يعاني الإيرانيون من الحكومة الدينية منذ ٣٧ سنة. ولم يعودوا قادرين على تحمّلها!
كانت أول إمرأة مسلمة حصلت على جائزة نوبل للسلام في سنة ٢٠٠٣. ولم يمضِ وقت طويل قبل أن تفهم المحامية الإيرانية شيرين عبادي أن الجائزة كانت هدية مسمومة. فلم يتوقف النظام الإيراني يوماً عن مساعيه لإسكاتها، وتدمير عملها المهني، وزواجها، كما صادر ما تملكه، وزجّ بالمقربين منها في السجون، وأرغمها على الرحيل إلى المنفى.
وتواصل شيرين عبادي كفاحها اليوم مع صدور كتابها « لكي أصبح حرة أخيراً »
الفيغارو: جائزة نوبل لم تسبّب لك سوى المتاعب؟
شيرين عبادي: المتاعب بدأت قبل ذلك! فقد دخلت السجن لثلاثة أسابيع، وخضعت للتنصّت، وتم إدراج إسمي على قائمة شخصيات ينبغي اغتيالها. ولكن عداء الحكومة إزائي كان يتزايد بقدر ما كان صوتي يتردد في أنحاء الدنيا.
الفيغارو: في ٢٠٠٩، عقدتِ مؤتمراً صحفياً في مدريد لمناسبة الإنتخابات المزوّرة لصالح أحمدي نجاد. ماذا شعرتِ حينما تلقيت نصيحة بعدم العودة إلى إيران؟
شيرين عبادي: شعرت بحنق هائل، ولكنني كنت مقتنعة بأن ابتعادي عن إيران لن يطول كثيراً. وطلب مني زملائي الذين ظلوا خارج السجون أن أتوجّه إلى الأمم المتحدة لعرض الوقائع. ثم انتفض شعب إيران، وتم إيداع زملائي وأصدقائي في السجون. وهذا ما جعلني أشعر أنني أكثر فائدة خارج إيران.
الفيغارو: أثناء وجودك بالمنفى، تلقيت اتصالاً هاتفياً من زوجك أبلغك فيه أن النظام ابتزّه بسبب علاقة مع إمراة ووضعه في السجن، وأنه اضطر للموافقة على التنديد بك بوصفك عميلة أميركية من التلفزيون الحكومي؟
شيرين عبادي: هذا يظهر مدى براعة حكومة إيران في أساليب التعذيب. كان ذلك بمثابة كابوس لي أنا ولإبنتي الموجودتين معي في المنفى. في النهاية لم أحقد على زوجي لأنه ضحية لنظام منحرف. ومع ذلك فقد اتفقنا على الطلاق لأن ذلك كان الحل الوحيد لكي يتركوه يعيش بسلام.
نظام منحرف يتخصص بابتزاز المعارضين بتصويرهم في السرير!
الفيغارو: بعد ذلك، وضعوا شقيقتك في السجن، لماذا لم تتنازلي لهم؟
شيرين عبادي: كان ينبغي إفهامهم أن الضغوط على أقاربي لن تنال من تصميمي. وعندما فهموا فقد توقّفوا. وتم إطلاق سراح شقيقتي. ينبغي ألا نتنازل أمامهم أبداً.
الفيغارو: لماذا اخترت أن تتطرقي إلى أمور شخصية جداً في كتابك؟
شيرين عبادي: من خلال ما حدث معي يمكن أن نكوّن فكرة دقيقة عن تعاملهم مع المنشقين. ما حدث معي هو مجرد حالة بين حالات كثيرة. إن العديد من الرجال الذين تم تصويرهم مع عاهرات لا يجرؤون على الكلام عن الموضوع (إضافة من الشفاف: ربما تقصد شيرين عبادي نائب الرئيس خاتمي، « محمد علي أبطحي »، الذي تنكّر لمبادئه في محاكمته العلنية خوفاً من التشهير به جنسياً!). لم أتردّد في كشف خفايا حياتي الخاصة لكي يتجرّأ آخرون على كشف المحرّم!
