابة شافية.
واذا كان مؤتمر جنيف 2 قد فتح نافذة على الحل السياسي للازمة السورية، فإنّ الثابت ان ما يفصلنا زمنيا عن هذا الحل بعيد ودونه على ما تؤكده مختلف امواقف الكثير من القتل والدمار. والثابت ايضا انّ بقاء النظام السوري او رحيله صارا في عهدة اميركية – روسية لا اكثر ولا اقل.
ولأنّ حزب الله، على لسان مسؤوليه، دائما ما يشير الى بيئة حاضنة لهذا الارهاب التكفيري سياسيا ودينياً في لبنان، عليه مواجهة كل ما يوفر مبررات الاحتضان لهذا الارهاب، عبر ازالة العناصر التي يمكن ان تستغلها مافيا “القاعدة” في البيئة السنية اللبنانية، لتنفيذ جرائمها. وهي مهمة مطالب بها، رغم ما يحيط بها من صعوبات تتفاقم يوما بعد يوم. ذلك انّ حزب الله، الذي سقط في فخّ التزامات القوى الاقليمية، ونذر قدراته لمهمات أكبر من قدرة جمهوره ولبنان على تحمل تبعاتها واوزارها، ربما اكتشف انه صار اسير ردّة الفعل وتراجع قدرته على المبادرة ومباغتة اعدائه او خصومه وتحديدا بعدما اظهر استمرار الأزمة السورية وظيفة محورية تتمثل باستنزاف اطرافها. ولهذا السبب لا يندفع الأطراف الدوليون لحلّها.. هذا اذا احسنّا الظن.
وظيفة مواجهة التكفيريين التي انتدب حزب الله نفسه لتنفيذها في الارض السورية قبل ان تتمدّد الى لبنان، كما كان يردد مسؤولوه منذ ما قبل معركة القصير الشهيرة، ليست مرشحة للانتهاء طالما ظل البعد العسكري هو وسيلة حزب الله الوحيدة للمواجهة.
فكما كان حزب الله، في سيرته قبل الازمة السورية، يجد في تعزيز ميزته العسكرية القتالية عنصر حياة وقوة له، ربما يدرك أنّه مع اختلاف طبيعة العدو اليوم بات امام معادلة جديدة، قد يكون العنصر العسكري هامشيا فيها إذا ما أراد الانتصار. لأنّ تنظيم القاعدة هو الاقدر على الاستثمار في الفتنة، وقد نجح الى حدّ كبير في توفير حاضنة له في مواجهة حزب الله.
فمهما قيل عن مبررات قتال حزب الله في سورية، تبقى الدائرة الاكبر في البيئة السنية (عربيا واسلاميا) رافضة لهذا التورّط والتدخّل. وهذا ما يوفّر سلاحا نوعياً لتنظيم القاعدة في تمديد ارهابه ضدّ “الشيعة” في لبنان. التحدي اليوم ليس دعم بقاء النظام السوري او منع سقوطه، بل في كيف لا يكون حزب الله هو رأس الحربة في قتال التكفيريين. إذ انّ “فائض القوة”، التي طالما كان توصيفا ملازما لقوته العسكرية والامنية، وقع في فخّ القوة الاقليمية واوهامها، وبات عاجزا عن توفير الحماية للبنان، بل حتى عن حماية جمهوره.
alyalamine@gmail.com
البلد