ينبغي قراءة مقابلة “حريت” التركية مع وزير الخارجية السابق يشار ياكيش التي نشرها “الشفاف” قبل شهر (“يشار ياكيش”: تفوّقنا على الإسلاميين العرب بفضل دستورنا “العلماني”!) للإنتباه إلى الدور الحاسم لـ”عبدالله غول” (أكثر من إردوغان) في تحوّل الإخوان المسلمين الأتراك إلى ما يمكن تسميته “نيو إخوان مسلمين”!
وردأ على سؤال “ما رأيك برد فعل تركيا الرسمية على ما حدث في مصر؟”، يجيب يشار ياكيش، المقرّب من عبدالله غول،:
كان ردّ الفعل جيد جداً. فقد تصرف رئيس الحكومة طيب إردوغان كقائد مسؤول، فانتقد ما حدث وتوقف عند ذلك الحد. وأنا أخشى أن نواجه نفس المصاعب التي واجهناها في سوريا إذا ما تجاوزنا ذلك الحد وشرعنا بمساعدة الإخوان المسلمين (المصريين). إن المصريين هم وحدهم من يقرر من الذي سيحكم بلدهم. ومحاورنا هو الطرف الذي يتم الإعتراف به بصفته الدولة المصرية. إن السفير المصري في أنقرة يأخذ تعليماته من الجيش المصري، وليس بوسعنا أن نقول له ”نحن لا نعترف بك”!”
ومن الواضح أن هذا الجواب، إذا كان يمثّل وجهة نظر عبدالله غول، بعيد جداً عن سحب السفير التركي من القاهرة وسحب سفير مصر من أنقرة، عدا الحملات العنيفة التي يشنها إردوغان بصورة تجعله يبدو كزعيم للإخوان المسلمين أكير منه كرئيس لحكومة تركيا.
وفي جواب آخر، يقول ياكيش في نقدٍ ضمني لإردوغان: ” الحزب بات أقوى. إن السلطة تُفسِد، والسلطة المطلقة تُفسِد بصورة مطلقة. وحينما نبدأ بالشعور بأننا بتنا أقوى في السلطة، فإننا نسعى للتصرف مثل لاعب قوي الامر الذي يمكن أن يدفع العديد من الناس للنظر إلينا كتهديد.”!
*
في تعليق في جريدة ”حريت” التركية، بعنوان مثير هو ”ينبغي على الملك عبدالله أن يستقيل”، قال المعلّق التركي سيركان دميتراس أن الحكومة ووزارة الخارجية التركية ما تزال حذرة في انتقاداتها للسعودية ودول الخليج نظراً للعلاقات الإقتصادية والمالية القوية بين الطرفين.. ولكن أيضاً بسبب التأثير المحتمل لمزيد من تدهور العلاقات على قضايا إقليمية أخرى بينها سوريا.
وأضاف: ”ربما كان ذلك سبب اتهام إردوغان لإسرائيل بأنها وراء الإنقلاب في مصر..”!
وأضاف: “أعتقد أن ذلك أيضاً هو السبب في أن أعضاء الحكومة التركية فضلوا توجيه انتقاداتهم لـ”أكمل الدين إحسان أوغلو”، الأمين العام التركي لمنظمة المؤتمر الإسلامي. وحيث أنهم لا يستطيعون أن يطالبوا باستقالة الملك عبدالله بن عبدالله العزيز، فمن الأسهل عليهم أن يهشّموا “إحسان أوغلو” الذي انتخب لهذا المنصب بفضل الجهود الكبيرة التي بذلها الرئيس عبدالله غول حينما كان وزيراً لخارجية تركيا في العام ٢٠٠٥.
وهذا ما يدفع للتساؤل عما إذا كانت الحملة ضد ”إحسان أوغلو” على صلة بالخلاف الصامت الحاصل بين ”غول” و”إردوغان”. وإذا ما تذكرنا أن ”إحسان أوغلو” ظل عرضة لانتقادات الصحف المؤيدة للحكومة منذ سنتين، سواءً بالنسبة للصومال أو قضايا أخرى، فإن ذلك يعني أن النقمة عليه تعود لأسباب أعمق.
ووسط هذه التطورات، التقى ”غول” و”إردوغان” لنقاش التطورات في مصر وموقف تركيا من الإنقلاب، وشارك في اللقاء وزير الخارجية أحمد داوود أوغلو. وعلاوة على مضمون النقاشاتن فإن توقيت الإجتماع مهم جدا كذلك. فالإجتماع كان مقرراً أن يُعقد يوم السبت الماضي، ولكن تم تأجيله في آخر لحظة. وقالت مصادر في رئاسة الوزراء أن الإجتماع سيعقد يوم الخميس المقبل كجزء من الإجتماع الروتيني بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة. ولكن المشاورات بين مكتبي ”إردوغان” و”غول”أدت إلى عقد الإجتماع يوم أمس الثلاثاء، قبل يوم واحد من اجتماع ”مجلس الأمن القومي”.
ومن المعروف جداً أن ”غول” هو أحد أشدّ المنتقدين لسياسة الحكومة الخارجية، ولا شكّ في أن اجتماع الثلاثاء أعطاه الفرصة للتعبير عن وجهات نظره المعارضة. والسؤال هو: إلى أي حد ستنصت الحكومة لنصيحة رئيس الجمهورية، وتتخذ خطوات لمنع ”تفرّد تركيا” من التحوّل إلى ”عزلة مزمنة”؟