المعاهدة النووية لم تحسّن الأحوال داخل إيران
الفيغارو: ما هي طبيعة نشاطاتك اليوم؟
شيرين عبادي: منذ ٢٠٠٩، عزّزت الحكومة مستوى يقظتها. من جهتي، أنا أسعى لمساعدة زملائي الموجودين في إيران. أنا أنطق بلسانهم في الخارج.
الفيغارو: لكن السيد أحمدي نجاد لم يعد في السلطة. ويُفتَرَض أن الرئيس روحاني هو من المعتدلين، وأن الإصلاحيين حققوا تقدّماً في الإنتخابات التشريعية الأخيرة، وأن الإتفاق النووي يمثّل بدية انفراج مع الغرب! ألم يتحسّن الوضع في إيران؟
شيرين عبادي: أبداً! المعاهدة النووية والإنفتاح الإقتصادي لم يغيّرا شيئاً حتى الآن. لقد تم توقيع اتفاقيات اقتصادية، ولكنها لم تُنجَز بعد. في إيران نفسها، فإن المهم هو المرشد الأعلى. وهو يمسك كل السلطات حسب أحكام الدستور. والحال، فقد أعلن أنه لن يتسامح مع أي تطوّر.
حكومة إيران تقول لشعبها: ظهور داعش هو نتيجة للتمرد على الحكام!
الفيغارو: أي أنه ليس هنالك ما يدعو للتفاؤل بالنسبة لبلادك…؟
شيرين عبادي: ليس حتى الآن. إن المجتمع المدني الإيراني ما يزال يصارع من أجل بقائه. وهو لم يتوقّف عن إصدار الإشارات عن حيويّته. ولكن الحكومة تخشى تلك الحيوية وتُضاعِف عنفها. كل يوم، هنالك إضرابات واحتجاجات. في الشهر الماضي، تم اعتقال وسجن قرابة ٥٠٠ شخص، ثم إطلاق سراحهم بعد دفع غرامة. وتزايدت إعدامات المنشقين، حسب الجمعيات الأهلية. إنهم يسعون لترويع الناس، وردعهم. بدون هوادة!
الفيغارو: هل تشعرين بالقلق إزاء التحالفات التي يعقدها الغرب مع إيران من أجل تدمير الدولة الإسلامية؟
شيرين عبادي: تجني حكومة إيران فائدة كبيرة من الأزمة السورية. وهي تظهر على تلفزيونها عذابات الشعب السوري. وتقول للإيرانيين هذا هو ما يحصل حينما يتمرّد قسم من الشعب ويخرج على حكّامه! وهي تقول لهم: «نحن نحميكم، ومن بعدنا ليس هنالك إلا الطوفان ». بالمقابل، لا تقول حكومة إيران كلمة واحدة عن الخطر الذي تمثّله المفاعلات النووية. وهذا مع أن إيران تقوم فوق صدع زلزالي!
الفيغارو: هل هنالك بين إيرانيي الخارج، أو حتى في أسرة « بهلوي »، حلّ ما لتحقيق انتقال سياسي في حال انهيار النظام؟
شيرين عبادي: لماذا تسألني عن إيرانيي الخارج؟ لو كانت هنالك انتخابات حرّة، فإن الناس كانوا سيعثرون على زعماء من داخل الشعب الإيراني. ولكانوا صوّتوا بالدرجة الأولى لنظام علماني! يعاني الإيرانيون من الحكومة الدينية منذ ٣٧ سنة. ولم يعودوا قادرين على تحمّلها! فصل الدين عن الدولة هو المهمة الأكثر إلحاحاً. وهذا يعني وضع الدولة في أيدي الشعب، وليس في أيدي رجال الدين، لكي يقرّر الشعب ما يريده بنفسه!
الأصل الفرنسي: