كما هو الحال في كل شأن سياسي رئيسي يمس العالم العربي تنقسم التيارات فيما بينها بأكثر مما يحتمل الوضع. فالانقسام سمة اكبر في العالم العربي بحكم تعدد دوله وتنافر مصالحها اضافة الى تأثر كل دولة بكم هائل من النفوذ الدولي والاقليمي. وهذا هو حال الوضع الفلسطيني بعد حرب غزه. فهناك رأي تمثله حماس يقول بامكان الصمود والقتال من غزة والضفة في حروب قادمة بلا الحاجة لاتفاق فلسطيني فلسطيني في ظل دعم من سوريا وايران. وتنطلق حماس من ان الكفاح المسلح بامكانة ان يستمر لحين انسحاب اسرائيل من الضفة الغربية ومن محيط غزة اضافة الى فتح المعابر. هذا الطرح الذي تمثله حماس يعلن ان طريق المقاومة المسلحة انطلاقا من الاعتماد على غزة اولا هو البديل عن منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية. ولا تمانع حماس ( حتى الان علي الاقل) عودة لمنظمة التحرير ان فتحت لها الباب كاملا وان استطاعت منظمة التحرير التحرير التنصل من اتفاقات السلام مع اسرائيل.
اما الطرف الاخر المتمثل بالسلطة الفلسطينية و منظمة التحرير فيعرف جيدا ان جانب كبير من عناصر القوة التاريخية الخارجية للقضية الفلسطينية غير موجودة اليوم: اذ لا يوجد اتحاد سوفياتي، ولا يوجد حرب باردة ولا يوجد ارادة عربية للقتال حتى من قبل دول مثل سوريا وايران وقطر وليبيا، فجميعها على استعداد للدخول في اول مناسبة بالعملية السلمية من اوسع الابواب. السلطة الفلسطينية تقرأ موازين القوى على ان العالم العربي الرسمي لايريد القتال، وان الاتفاق السوري الاسرائيلي السلمي لن يختلف عن كامب ديفيد. لهذا فأن سياسة حماس في تفجير المواجهة كما وقع في غزة ستؤدي ان تكررت لكوارث كبيرة لا تقل عن ما وقع في حرب ١٩٨٢ عندما اجتاحت اسرائيل كل لبنان، وانه الافضل دخول حماس في صيغة للوحدة الوطنية بعيدا عن الاستقطاب العربي والايراني الذي قد يورط الشعب الفلسطيني في معارك مدمرة.
وأن نظرنا للمسألة الفلسطينية في اطار تاريخي يكون موقف الوحدة الوطنية والاتفاق على مقاومة محسوبة وتهدأة محسوبة وعدم اعطاء اسرائيل مبررات لتنفيذ سياسة اكثر عدوانية مع البدء بأعادة بناء غزة هو الموقف الصائب في هذه المرحلة. ولو نظرنا الى المسألة بصورة مجتزأه وكأنها معركة واحدة او اثنتان يكون الامر الذي تطرحه حماس في مكانه. ان الموقف الصحيح للوضع الفلسطيني مرتبط بالمقدرة على التوفيق بين نشوة الصمود و القوة والدعم من الشارع الفلسطيني والعربي الذي عاشته تجربة قتال حماس في غزه وبين شعور السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير بخطورة الموقف العربي والدولي والفلسطيني في ظل محاولات اسرائيل كسر الفلسطينيين.
في هذا اهمية تقدير الموقف. فاسرائيل تريد اكبر مساحة من الارض ولكن بلا سكان عرب. فهدفها لم يتغير عبر تاريخها والذي يركز على اخلاء الارض من السكان والذي يمر عبر ضمان تفكك الشعب الفلسطيني وذلك لتسهيل الاستمرار في الاستيطان والتمدد. وبينما يسود الموقف الاسرائيلي الوضوح، الا ان مشكلة الموقف الفلسطيني الان هو غموض اهدافه ووسائله. فما تطرحه حماس يختلف عن فتح. . و تعتمد حماس حتى الان على استراتيجية تبدو اقل ارتباطا بمتطلبات الوضع الفلسطيني واكثر امتدادا لمبدأ المعركة المفتوحه مع اسرائيل التي تغذيها ايران. ويتم هذا في مرحلة تبحث جميع الدول العربية اضافة الى الوضع الدولي فيها عن تسوية سلمية. إن عدم توحيد الموقف الاستراتيجي سوف يصيب القضية الفلسطينية بمقتل في حالة استمراره.
ان الشعب الفلسطيني يتواجه مع حقيقة صعبة ستقرر مدى مقدرته على التعامل مع معطيات المرحلة. فأن كانت كل الدولة العربية سائره باتجاه تسوية سلمية في عهد اوباما (وهذا يتضمن سوريا ومستقبلا ايران) كيف يمكن للوضع الفلسطيني ان يغرد خارج هذا الاتجاه التاريخي؟ يصبح السـؤال: هل يحدد الشعب الفلسطيني شروطا للتسوية وللانخراط فيها؟ حتى الان تحددت الدولة الفلسطينية القابلة للحياة وعاصمتها القدس كشرط اساسي للتسوية. على حماس ان تصل لهذه النتيجة لكي تحدد سقف واضح لنضالها وليتحول نضالها لمواجهة محسوبة مع اسرائيل لا تصب بمصلحة البرنامج المرحلي الفلسطيني. ان عدم الاتفاق علي البرنامج المرحلي يحول الصراع مع اسرائيل الى صراع مفتوح تدعي اسرائيل انه دفاع عن وجودها، ولكن هذا النوع من الصراع يقدم لاسرائيل مزيدا من الفرص لاخذ مزيد من الارض من خلال التوسع والاستيطان والادعاء ان الطرف الاخر يريد تدميرها.
بين كل الاحتمالات يبقى احتمال الاتفاق الفلسطيني الفلسطيني هو الافضل. فهو الطريق الوحيد القادر على انقاذ تراث النضال الفلسطيني بهدف ايصافه الى بر الامان ولتحقيق نتائج ملموسة في الحفاظ على الارض والحقوق . ان سقف منظمة التحرير الفلسطينية الذي يجمع الجميع هو السقف القادر على تغير المسار ووضع كل الضغط على اسرائيل وسط تأييد دولي لصالح اقامة دولة فلسطينيه عاصمتها القدس.
shafgha@hotmail.com
استاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت