بداية يعتبر مارتن اينالز (1927 – 1991) صاحب دور أساسي وفعال في حركة حقوق الانسان الحديثة وكرّس حياته كلّها لنصرة حقوق الانسان في كل مكان من العالم. ويعتبر أول أمين عام ل”منظمة العفو الدولية”، حيث جعل منها قوة دافعة لكل المنظمات الأخرى في العالم التي تُعنى بحقوق الانسان.
وتعتبر الجائزة التي تمنح سنويا باسمه تكريما وتخليدا لذكراه، أهم جائزة دولية تمنح للمدافعين عن حقوق الانسان، وتمثل تعاوناً فريداً من نوعه بين عشرة من أهم منظمات حقوق الإنسان في العالم لتوفير الحماية للمدافعين عن حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم.
وتتألف لجنة التحكيم من المنظمات غير الحكومية التالية: منظمة العفو الدولية، هيومان رايتس ووتش، حقوق الإنسان أولاً، الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان، المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب، مؤسسة الخط الأمامي، لجنة الحقوقيين الدولية، جيرمان دياكوني، المصلحة الدولية لحقوق الإنسان، والشبكة الدولية لأنظمة معلومات ووثائق حقوق الإنسان.
جائزة مارتن اينالز في عامنا الحالي 2010 ذهبت الى المحامي السوري مهنّد الحسني رئيس المنظمة السورية لحقوق الانسان (سواسية) والذي يقضي الآن حكما بالسجن لمدة ثلاث سنوات، حيث تم تجريمه ب”جناية نشر أنباء كاذبة من شأنها وهن نفسية الأمة”، كذلك ب”جنحة إذاعة أنباء كاذبة في الخارج من شأنها أن تنال من هيبة الدولة”، وذلك كما جاء في الحكم الذي أصدرته محكمة الجنايات الثانية بدمشق بجلستها المنعقدة يوم الأربعاء في23/6/2010
كذلك من المهم التنويه هنا أن المحكمة برأته من “جرم إقامة صلات غير مشروعة مع الخارج” استنادا الى نفس الحكم الصادر المشار اليه.
في حفل تسليم الجائزة، الذي جرى بتاريخ الجمعة 15102010 في قاعة فيكتوريا هول الشهيرة في جنيف وتم نقل مجرياته عبر شبكة الانترنت، عرض في الحفل المذكور فيلمان وثائقيان، الأول مدّته 5 دقائق وفيه تم استعراض الفائزين بالجائزة ابتداءا من عام 1994 تاريخ انشائها حيث فاز فيها المعارض الصيني هاري وو، ومن ثم تنقلت الجائزة في الباكستان ونيجيريا والمكسيك وفلسطين ويوغسلافيا السابقة الى الكونغو وكولومبيا وتشاد وروسيا وايران وزمبابوي وبروندي وسيري لانكا.
وتجدر الاشارة هنا الى أن الحسني هو السوري الثاني الذي يفوز بها حيث فاز بها من قبل المعارض السوري والمدافع عن حقوق الانسان المحامي أكثم نعيسة وكان ذلك في عام 2005. الفيلم الوثائقي الثاني ومدّته 15 دقيقة، كان مخصصا للشهادات التي أدلى بها زملاء الحسني وأصدقاؤه وأهله وهي موضوع تقريرنا هذا.
يفتتح الفيلم بكلام أحد أشقاء مهنّد: “مهنّد محامي… عندما يشطب من نقابة المحامين يكونوا قد قضوا على حياته ومستقبله”. ثم لقطة معبرة لنجل الحسني أمجد، الطفل الصغير الذي لم يتجاوز عامه الخامسة حيث يسأله معدّ الفيلم: “أين بابا؟” فيجيب الصغير وهو مستمرا بالعبث بألعابه المتناثره أمامه: “في الحبس”، غير عابئ أو فاهم معنى الكلمة.
الشقيق الآخر لمهنّد يتسأل بمرارة: “مهنّد دائما لايسكت على الخطأ ومحامي نذر نفسه للدفاع عن حقوق الانسان، فلماذا حبسوه؟! أين الغلط؟!”.
أم مهنّد لم يقولوا لها أن مهنّد في السجن لأنها مريضة كما يقول أحد أشقاء مهند: “نخشى على صحتها… أقنعناها أنه في لبنان وسيعود”.
مرهف الحسني الشقيق الأكبر لمهنّد يقول مستنكرا: “معقول نحن من عائلة دمشقية عريقة، أحد أجدادنا كان رئيسا للجمهورية وكذلك أحد أجدادنا أيضا كان علامة ومتحدث أكبر على مستوى سوريا واليوم يتّهم مهنّد باضعاف الشعور القومي، الموضوع كثير مستهجن”.
منتهى الأطرش البنت الصغرى لسلطان باشا الأطرش قائد الثورة السورية الكبرى والعضو في المنظمة التي يرأسها مهنّد كما يؤكد تصريحها في الفيلم، ماذا قالت فيه؟: “يخدم العدالة والحق العام. كنت أحسّ أن لديه نبوغ وأنه شخص غير عادي على هوى سنه”، أي تقصد رغم صغر سنّه.
وليد البني معتقل الرأي السابق يقول: “كان مهنّد بالنسبة لي أحد المحامين الذين تبنوا قضيتي في حالتي الاعتقال اللتين تعرضت لهما، الأولى من 2001 حتى 2006 وكانت لمدة خمس سنوات والثانية لمدة سنتان ونصف، علاقتي بمهنّد علاقة صداقة انسانية أكثر منها علاقة سياسية أو حقوقية، ومهنّد يمتلك حس انساني عالي، حس التعاطف مع المظلوم”.
محمد ملص المخرج السينمائي المعروف وزميل مهنّد حيث عملا معا لمدة عامين ونصف العام في “المنظمة السورية لحقوق الانسان” كما يذكر ملص في الفيلم الذي نحن بصدده: “… ترك أثرا في وجداني خلال تلك المدة” ويتابع قائلا: “ما يميز مهنّد هو ذلك التماهي بين عمله في المنظمة والحالة الانسانية والشخصية له”.
ياسر العيتي أحد معتقلي “اعلان دمشق” والمفرج عنه حديثا وممن تولى مهند الدفاع عنهم يتذكر لقطة انسانية دالة: “لم أكن أعرف مهنّد قبل دخولي المعتقل، عند قاضي التحقيق التقيت به لأول مرة. كان الطقس شتاءا والجو باردا وكنت أرتدي ثيابا خفيفة، وبكلّ عفوية رأيت مهنّد ينزع عنه الجاكيت الذي يرتديه ويعطيني اياه قائلا: قريبا ان شاء الله تخرج من السجن وتعيده الي”.
ثم ينتقل ياسر بالحديث عن اسلوب مهنّد وعقلانيته في ممارسته لمهنته وكيفية دفاعه عن موكليه: “أسلوب مهنّد لا يعتمد الصدام مع السلطة وانما يعتمد الدفاع المنطقي ويعتمد على القانون، فكانت مرافعته محكمة وقوية وأسلوبه غير صدامي وفعال”.
يعود المخرج السينمائي محمد ملص ليتابع شهادته في مهنّد قائلا: “هو أحد المحامين الكبار الذين قدموا الكثير من حياتهم من أجل الوضع الحقوقي والقانوني في سوريا. ومهنّد انتقل من هذا الارث الحقوقي الى محاولة وعي حقوق الانسان في سوريا”.
البنت الصغرى لقائد الثورة السورية الكبرى تتذكر بألم وتسأل باستنكار عبرت عنه جملتها: “أين نضالات أيام زمان!!”. ثم وباعلان خيبة أمل جلية: “هل الايام ماني شايفة الا أنو عم نغوص لتحت”. ثم تتابع: “سرقوا نضال أبي وتسلقوا على جدرانه”.
تعود الكاميرا من جديد الى شقييق مهنّد الأكبر الذي يقول: “مهنّد اختار المهنة الصح، لكن ليس في المكان الصح”.
تنتقل الكاميرا في لقطتها ما قبل الأخيرة الى نجل مهنّد الطفل الجميل الذي يكاد يلامس ربيعه الخامس حيث تضبطه الكاميرا يدندن ببراءة طفل لم يتعرف على أهوال الحياة: “نستناك يا بابا، تا ترجع يا بابا”.
تختم الكاميرا رحلتها عند أم مهنّد التي لازالت مقتنعة أن ابنها في لبنان فتقول: “صار لمهنّد حتى هذا اليوم سنة كاملة في لبنان”.
ahmadtayar90@hotmail.com
* كاتب سوري